يحتضن حي الفاتح في مدينة إسطنبول التركية متحفًا فريدًا من نوعه وهو متحف فلسطين، الذي يعد نافذة مفتوحة على الذاكرة الفلسطينية وقطعة من الأرض المحتلة في قلب المدينة العثمانية القديمة.
وقد أُنشئ المتحف عام 2023 بمبادرة من الباحث الفلسطيني إبراهيم العلي، ليكون مساحة حية تحفظ الرواية الفلسطينية وتواجه محاولات طمسها.
متحف فلسطين في إسطنبول
وفي أروقة المتحف، يمتد التاريخ الفلسطيني هناك من الفتح الإسلامي حتى يومنا هذا، وفيه بانوراما بصرية تروي محطات المقاومة والتهجير والهوية، وتستعيد القاعات عبق القرى الفلسطينية عبر الأثواب المطرّزة، وصندوق العروس، وأدوات الحياة اليومية.
ويستقبل متحف فلسطين في إسطنبول العشرات من الزوّار لما يقدّمه من معروضاتٍ للثقافة والتراث الفلسطيني، ويحظى قسمُ الوثائق العثمانية بأهمية كبيرة حيث يمكن البحث عن نسب العائلات الفلسطينية.
ويحظى المتحف بإعجاب الزوّار، خصوصًا الفلسطينيين الذين يعيشون في بلاد المهجر، ويتيح من خلال مكتبته إمكانية البحث والاطلاع على العديد من الكتب والمؤلفات التي تعنى بتاريخ فلسطين وتُفند محاولاتِ تزويره.
وفي هذا السياق، قال مدير المتحف إبراهيم العلي: "الفكرةُ بدأت من حيثيات متعددة؛ أهمها ضرورة وجود معلم وطني فلسطيني في مكان مثل مدينة إسطنبول، التي تُعتبر موقعًا سياحيًا عالميًا يقصده الناس من كل مكان".
وأضاف العلي: "كان لا بدّ من وجودِ شيء يدل على فلسطين ويُوصل رسالة فلسطين. فكانت الفكرةُ إيجاد هذا المكان كمتحف فلسطيني يعبر عن القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها".
وتابع: "تناولنا في هذا المتحف القضية الفلسطينية من الناحية التاريخية والجغرافية، كما خصصنا أقسامًا مُستقلة لمدينة القدس والمسجد الأقصى، إلى جانب الجغرافيا الفلسطينية بكل تفاصيلها والتراث الفلسطيني والمحاصيل التقليدية والصناعات الفلسطينية".
عرض حقبة مهمّة من التاريخ الفلسطيني
ومضى يقول: "لقد استعرضنا حقبة مهمّة من التاريخ الفلسطيني: مرحلة الانتداب البريطاني التي أسست لنشوء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وما قبل ذلك، وكذلك في العهد العثماني حيث كان الاحتلال الإسرائيلي يفتري بأن فلسطين هي أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض.. ولكن نحن عبر الوثائق الموجودة في المتحف والحقائق التاريخية نفنّد هذا الادعاء".
وأشار إلى أن "المتحف يحوي صورًا ووثائق تدلُّ على الحياة الإدارية: الطابو، وشهادات الميلاد، وشهاداتُ السوق، والهويات، وجوازات السفر، وعقود الزواج في المحاكم، ووثائق التبرّع، بالإضافة إلى صور تدلّ على حيوية وازدهار المدن الفلسطينية في مرحلة ما قبل النكبة"، لافتًا إلى أن "كلُّ ذلك بمثابة ردّ على تلك الافتراءات وتفنيدها".
وقال زاهر وهو زائر للمتحف: "ليست هذه الزيارةُ الأولى لي؛ آتي إليه دائمًا لأنّ المتحف متجدّد ويُضيف دائمًا أشياءَ جميلة.. وآخرُ إضافاته كانت تجربة الواقع الإفتراضي".
فبنظارة الواقع الافتراضي تأخذك جولة افتراضية إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ومؤخرًا كانت هناك جولة في قطاع غزة تشعرُك بالدمار والشهداء وحياة أهالي غزة في العامين الماضيين، بحسب زاهر.
من جانبه، قال مدير المكتب الإعلامي في المتحف إبراهيم العبد الله: "خلال عاميْ افتتاح المتحف زارنا أكثر من ثلاثة آلاف زائر، وهناك وفود طلابية ووفود من شتّى الجنسيات والجاليات العربية وحتى المغتربين الذين يأتون إلى إسطنبول ومنطقة الفاتح السياحية، ويلفتُ انتباههم هذا المتحف، فيدخلون إليه ويشاهدونه ويترك المكان انطباعًا جيدًا لديهم وكأنّهم يتجولون في فلسطين المصغّرة".