"آخ يا بلدنا".. شوشو حين تؤسس مسرحًا يوميًا وتموت فقيرًا
بشاربه الكثّ وشعره الأجعد الطويل ونحوله اللافت، قدّم حسن علاء الدين الذي غيّبت شهرته، وهي "شوشو"، اسمه الحقيقي، ما قد تُعتبر المغامرة الأكبر والأطول عمرًا في المسرح اللبناني عبر تاريخه، وهي المسرح اليومي.
فقد شهد "المسرح الوطني" الذي أسسه، صعود الممثل الشاب، الفقير لكن الموهوب الذي اكتسح بيروت بأسرها، قبل أن يتوفى عن ستة وثلاثين عامًا، فقيرًا كما بدأ ومثقلًا بالديون.
لكنّ شوشو ظل رغم ذلك حاضرًا في المشهد الثقافي لمدينته، بعد خمسين عامًا على رحيله عام 1975، ففي 2023 أصدر الكاتب المسرحي اللبناني فارس يواكيم أول كتاب يجمع نصوص عدد من المسرحيات التي قدّمها شوشو من كتابة أو إعداد أو اقتباس يواكيم نفسه، بعنوان "مسرحية آخ يا بلدنا وأخواتها".
آخ.. يا بلدنا
وتعتبر "آخ يا بلدنا" أشهر مسرحيات شوشو، وقد أخرجها عام 1973 روجيه عسّاف عن نص أعدّه يواكيم، وتدور حول لص ظريف إذا صح الوصف يتحرّك وسط جموع من الشحادين واللصوص، هم جموع الشعب رمزيًا، حيث تتواطأ السلطة السياسية ورأس المال معه ما دام يقدّم لها الرشى أو يخدم مصالحها.
ويسلّط شوشو من خلال هذا العمل الضوء على حجم الفساد في الطبقات الحاكمة التي يمثلهم في المسرحية من يوصف بالباشا، وهو رئيس جمعية الشحادين في الوطن والمهجر، وضابط الشرطة الذي يتقاسم الغنائم مع اللص شوشو.
وعندما تتعارض مصالح رئيس الشحادين وضابط الشرطة مع شوشو، يُلاحَق ويصدر عليه الحكم بالإعدام بتهمة الخيانة لأنه "فتّح عيون النشّالين على كبار الشرّاقين"، والأخيرون في المسرحية نوّاب وساسة ومتنفذون، لكنّ إعدام اللص الظريف يُعطّل في اللحظة الأخيرة لأن ثمة من له مصلحة في بقائه.
يمكن اعتبار المسرحية سياسية في المقام الأول، وقُدمت بلغة تلك الحقبة وتقنياتها المسرحية، معتمدةً على بطلها الذي تدور حوله الأحداث، مع تلميحات سياسية وجنسية تستدعي الضحك، وفيها تظهر موهبة شوشو الفذة رغم عدم تماسك النص على ما يُظهره العرض على الأقل.
وساعده في هذا مرونة جسدية مذهلة، وارتجالاته و"قفشاته" التي عُرف بها، إضافة إلى هيئته المفارقة للسائد وزيّه الذي يذكر بشارلي شابلن، الكوميدي الأميركي الشهير.
شحادين يا بلدنا.. قالوا عنا شحادين
وتتضمن المسرحية واحدة من الأغنيات التي تحوّلت إلى "بيان حال" للمواطن اللبناني والعربي عمومًا فيما بعد، فإذا هي أقرب إلى الشعار السياسي الاحتجاجي على تدهور الأوضاع العامة، واستفحال الفساد في صفوف النخبة الحاكمة التي لا تقتصر على الطبقة السياسية بل تشمل رأس المال أيضًا.
ورغم حدّة النقد السياسي الذي وسم المسرحية إلا أنها لم تتعرّض للمنع في عام عرضها، وكانت المفارقة استدعاء النائب العام لشوشو بسبب أغنية "شحادين يا بلدنا" التي تضمنها العرض، وكتبها الشاعر الغنائي ميشال طعمة ولحّنها إلياس الرحباني، ثم صدور أمر قضائي بمصادرة أسطوانات الأغنية من الأسواق، مع السماح بأدائها في العرض المسرحي.
وتقول كلمات الأغنية التي أعيد توزيعها مرارًا منذ ذلك الوقت حتى أيامنا هذه: (شحّادين يا بلدنا.. قالوا عنا شحّادين نشّالين يا بلدنا.. قالوا عنا نشّالين محتالين يا بلدنا.. نحن شوية مساكين مظلومين يا بلدنا.. إيه وحياتك مظلومين ليش منسرق .. ما سألتونا منسرق لأنه سرقونا ليش منبيع .. ما سألتونا منبيع لأنو باعونا سرقونا الكبار… باعونا الكبار ونحنا حرامية دراويش.. صغار.. صغار)
شوشو إذ يبتلع حسن علاء الدين
ولد حسن علاء الدين في فبراير/ شباط 1939، وعُرف عنه هوسه بالمسرح منذ مراهقته، حيث قدم مع عدد من مجايليه مسرحية بعنوان "عنتر بالجندية" عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، قبل أن يقدم فقرات وإسكتشات على خشبة مسرح تجاري كان يقدم حفلات غنائية.
وكان تعرّفه إلى الفنان والكاتب محمد شامل مفصليًا في حياته، إذ يعتبر شامل مكتشف شوشو الحقيقي، حيث ضمّه إلى الإذاعة والتلفزيون اللبناني، ومنحه لقبه، وشاركه مع محمد كريم في برنامج "يا مدير" الذي عرّف المشاهدين بشوشو، وهو اللقب الذي ابتلع الاسم الحقيقي، وأصبح ملاصقًا للرجل حتى وفاته.
وفي مقابلة مع التلفزيون الأردني عام 1975، وهو عام وفاته، قال شوشو إنه كان يعمل في تلك المرحلة موظفًا في أحد البنوك، وكان يدرس في الليل ويعمل في النهار، مشيرًا إلى وجود فرقة مسرحية لديه عندما قابل شامل، موضحًا أن بدايته كانت في برامج الأطفال، وإنه كان يقدّم برنامج "يا مدير" مرتين في الأسبوع.
أول مسرح يومي في بيروت
وكانت نقلته الثانية الأكبر في مسيرته عام 1965 حين اتفق مع المخرج نزار ميقاتي والكاتب المسرحي وجيه رضوان على استئجار دار سينما شهرزاد التي كانت متعثرة، وحوّلوها إلى مسرح.
ويروي فارس يواكيم أن شوشو لم يكن يملك قرشًا واحدًا عندما أسس "المسرح الوطني"، فاُضطر في حينه للاستدانة من مرابين لإنشاء مسرحه لتعذّر أخذ قرض من أحد البنوك، وهو ما جعله مدينًا طيلة الوقت، إذ كان يدفع نحو 60% من إيرادات مسرحياته إلى أولئك المرابين.
وفي "المسرح الوطني" قدّم شوشو للمرة الأولى في تاريخ المسرح اللبناني، مسرحًا يوميًا، بلا توقف، منذ عام 1965 حتى 1975، وكانت مسرحية "شوشو بك في صوفر" أولى تجاربه التي قاربت نحو 27 مسرحية، منها "الفرق نمرة" و"آخ يا بلدنا" و"واو سين" و"سيدتي الجميلة النشّالة" و"كافيار وعدس" و"فوق وتحت" و"اللعب على الحبلين" و"الدنيا دولاب".
أول من أسس مسرحًا للأطفال
كما كان شوشو أول من أسّس مسرحًا للأطفال، حيث كان يقدّم عرضين أسبوعيًا للاطفال على خشبة مسرحه.
وفي مقابلته مع التلفزيون الأردني التي يُعتقد أنها آخر مقابلة أُجريت معه، شدّد على أن "الأطفال هم مستقبلنا"، وأنهم إذا تعوّدوا الذهاب إلى المسرح فسيكون من بينهم في المستقبل مخرجون وكتّاب وأدباء، إضافة إلى أنهم سيكونون جمهور المسرح السياسي أو سواه عندما يكبرون.
وكما عُرف شوشو بأغنية "شحادين يا بلدنا"، فقد عُرف أيضًا بأغنية ذائعة للأطفال عن الحروف الأبجدية، وقدّمها في مسرحية للأطفال كتبها فارس يواكيم، وهي من تأليف ميشال طعمة وتلحين إلياس الرحباني اللذين تعاونا معه في أغنية "نانا الحلوة نانا" أيضًا، بالإضافة إلى أغنيات كثير من مسرحياته.
شوشو.. حين تموت فقيرًا
تعاون شوشو الذي تغيّر اسم مسرحه من الوطني إلى "مسرح شوشو" عام 1972 مع شريكه المخرج المسرحي نزار ميقاتي الذي واكب صعوده المسرحي حتى عام 1970، وبعده مع المخرج برج فازليان الذي أخرج له خمس مسرحيات منها "كافيار وعدس"، ومع محمد كريم وروجيه عساف ومحمد سلمان والمصري سيد بدير ونقولا أبو سمح، كما شارك في عدة أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية لم تكن في مستوى أعماله المسرحية.
وعاش شوشو في بيت متواضع في حي البسطة الشعبي في العاصمة اللبنانية بيروت طيلة ثلاثين عامًا، وكان آخر عرض قدّمه في العاصمة الأردنية عمّان وليس بيروت عام 1975، حيث تعرّض في طريق عودته إلى بلاده لأزمة قلبية رافقته في بيروت، وأدت إلى وفاته في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 عن ستة وثلاثين عامًا.
كانت الحرب الأهلية قد بدأت وأتت نيرانها على مسرحه، وعلى عصر ذهبي غادرته العاصمة اللبنانية منذ ذلك الوقت ولم تعد إليه.