السبت 22 مارس / مارس 2025
Close

أحداث الساحل ومسار الانتقال السوري.. ماذا عن الخلفيات والتداعيات؟

أحداث الساحل ومسار الانتقال السوري.. ماذا عن الخلفيات والتداعيات؟

شارك القصة

تطرقت دراسة سياسية جديدة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أحداث الساحل السوري وتداعياتها
تطرقت دراسة سياسية جديدة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أحداث الساحل السوري وتداعياتها - غيتي
الخط
تطرقت دراسة للمركز العربي للأبحاث إلى خلفيات وتداعيات أحداث الساحل السوري، مشيرة إلى أنها ألحقت أضرارًا بالغة بمسار الانتقال السوري.

أكدت دراسة سياسية جديدة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن أحداث الساحل السوري غربي البلاد، ألحقت أضرارًا بالغة بمسار الانتقال السوري الذي بدأ بعد سقوط نظام بشار الأسد.

والخميس الماضي، شهدت محافظتا اللاذقية وطرطوس الساحليتان توترًا أمنيًا على وقع هجمات منسقة لعناصر نظام الأسد، هي الأعنف منذ سقوطه، ضد دوريات وحواجز أمنية، ما أوقع قتلى وجرحى.

"أضرار بالغة بمسار الانتقال السوري"

وإثر ذلك، استنفرت قوى الأمن والجيش ونفذت عمليات تمشيط ومطاردة عناصر النظام السابق، تخللتها اشتباكات عنيفة وانتهاكات بحق مدنيين، وسط تأكيدات حكومية باستعادة الأمن والاستقرار في مدن الساحل.

واعتبرت الدراسة التي حملت عنوان "أحداث الساحل السوري: الخلفيات، التداعيات، وردّات الفعل الدولية" أن أحداث العنف الطائفي التي شهدتها مدن الساحل السوري وأريافه، وأسفرت عن مقتل المئات من المدنيين العزل، ألحقت أضرارًا بالغة بمسار الانتقال السوري الذي بدأ بعد سقوط نظام الأسد، وما زالت وجهته غير معروفة إلى الآن".

وأضافت الدراسة، أن هذه الأحداث "عمّقت الشروخ بين فئات المجتمع السوري وأظهرت عجز الحكومة عن حماية مواطنيها، وبددت كل الجهود التي بذلتها على مدى ثلاثة أشهر منذ سقوط النظام للظهور بمظهر الحكومة المسؤولة والقادرة على تجنّب أعمال العنف الطائفي. فهي لم تتعامل مع أصل المشكلة المتعلقة بالطائفية التي تبدو أمرًا رائجًا ومصرحًا به في بعض الأوساط، بل ويتطابق مع دعم الإدارة الجديدة في نظر البعض".

واعتبرت الدراسة، أنه "لا يجوز تجاهل قضية الطائفية، والمطابقة الموهومة للأكثرية الطائفية بالأكثرية السياسية، أو الحاكمة".

وشددت على ضرورة "مواجهة مسألة المواطنة السورية المتساوية التي تشمل المساواة في الحقوق وفي فرص المشاركة في مؤسسات الدولة، التي تبدو التعيينات جارية فيها على أساس الولاء لا الكفاءة".

تداعيات على ملف العقوبات

ولفتت الدراسة، إلى أن أحداث الساحل "قد تكون ألحقت ضررًا بالغًا بجهود الحكومة لرفع العقوبات، الأميركية خاصة، حيث تضع واشنطن حماية الأقليات شرطًا رئيسًا لرفعها".

ويعد رفع العقوبات الأميركية ضروريًا للنهوض بالاقتصاد السوري الذي دمرته الحرب، ولإعادة الإعمار، ولنجاح الحكومة الجديدة في التعامل مع التحديات المعيشية الصعبة.

وبحسب الدراسة، فإنه "رغم أن الحكومة السورية سارعت إلى احتواء الضرر، إذ اعترفت بوقوع انتهاكات طائفية، وتعهدت بالتحقيق في أحداث الساحل من خلال إنشاء لجنة تحقيق ومحاسبة المسؤولين، فإن استعادة ثقة السوريين تتطلب اتخاذ خطوات إضافية مهمة على رأسها إشراك كل فئات المجتمع في العملية السياسية، وتشكيل حكومة تمثيلية بعيدًا عن الإقصاء والاستئثار، وتجريم التحريض الطائفي، بما في ذلك الجاري دون توقف على وسائل التواصل".

كما أن الحصول على ثقة السوريين يتطلب "التعامل مع جميعهم باعتبارهم مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والدينية والإثنية، والذي لا يجوز أن يبدو حسنة أو مكرمة"، وفق الدراسة.

وتشير الدراسة إلى أن "الإسراع في إطلاق مسار عدالة انتقالي يكفل محاسبة المجرمين، ويحدّ من عمليات الانتقام خارج إطار القانون، ويطوي صفحة النظام السابق وانتهاكاته".

خلفيات أحداث الساحل وتداعياتها

وتصاعدت في الأسابيع الأخيرة الهجمات التي تشنها مجموعات من مسلحي النظام السابق ضد قوات الأمن العام التي تتبع الإدارة السورية الجديدة في مناطق الساحل السوري.

وكانت هذه الإدارة، التي نجحت عشية سقوط النظام في تجنّب حصول تجاوزات طائفية على نطاق واسع، قد دعت هؤلاء المسلحين إلى تسوية أوضاعهم وتسليم سلاحهم مباشرة بعد سقوطه. 

وقد استجاب عشرات الآلاف من منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية التي جرى حلها فعليًّا لحظة سقوط النظام، وفي ختام "مؤتمر النصر" الذي عقدته الفصائل المسلحة في 29 يناير/ كانون الثاني 2025، واختارت خلاله أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا للبلاد.

وقد مُنح هؤلاء بطاقات مؤقتة تسمح لهم بحرية التنقل، من دون إعفائهم من الملاحقة القانونية في حال ارتكابهم جرائم. 

وشملت التسويات أيضًا عددًا من كبار ضباط النظام ومسؤوليه، يعتقد أن بعضهم أبرم اتفاقات تسوية لتجنب القتال أثناء عملية "ردع العدوان"، مثل اللواء طلال مخلوف، قائد اللواء 105 في الحرس الجمهوري. 

وبحسب محافظ اللاذقية، بلغ عدد الذين تقدموا بطلبات لتسوية أوضاعهم أكثر من 85 ألف عنصر، في حين رفض آلاف آخرون التسوية أو تسليم سلاحهم، ولجؤوا إلى الجبال عند دخول إدارة العمليات العسكرية مناطق الساحل السوري.

ويُعتقد أن بعضهم مطلوب في جرائم كبرى ارتكبوها خلال الصراع الذي امتد أكثر من 13 عامًا، ومن ثمّ فهم لا يملكون خيارًا سوى القتال أو مواجهة العدالة.

وظلت خطوة الحل الشامل وغير الانتقائي للجيش، وخطوات التخلص من عشرات آلاف الموظفين في مؤسسات الدولة إجراءات خلافية، ولا سيما أن الإدارة الجديدة ليست قادرة ولا لديها أو لدى الاقتصاد السوري حاليًا بدائل لاحتواء الضرر الناجم عنها، كما عبرت عن موقف مغترب عن مؤسسات الدولة عمومًا، لا النظام فحسب وفق الدراسة.

وخلال الأسابيع الأولى بعد سقوط النظام، كانت هجمات مسلحي النظام السابق ضد السلطات الجديدة تهدف إلى الضغط من أجل التوصل إلى تسوية تفضي إلى إصدار عفو عام، لكن الأمور أخذت منحى أكثر حدة وتنظيمًا في الأسبوع الأخير، عندما شن هؤلاء المسلحون عملية عسكرية منسقة شارك فيها آلاف العناصر تحت قيادة ما سمّي بـ "المجلس العسكري لتحرير سوريا"، وهو إطار عسكري أعلن عن تأسيسه العميد غياث دلة، الضابط السابق في جيش النظام، وقائد ما يسمى "ميليشيا الغيث" العاملة في صفوف الفرقة الرابعة، التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام السابق.

وتشير الدراسة إلى أنه "بسبب شراسة الهجمات وقلة عدد عناصرها اضطرت الحكومة إلى الاستعانة بفصائل معارضة غير منضبطة لصدّ الهجوم، ارتكب بعضها مجازر طائفية في المناطق والقرى العلوية التي دخلتها. وشارك في ذلك أيضًا بعض الوحدات من قوات الأمن العام في سلوك انتقامي واضح". 

وأظهرت الصور مشاهد مروعة لقتل عائلات بأكملها، هذا عدا الإذلال على أساس طائفي. وقد بين هذا السلوك وفق الدراسة، وجود فجوة كبيرة بين الخطاب الإعلامي للقيادة في دمشق وثقافة عناصر هيئة تحرير الشام؛ فهؤلاء لم يتحولوا إلى جنود مسؤولين في جيش وطني بمجرد اتخاذ قرار بتسميتهم جيشًا أو قوات الأمن العام.

وكان كثير من المدنيين من محافظات إدلب وحماة وغيرها توجهوا إلى المناطق الساحلية لمساعدة الحكومة في صد الهجوم في عملية تحشيد طائفي واضحة، وكانت التصريحات الأولى للمسؤولين مُرحبةً بها بوصفها تعبيرًا عن وحدة الشعب والدولة. وقد أسفرت هذه المجازر عن سقوط مئات القتلى من الطائفة العلوية، بينهم نساء وأطفال، في حين فرّ الآلاف إلى الجبال أو عبروا الحدود مع لبنان.

والحقيقة أن الأعداد الفعلية غير معروفة بعد فقد تتجاوز الألف، كما أن وسائل الإعلام منعت من التحرك والتغطية بحرية. وغالبية الفيديوهات التي يعتمد عليها صورها مقاتلو الهيئة بأنفسهم. واستهدف فلول النظام، بدورهم، العائلات على الطرقات العامة بين اللاذقية وإدلب وفق دراسة المركز العربي.

وتشير إلى أنه "بهدف استمالة الطائفة العلوية، التي كانت تعتمد كليًا على الدولة في الحصول على فرص عمل ومصادر دخل، استثمر المتمردون من مسلحي النظام السابق في مشاعر الخوف والإقصاء التي تنتشر في أوساط الطائفة العلوية بعد حلّ الجيش السابق وأجهزته الأمنية، إضافة إلى سياسات التسريح التعسفي التي تبنتها الإدارة الجديدة في إطار ما عدّته مكافحة الفساد والمحسوبية وتخفيف الأعباء المالية، مع أن الاعتبارات الطائفية كانت واضحة في عمليات التسريح، إلا أن نجاحهم ظل محدودًا".

ووفق الدراسة، "كشفت مجازر الساحل الطائفية، والتي جرى فيها استهداف المدنيين العزل، عن احتقان طائفي شديد في أوساط المجتمع السوري، وعمّقت الشروخ الموجودة فيه، وألحقت أضرارًا بالغة بصورة الحكومة السورية الجديدة وبجهودها في توحيد البلاد ورفع العقوبات الدولية (الأميركية خصوصًا) عنها. وقد سارعت الحكومة التي أدركت مقدار الضرر الذي لحق بصدقيتها نتيجة فشلها في منع وقوع المجازر، التي ارتكبتها فصائل عسكرية محسوبة عليها، إلى تشكيل لجنة تحقيق في هذه الأحداث، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنها، وشكّلت لجنة للحفاظ على السلم الأهلي في الساحل تضم ممثلين عن أبناء المنطقة".

مزالق الطائفية

أوضحت الدراسة الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن الطائفية ليست مسألة جديدة أو طارئة أو استثنائية في سوريا، وأن التعامل معها من هذا المنطلق هو عملية إنكار. وتُجنِّب عملية الإنكار القيادات السياسية والإعلامية والثقافية مواجهة خطرها.

فقد عرفت سوريا تفجّر العنف الطائفي في كثير من المنعطفات في تاريخها، لكن الظاهرة تتخذ بعدًا خطيرًا في مرحلة انتشار الخطاب الشعبوي، ووسائل التواصل، والترحيب بالمشاركة الجماهيرية في الخطاب الثوري وفق الدراسة.

وتقول إنه ليس من باب مصادفة أن بدايات الثورة حملت شعارات صادقة مثل "لا للطائفية"؛ لأن الناشطين أدركوا خطرها وخوف الناس من تفجّرها إذا سقط النظام. فقد أدت سنوات طويلة من حكم عائلة الأسد، والطغمة التي تشاركها نِعَم الحكم من جميع الطوائف، إلى توظيف أوساط واسعة من المنتمين إلى الطائفة العلوية في أجهزة الدولة، ولا سيما الأجهزة الأمنية بدوافع الولاء.

لم يكن غالبية هؤلاء من الحكام، بل من المحكومين. وفي ظل هذه العقود الطويلة من القمع، جرت عملية تدريجية لتحويل السوريين السنة إلى طائفة الأغلبية المظلومة، لا سيما أن بعضهم كان يعتقد أن الحكام هم العلويون والمحكومون هم المسلمون السنة، مبسِّطًا طبيعة نظام الحكم إلى درجة التعمية والتجهيل، ومتجاهلًا الظلم اللاحق بالكرد والدروز والعلويين أنفسهم.

ويذكّر ذلك بتحويل الشيعة العراقيين إلى طائفة مظلومة في ظل ما عُدّ حكم الأقلية السنية في العراق (وهو خطاب وجد قبولًا في الغرب أيضًا).

ونشطت في المجتمع السوري قوى سياسية واجتماعية وثقافية من جميع الطوائف والانتماءات، قاومت هذه التعميمات، ومنها رجال ونساء قضوا عقودًا في سجون الأسد. وفي المقابل، كانت ثمة قوى سياسية منظمة تروج الخطاب الطائفي لأغراض التحشيد، تتراجع عنه أحيانًا، ثم تعود وتتبناه.

وتضيف الدراسة أنه "مع تحول الثورة إلى العنف المسلّح، جرت عمليات قتل على خلفية طائفية قامت بها ميليشيات النظام، وكذلك فصائل معارضة".

وتشير إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة، لكن القوى المؤيدة للثورة غالبًا ما تجاهلت الخطاب والممارسة الطائفيين لدى الفصائل المسلحة، ولا سيما الإسلامية التي لم تتبنَّ أصلًا خطاب الثورة، خشية تفريق الكلمة وتقديم خدمة غير مباشرة للنظام".

وتضيف الدراسة أنه "بعد انهيار النظام، انتشر شعور أن الحكم انتقل من الأقلية العلوية إلى الأكثرية السنية"؛ معتبرة أنه "شعور زائف"، فالسنة محكومون حاليًا أيضًا مثل بقية الطوائف.

ودعت الدراسة إلى "وقف الترويج لهذه المقولات التي تهدف إلى جعل الطائفية السنية قاعدة النظام الرئيسة، لأن هذا لا يكفي؛ فالسنة لا يحيون على الهوية الطائفية، فهم يحتاجون إلى مصادر العيش الكريم وحقوق المواطنة".

تابع القراءة

المصادر

التلفزيون العربي
تغطية خاصة