أحداث قيصري.. ما مآلات التحريض على اللاجئين السوريين في تركيا؟
حتى إشعار آخر، أغلقت تركيا معابرها البرية مع شمال سوريا، بعد احتجاجات تخللتها اشتباكات بالقرب من نقاط تمركز للجيش التركي في مناطق مختلفة من جغرافيا سيطرة المعارضة السورية.
فقد سقط قتلى وجرحى في الشمال السوري على وقع مناشدات بضبط المشهد، ومنعه من الانزلاق نحو صورة أكثر تعقيدًا، بعد اعتداءات قام بها أتراك ضد اللاجئين السوريين في ولاية قيصري، وغيرها بالجنوب التركي الذي يعيش السوريون فيه حالة من الترقب لما قد تؤول إليه الأوضاع.
وكانت الشرارة مع ترويج مقطع فيديو يظهر اعتداء على طفلة سورية من قبل لاجئ سوري مصاب بمرض عقلي وفق البيان الرسمي التركي، ما دفع بمواطنين أتراك للقيام بحالات اعتداء على ممتلكات وبيوت السوريين في الولاية، وما لبثت الدائرة أن توسعت حتى وصلت إلى مناطق أخرى.
بدوره، انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحادثة، وأشار إلى ما وصفه "دور الخطاب المسموم للمعارضة في تأجيج الكراهية"، فيما انتقدت المعارضة التركية سياسة الحكومة تجاه اللاجئين السوريين وطالبت بترحيلهم.
من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية التركية توقيف المئات والبدء بتحقيقات بشأن الاعتداءات التي وقعت بحق السوريين.
فليس جديدًا عودة ملف اللاجئين في السياسة التركية الداخلية إلى الواجهة، ليشكل نقاط خلاف واختلاف بين السلطة والمعارضة، حدث ذلك في الانتخابات الرئاسية التي شهدت استقطابًا حادًا، حتى رفعت لافتات دعائية تطالب بطرد السوريين.
لكنها هذه المرة تأخذ شكل الاشتباك في الداخل التركي والشمال السوري، وتنذر بتصعيد أكبر خاصة من إجراءات التضييق التي تمت بحق السوريين في الجنوب التركي وغيره من المناطق.
حالات الاعتداءات "قليلة جدًا"
وفي هذا الإطار، رأت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة أنقرة (يلدريم بيازيد) ميرفه سيرين أن حالات الاعتداءات قليلة جدًا نسبة إلى عدد اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا منذ اندلاع الحرب في بلادهم، مشيرة إلى أن التوتر ليس أمرًا تشهده تركيا بشكل اعتيادي.
وفي حديث للتلفزيون العربي من أنقرة، أوضحت سيرين أن هناك أبعادًا مختلفة لملف اللاجئين السوريين في تركيا، منها سياسية واقتصادية، وإنسانية، بالإضافة إلى القانون الدولي.
وفيما أشارت إلى أن هذه الحادثة استخدمت كدعاية، لفتت سيرين إلى سرعة تسريب الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي والحسابات الذي وصفتها بالمزيفة التي تتهم الحكومة باتخاذ إجراءات ضد اللاجئين السوريين، خاصة بعد الحديث عن التقارب بين تركيا والنظام السوري.
وفيما هناك حالة من الهلع والخوف في صفوف اللاجئين السوريين بعد الاعتداء عليهم في قيصري وغازي عنتاب ومناطق أخرى، قالت سيرين: إن الأمر الأهم هو أن تركيا دولة متكاملة، وعندما ننظر إلى البيانات الصادرة عن السلطات فهناك دائمًا تفسير لما يحصل، وما يهمنا أنه لدينا مساران.
المسار الأول حسب سيرين، هو أن تركيا دولة شاملة ومتكاملة، وأن الحكومة تبذل جهدها لتأمين ما يحتاجه اللاجئون إلى حين نهاية الحرب، أما المسار الثاني، فإن أنقرة تريد خلق بيئة ملائمة لعودتهم، مضيفة أن المجتمع التركي يتعايش مع اللاجئين على عكس ما تقوله مواقع التواصل الاجتماعي.
وفيما أشارت إلى أن ألمانيا تضع اللاجئين مناطق محددة، لفتت سيرين إلى أن تركيا توزعهم على مختلف المناطق، معتبرة أن هذا هو الإدماج، حيث يحصل الجميع على فرص عمل، ويذهبون إلى المدارس ويحصلون على الخدمات المنزلية.
من المسؤول عن الاعتداء على اللاجئين السوريين؟
من جهته، استغرب المحلل السياسي إسلام أوزكان تصريحات الرئيس التركي بأن المسؤول الوحيد عن هذه الأحداث هي الأحزاب المعارضة، مشيرًا إلى أنه لم يكن هناك أي تحريض من قبل هذه الأحزاب قبل هذه الأحداث، حسب قوله.
وفي حديث للتلفزيون العربي من اسطنبول، حمّل أوزكان الحكومة التركية المسؤولية عما جرى في البلاد ضد اللاجئين السوريين، لأن هناك عجزا في الاستخبارات وفي كثير من الأمور، بالإضافة إلى نقص في الإستراتيجية لدمج اللاجئين بالمجتمع التركي.
وأشار إلى أن هناك منظمات أهلية تعمل في هذا المجال، ولكن الحكومة التركية، وبعد الضغوطات عليها تحركت، فيما لم تفعل شيئًا محددًا، لافتًا إلى أن هناك أخطاء أخرى فادحة لجأت إليها الحكومة التركية، من خلال استخدام هذا الملف ضد الاتحاد الأوروبي وضد بعض البلدان الخارجية.
وفيما اعتبر أن هذه السياسة كانت خاطئة مئة في المئة، أشار أوزكان إلى أن المجتمع التركي يرى أن حكومة بلاده هي المسؤولة الوحيدة عما يجري في هذا الملف.
وتحدث عن أن 60% من المنشورات المحرضة على وسائل التواصل، غير معروفة الهوية، معتبرًا أن هذا الأمر مؤشر كبير جدًا، وأن هناك قوة غير معروفة وخفية تريد التحريض ضد الشعب التركي وضد اللاجئين السوريين.
وبشأن ما إذا كانت الإشارات التركية للتقارب مع النظام السوري هي سبب من أسباب هذا التحريض ضد اللاجئين السوريين، أوضح أوزكان أنه ليس هناك علاقة مباشرة بين هذين الملفين، لافتًا إلى أن هناك بعض العناصر في تركيا تضغط في هذا الاتجاه، لذلك فإن الحكومة تريد أن تطبع علاقتها مع النظام السوري، للقضاء على وحدات حماية الشعب الكردية، فيما بعض الأطراف في داخل الدولة التركية، منزعجة بشكل كبير جدًا من المجتمع السوري الموجود في تركيا، ويعتبرون أن هذا المجتمع يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل تركيا.
وتابع أن هناك بعض الجهات يدعمون هذا الأمر لأنهم يعتبرون وجود السوريين بهذا العدد وبشكل كبير في تركيا قد يخدم الإبعاد عن سياسات التتريك أو الهوية التركية، مشيرًا إلى أن الهوية التركية وفقًا لهذه الرؤية مهددة من قبل المجتمع السوري، بالإضافة إلى اللاجئين الآخرين.
على من تقع مسؤولية حماية اللاجئين السوريين في تركيا؟
قانونيًا، أوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن اللاجئين حسب القانون الدولي عندما يذهبون إلى دولة معنية كمأوى وملجأ لهم، تصبح هذه الدولة مسؤولة عن سلامتهم.
وفي حديث للتلفزيون العربي من العاصمة القطرية الدوحة، أضاف عبد الغني أنه في حال فشلت الدولة في تأمين اللاجئين فيجب عليها أن تدفع تعويضات لهم.
وفيما أشار إلى مشاهد تكسير البيوت والسيارات وما إلى ذلك، شدد عبد الغني على أن من حق هؤلاء الضحايا الإنصاف ومحاسبة ما وصفهم بالمجرمين.
عبد الغني الذي قال إن تركيا احتضنت اللاجئين السوريين، أشار إلى أن أنها لم تقم بدمجهم داخل المجتمع.
وتابع أن المعارضة تتحمل أيضًا المسؤولية، متحدثًا عن عملية تسييس صارخة لملف اللاجئين الذين عدهم الحلقة الأضعف والذين يتم تحميلهم ملف الاقتصاد في البلاد.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي أيضًا مسؤول بموجب القانون الدولي عما يحصل من انتهاكات بحق اللاجئين السوريين، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات هدفها إرهاب اللاجئين وتخويفهم بهدف العودة إلى ديارهم.