الثلاثاء 15 تموز / يوليو 2025
Close

أصبحوا "جلدًا على عظم".. مئات الرضّع بغزة يواجهون الموت بسبب نقص الحليب

أصبحوا "جلدًا على عظم".. مئات الرضّع بغزة يواجهون الموت بسبب نقص الحليب

شارك القصة

تتفاقم أزمة نقص حليب الأطفال في غزة مع استمرار الحصار الإسرائيلي
تتفاقم أزمة نقص حليب الأطفال في غزة مع استمرار الحصار الإسرائيلي - غيتي
الخط
أكد مدير الإغاثة الطبية بغزة محمد أبو عفش أن الاحتلال يتعمد عدم إدخال أي نوع من الحليب إلى القطاع، بينما يعاني مئات الأطفال من سوء التغذية.

حذّر أطباء في غزة من أن مئات الأطفال الرضّع باتوا عرضة لخطر الموت، في ظل نقص حاد في حليب الأطفال، نتيجة استمرار القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.

وفي 19 يونيو/ حزيران الماضي، أطلقت مستشفيات غزة تحذيرات متكررة، حين أعلنت قرب نفاد حليب الأطفال بالكامل، ما ينذر بـ"كارثة إنسانية وشيكة" تهدد حياة مئات الرضّع.

لكن التحذيرات لم تلقَ استجابة دولية، وبقيت سياسة التجويع الإسرائيلية مستمرة، إذ تغلق إسرائيل منذ 2 مارس/ آذار الفائت جميع المعابر، وتمنع دخول أي إمدادات غذائية أو طبية، ما تسبب في دخول غزة مرحلة المجاعة الكاملة، بحسب تقارير أممية.

تحذيرات من نقص الحليب في غزة

بدوره، أكد مدير الإغاثة الطبية في غزة محمد أبو عفش أن الاحتلال يتعمد عدم إدخال أي نوع من الحليب إلى القطاع، بينما يعاني مئات الأطفال من سوء التغذية.

وأشار في حديث إلى التلفزيون العربي، إلى أنه لا مقومات غذائية تعوّض الأطفال في القطاع عن غياب الحليب.

من جهته، قال الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بخانيونس: "إن مخزون حليب الأطفال في قسمه يكفي لأسبوع واحد فقط".

وأضاف أنه اضطر لاستخدام الحليب العادي بدلًا من التركيبات الخاصة بالرضّع الخدّج، بعد نفاد الكمية المخصصة لهم، ويقوم بتوزيعه على الأطفال الرضع تحت رعايته.

ونقلت صحيفة "الغارديان" عن الفرا قوله: "لا أستطيع وصف مدى سوء الوضع. لدينا حليب يكفي لأسبوع تقريبًا، لكن لدينا أيضًا أطفال خارج المستشفى لا يجدون أي مصدر للحليب. الوضع كارثي".

وتتفاقم أزمة نقص حليب الأطفال في غزة مع استمرار الحصار الإسرائيلي، حيث منعت سلطات الاحتلال دخول معظم المساعدات الإنسانية، ولم تسمح سوى بمرور كميات محدودة، وفقًا لما أفاد به أطباء في القطاع.

وأوضح الأطباء أن المساعدات الغذائية التي تدخل عبر مؤسسة "غزة الإنسانية"، وهي شركة خاصة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تتضمّن حليبًا للأطفال، ما يفاقم معاناة العائلات في ظل انعدام البدائل.

من جهتها، قالت حنان الطويل، وهي أم لخمسة أطفال وتبلغ من العمر 27 عامًا وتعيش في مخيم النصيرات للاجئين، إنها غير قادرة على إرضاع طفلها البالغ 13 شهرًا، بسبب سوء تغذيتها الشخصية وعدم حصولها على ما يكفي من الطعام.

وأضافت: "بدأت معاناتي مع توفير الحليب منذ ولادة ابني، فبسبب ضعفي العام وسوء التغذية، لم أكن قادرة على إرضاعه".

وأبلغها الأطباء بأن ابنها يعاني من التقزّم نتيجة سوء التغذية، وقد لاحظت أنه أبطأ نموًا وتطورًا مقارنة بإخوته، الذين كانوا قد بدأوا بالمشي والتحدث في العمر نفسه تقريبًا.

وقالت الأم: "أحاول الاحتفاظ بقطعة خبز صغيرة قرب وسادتي حين ينام، لأنه يستيقظ مرارًا باحثًا عن الطعام. أشعر بالحزن والخوف على أطفالي.. أخشى أن يموتوا جوعًا أو عطشًا أو بسبب المرض".

حذرت مستشفيات غزة من قرب نفاد حليب الأطفال بالكامل
حذرت مستشفيات غزة من قرب نفاد حليب الأطفال بالكامل - غيتي

ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد توفي 66 طفلًا فلسطينيًا جوعًا منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

من جانبها، اتّهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل باستخدام الجوع كسلاح حرب ضد المدنيين في غزة، ووصفت ذلك بأنه "أسلوب يستهدف ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين".

الاحتلال صادر عبوات حليب

وإثر ذلك، اضطر عدد من الأطباء الذين يدخلون قطاع غزة مؤخرًا إلى وضع عبوات فردية من حليب الأطفال داخل أمتعتهم الشخصية.

وفي إحدى الحالات، صادر الاحتلال 10 عبوات من حليب الأطفال من حقائب طبيب أميركي كان متجهًا إلى غزة في مهمة طبية.

وقالت الدكتورة ديانا النزال، جرّاحة العيون الفلسطينية الألمانية، والتي ساعدت الطبيب في حزم أمتعته: "في النهاية، صادروا كل عبوات الحليب، رغم أنها كانت مخصصة للأطفال الخدّج. ما الذي قد يُشكّله حليب الأطفال من تهديد لأمن إسرائيل؟".

وأضافت أن العديد من أفراد الطواقم الطبية باتوا يحملون في حقائبهم أطعمة عالية السعرات مثل ألواح البروتين والمكسرات، بدلاً من المستلزمات الطبية.

ومع تفاقم أزمة الجوع، بات حليب الأطفال أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ يواجه نحو 500 ألف شخص في غزة خطر الجوع الكارثي، بينما يعاني بقية السكان من انعدام حاد في الأمن الغذائي.

سوء التغذية يحرم الأمهات من الرضاعة

وفي ظل استمرار العدوان والأزمة الإنسانية في قطاع غزة، تُواجه الأمهات تحديات غير مسبوقة في إطعام أطفالهن، إذ إن سوء تغذية الأمهات أو استشهادهن يحرم العديد من الأطفال من الرضاعة الطبيعية، ما يزيد الحاجة إلى حليب الأطفال الصناعي بشكل كبير.

ومع نُدرة المعروض في السوق الموازية، ارتفع سعر عبوة الحليب إلى نحو 50 دولارًا، أي أكثر بعشر مرات من السعر العادي.

وقالت نورهان بركات، وهي أم لـ3 أطفال نازحة إلى خانيونس وتبلغ من العمر 25 عامًا: "استطعت إرضاع ابنتي بشكل طبيعي لمدة شهر، لكن بسبب نقص الطعام لم أستطع الاستمرار. أعلم أن الرضاعة تقوّي الرابط بين الأم والطفل، لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟".

طفل يعاني من سوء التغذية في قطاع غزة
طفل يعاني من سوء التغذية في قطاع غزة - غيتي

وفي أواخر يونيو، صرّح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، أن نحو 112 طفلًا يُنقلون يوميًا إلى مستشفيات غزة للعلاج من سوء التغذية.

وحذّر الدكتور أحمد الفرا من أن "جيلًا كاملًا يُستهدف"، مضيفًا: "الأطفال سيعانون من مشاكل في الذاكرة وتأخّر في النمو.. والمشكلة أن الضرر يصبح دائمًا حتى لو توفر الغذاء لاحقًا".

ويرى الأطباء أن وفاة عدد من الرضّع باتت مؤشرًا خطيرًا على اقتراب غزة من كارثة مجاعة، إذ يعد الأطفال الصغار الأكثر هشاشة وتأثرًا بسوء التغذية.

أول الضحايا في أزمات المجاعة

وقال الدكتور ثائر أحمد، وهو عضو في وفد طبي يعمل على إيصال المساعدات عبر منظمة "آفاز"، إن موت الرضّع يجب أن يُطلق نداءات الفزع والتنبيه، مضيفًا: "عندما يبدأ الأطفال بالموت، ينبغي أن تعمّ حالة من الذعر. فهم دائمًا أول الضحايا في أزمات المجاعة".

وألقى الأطباء باللوم على الحصار الإسرائيلي، الذي يمنع دخول معظم شاحنات الإغاثة إلى غزة، مما يؤدي إلى نقص حاد في المواد الغذائية.

ووفقًا لوكالات الأمم المتحدة، فإن القطاع يحتاج إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة مساعدات يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات، إلا أن ما يُسمح بدخوله غالبًا لا يتجاوز 50 شاحنة فقط.

وحتى القليل من المساعدات الأممية التي تصل، غالبًا ما تُصادَر أو تُنهَب من قبل جماعات مسلّحة، أما أولئك الذين يحاولون الحصول على المساعدات عبر ما تسمى مؤسسة "غزة الإنسانية"، فيواجهون خطر الموت.

وخلال الشهر الماضي فقط، تم إطلاق النار واستشهد أكثر من 500 فلسطيني أثناء وقوفهم في طوابير المساعدات، بحسب ما أفادت به تقارير إنسانية.

جلد على عظم

وقد وجهت منظمات إنسانية دولية انتقادات لاذعة لمؤسسة "غزة الإنسانية"، مشيرة إلى أنها "قد تكون متورطة في جرائم حرب"، وتنتهك المبادئ الأساسية للعمل الإنساني.

ومنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 56000 شخص في غزة.

ويطلق الأطباء في القطاع تحذيرات من نفاد الوقت، إذ قال الدكتور الفرا: "عليكم أن تروا الأطفال الذين يصلون إلى المستشفيات.. مجرد جلد على عظم، إنه مشهد مرعب. الحل الحقيقي هو إنهاء الحرب، وفتح المعابر، والسماح بدخول حليب الأطفال".

تابع القراءة

المصادر

التلفزيون العربي - ترجمات
تغطية خاصة