خلال الأسابيع الأخيرة، اتجهت الأنظار إلى الفاتيكان في أعقاب وفاة البابا فرنسيس، بدءًا من الجنازة التي أقيمت له، وصولاً إلى المراسم التي رافقت انتخاب البابا الجديد.
اجتمع 133 كاردينالًا لانتخاب رأس الكنيسة الكاثوليكية في عدة جولات، قبل أن يتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستينا إعلانًا للخبر المنتظر.
انتُخب الكاردينال الأميركي روبرت فرنسيس بريفوست بابا جديدًا. وأطل البابا السابع والستين بعد المئتين من على شرفة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان ووجه "نداء سلام إلى جميع الشعوب".
وبات ليو الرابع عشر الرئيس الجديد لدولة الفاتيكان وسيستمر في هذا المنصب حتى وفاته، وفقًا لقانون الدولة.
البابوية
والبابا. هو رأس الكنيسة الكاثوليكية العالمية التي تضمّ 1,4 مليار كاثوليكي ويحمل عدة ألقاب. ويعد لقب أسقف روما لقبه الأساسي، وهو يستمد سلطته من كونه خليفة القديس بطرس، الذي يعتبره الكاثوليك أول بابا ورأس الكنيسة.
كما يلقب البابا بالحبر الأعظم للكنيسة الجامعة نسبة إلى سلطته الشاملة وقيادته لجميع الكاثوليك في جميع أنحاء العالم.
يُطلق على منصب البابا اسم البابوية، لكنّ نطاق سلطته القضائية يُسمى الكرسي الرسولي، وهو ما يُرسّخ مكانة الفاتيكان ككيان سيادي. وقد تعاقب على رأس الكنيسة 267 بابا وآخرهم البابا ليو الرابع عشر.
وفي الماضي، كان الباباوات مُكلّفين بنشر المسيحية والعمل كوسطاء سياسيين عند الضرورة. أما اليوم، فلا يزال البابا يُركّز على الشؤون الدينية، ولكنه يتمتع أيضًا بنفوذ دبلوماسي وثقافي وروحي واسع حول العالم.
أغرب دول العالم
والفاتيكان هي أصغر دول العالم، لكنها في الوقت نفسه أغربها وأكثرها تميزًا، فهي لا تشبه سواها في العالم. فمدينة الفاتيكان بأكملها، بما في ذلك كنيسة القديس بطرس، مُدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي منذ عام 1984.
وتقع دولة الفاتيكان في روما داخل إيطاليا، ولا تتعدى مساحتها 0.44 كيلومتر مربع. ويشير موقع "كاربيديمتورز"، إلى أن اسمها مشتقّ من الفعل اللاتيني vaticinor والذي يعني التنبؤ أو التكهن.
لم تظهر مدينة الفاتيكان رسميًا إلا منذ عام 1929. وقبل ذلك، كانت الولايات البابوية، وهي مساحة شاسعة من إيطاليا تبلغ 10 آلاف ميل مربع، وقد حكمها البابا لنحو ألف عام. انتهى كل ذلك في القرن التاسع عشر بتأسيس دولة إيطالية موحدة، وحينها كانت البابوية والسلطات الإيطالية على خلاف.
وُلدت الدولة الصغيرة المعروفة باسم مدينة الفاتيكان من معاهدة لاتران. ففي عام 1929، وبعد صراع طويل (وممارسات سلبية وعدوانية في تسمية الشوارع)، توصل البابا بيوس الحادي عشر وحاكم إيطاليا بينيتو موسوليني إلى اتفاق. وتعترف المعاهدة بوجود الدولة الإيطالية والفاتيكان، بحسب موقع "ووكس أوف إيتالي".

واحتفالاً بالمعاهدة، قدّم موسوليني "هدية" للكرسي وهي ابتكار تصميمٍ مميز لكاتدرائية القديس بطرس. وجرى جرف شارع "فيا ديلا كونسيليزيوني"، الذي يبلغ طوله نحو 500 متر، سلسلةً من المباني التي تعود إلى العصور الوسطى، ليُنشئ شارعًا واسعًا تُحيط به عمارة على الطراز الفاشي.
وبين القرنين الرابع والرابع عشر، لم يكن الباباوات يقيمون في الفاتيكان، بل في قصر لاتيران بجوار كاتدرائية القديس يوحنا في لاتيران.
خدمات مستقلة
لدولة الفاتيكان جيشها الخاص وهو الحرس السويسري ذو الطابع الطائر. وتملك الدولة خدمات بريدية خاصة ومصرف وعملة، ودار نشر ومفوض وصيدلية ومحطة سكة حديد ومحطة توليد كهرباء وزنزانتان.
وبالإضافة إلى متاحفها الشهيرة، تمتلك الفاتيكان مكتبة خاصة، وهي واحدة من أقدم المكتبات في العالم. تأسست المكتبة عام 1471 وتضم 75 ألف مخطوطة وأكثر من مليون كتاب مطبوع، موزعة على مخازن تمتد على طول 37 ميلًا، والعديد منها محفوظ تحت الأرض.
وبحسب موقع "ووك أوف إيتالي"، فقدت مكتبة الفاتيكان العديد من الأعمال الثمينة التي كانت موجودة بها على يد الإسبان والألمان عندما دخلوا روما عام 1527، ولكن إحدى المخطوطات الأكثر قيمة الموجودة هناك اليوم هي مخطوطة الفاتيكان، وهي أقدم نسخة من الكتاب المقدس في العالم، والتي كتبت بخط اليد في عهد قسطنطين، أول إمبراطور روماني يعتنق المسيحة في أوائل القرن الرابع.
كاتدرائية القديس بطرس
وفي الفاتيكان، بنيت كاتدرائية القديس بطرس الضخمة التي تحتوي على ضريح القديس بطرس. وبحسب الموقع، شيدت الكاتدرائية مكان كنيسة بنيت في القرن الرابع عشر.
واكتمل تشييد هذا البناء الضخم في أوائل القرن السابع عشر، أي بعد 1300 عام بالضبط من اكتمال بناء أول كاتدرائية في هذا الموقع. ساهم فريقٌ من ألمع المهندسين المعماريين والفنانين من عصر النهضة والباروك في بناء كاتدرائية القديس بطرس "الجديدة"، بمن فيهم برامانتي ومايكل أنجلو ورافائيل وبيرنيني. ومن أبرز المعالم الداخلية للكاثيدرائية، تمثال "بييتا" لمايكل أنجلو، و"بالداكينو" النحاسي الضخم لبيرنيني، وهو مظلة بارتفاع 100 قدم تُشكّل النقطة المحورية للكنيسة.

وتُعد ساحة القديس بطرس من أكثر الأماكن العامة إثارةً في العالم. ويعود الفضل الأكبر في ذلك إلى برنيني، الذي صمم الذراعين المذهلين اللذين يحيطان بمحيط الساحة البيضاوية. يبلغ عدد الأعمدة 284 عمودًا، وفوقها 140 تمثالًا للقديسين. تتوسط الساحة مسلة مصرية ضخمة عمرها 3300 عام، وقد شارك في تشييدها 800 شخص في أواخر القرن السادس عشر.
وفي أوائل القرن السادس عشر، طُلب من مايكل أنجلو رسم لوحة جدارية بسيطة على سقف كنيسة سيستين التي تعد وجهة سياحية في الفاتيكان. فرسم الفنان أشهر لوحة جدارية في العالم. استغرق الأمر أربع سنوات ونصفًا. وفي أواخر حياته، عاد مايكل أنجلو ليرسم جدارية "يوم القيامة".
يعيش في الفاتيكان نحو 500 شخص، وتستقبل الدولة نحو 7 ملايين زائر سنويًا، بحسب "وولرلدميتير".