أكبر "مظالم" المونديال.. مواكير باربوسا الذي أبكى البرازيل ومات وحيدًا
تحمل ذاكرة المونديال الكثير من القصص، بينها ما هو ممتع، لكن بينها أيضًا ما ليس كذلك، ومن هذه القصص قصّة تُعتبَر من أكبر "مظالم" كرة القدم تاريخيًا، وقد خلّفت جرحًا لم يندمل حتى اليوم.
إنّها قصة مواكير باربوسا، اللاعب الذي أبكى البرازيل، فحُكِم عليه بالعزلة 50 عامًا، ليموت وحيدًا مثقلًا بخطأ أنهى حياته المهنية ودمّر أحلامه الكروية، بشكل لم يكن يخطر على بال أحد.
فمن هو مواكير باربوسا؟ وما هي قصّته؟ ولماذا حفرت عميقًا في ذاكرة المونديال؟
واحد من أفضل حراس المرمى
في عام 1921 وُلد مواكير باربوسا في مدينة كامبيناس، جنوب شرقي ولاية ساو باولو بالبرازيل، وبدأ شغفه بلعبة كرة القدم منذ طفولته، وتحول إلى مهارة لفتت أنظار النوادي المحلية، حيث لعب مع عدة نوادٍ محلية كحارس مرمى.
وتعاقد باربوسا مع نادي فاسكو دا غاما في مدينة ريو دي جانيرو، وبقي معززًا لصفوف النادي، وحاميًا لمرماه طوال 14 عامًا، واستطاع أن يلتحق بصفوف المنتخب البرازيلي لكرة القدم ليصبح أول حارس مرمى أسود البشرة.
خلال سنوات قليلة، استطاع باربوسا أن يرسخ مكانته في عالم كرة القدم، حيث أصبح في أواخر أربعينيات القرن الماضي، واحدًا من أفضل حراس المرمى في العالم، لكنه كان على موعد في عام 1950 مع حدث سيغير حياته وينهي مسيرته.
"الحلم الضائع" في مونديال 1950
عام 1950، شهد العالم المونديال الأول منذ توقفه دورتين بسبب الحرب العالمية الثانية، وكانت أوروبا تتعافى من آثار الحرب، فتوجهت الأنظار نحو أميركا الجنوبية.
أقيمت البطولة حينها في البرازيل بمشاركة 13 منتخبًا فقط، لكن ذلك لم يقف عائقًا أمام حماس البرازيليين، وسعيهم للوصول إلى الكأس الذهبية، فبنوا استاد ماراكانا خصيصًا للمونديال، وهو واحد من أكبر الملاعب في العالم، واستضافوا فيه جميع مباريات المنتخب صاحب الأرض.
وبالفعل حقق المنتخب البرازيلي يومها أحلام المشجعين، ووصلوا إلى المباراة النهائية ضد منتخب الأوروغواي.
وفي 16 يوليو/ تموز 1950، توجهت الأنظار نحو ملعب ماراكانا، حيث اجتمع 200 ألف مشجع بعدد قياسي، لم يتكرر بعد ذلك لحضور نهائي كأس العالم بين البرازيل والأوروغواي.
حينها، كانت حظوظ المنتخب البرازيلي قوية، ولا سيما أنه كان يضم حفنة من النجوم، مثل زيزينو، وأديمير، ومواكير باربوسا.
مواكير باربوسا.. من بطل إلى "شمّاعة الخسارة"
هبّت العاصفة التي قلبت سفينة النجاح البرازيلية، في أواخر الشوط الثاني، حيث كان المنتخبان متعادلين بهدف لكل منهما.
حينها قاد ألسيدس غيغيا، هجومًا على الجناح الأيمن وسدد كرة في المرمى لم يستطع باربوسا صدّها، فأهدى منتخب الأوروغواي فوزًا لم يكن متوقعًا.
حوّل الهدف باربوسا من بطل إلى شمّاعة الخسارة في البلاد، لتبدأ بعده سنوات النبذ والعزل، التي استمرت 50 عامًا حتى وفاته. وقال اللاعب يومًا: "بموجب القانون البرازيلي، الحد الأقصى للعقوبة هو 30 عامًا، لكن عقوبتي كانت لمدة 50 عامًا".
"انظر إليه يا بني"
لم يلعب باربوسا في أي بطولة بعد تلك المباراة، وبقي مهمشًا وبعيدًا عنها حتى تقاعده حين بلغ عمره 42 عامًا.
أكثر من ذلك، مُنِع الحارس الذي كان أسطوريًا يومًا ما، من زيارة معسكرات المنتخب البرازيلي قبل نهائيات كؤوس العالم التالية "حتى لا يجلب النحس" كما حرمه رئيس الاتحاد البرازيلي من تحليل مباريات المنتخب البرازيلي في بطولة 1994.
عمل الحارس السابق في إدارة ملعب ماراكانا لأكثر من عقدين قبل أن يتقاعد، أي أنه عمل لعشرين عامًا في المكان نفسه الذي شهد انتهاء مسيرته، وخسارته لحب الجماهير، حين تعرض إلى لحظة وصفها بأنها الأتعس في حياته.
"لست مذنبًا"
كان باربوسا يومًا يمر بأحد الأسواق فأشارت إليه سيدة وقالت لابنها: "انظر إليه يا بني. إنه الرجل الذي جعل كل البرازيل تبكي".
انتقل باربوسا بعدها إلى مدينة برايا غراندي الساحلية، واعتنى بزوجته قبل أن ترحل بعد صراع مع السرطان عام 1997، لينتهي به الحال وحيدًا من دون أولاد، أو زوجة أو أصدقاء أو مال يعيش منه، ما عدا صديقته تيريزا بوربا التي كانت معه في آخر لحظات حياته حين قال: "لست مذنبًا، كنا 11 شخصًا. لا أتحمل المسؤولية وحدي".
رحل باربوسا بعد أسبوع على عيد ميلاده الـ79، وكثيرون قالوا إن ما تعرض له هو إحدى أكبر المظالم في تاريخ كرة القدم، وقد يكون للعنصرية سبب كبير في ذلك.
وحتى اليوم ورغم أن البرازيل فازت بـ5 بطولات متتالية لكأس العالم، لا يزال جرح مونديال عام 1950 غائرًا، ولم يُسامح باربوسا على الخطأ الذي قتل أحلامه.
المزيد عن قصّة مواكير باربوسا التي حفرت عميقًا في تاريخ كرة القدم، في الفيديو المرفق لـ"أنا العربي" ضمن سلسلة "ذاكرة المونديال".