الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

أكد أن الدستور "لم يعد صالحًا".. أي مسار تسلكه تونس مع تصريحات سعيد؟

أكد أن الدستور "لم يعد صالحًا".. أي مسار تسلكه تونس مع تصريحات سعيد؟

Changed

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد أخيرًا ما كان يلمح إليه منذ أشهر، قائلًا إن دستور عام 2014 يجب أن يتغير بدعوى أنه لم يعد صالحًا ولا مشروعية له الآن.

بمرور أشهر على الخامس والعشرين من يوليو/ تموز، ما تزال المتاريس تعلو برلمان تونس. لكن هذه المرة لم تعد المشكلة في البرلمان، بل في الدستور نفسه الذي بات في ظن الرئيس قيس سعيد عثرة تسدّ الطريق في وجه التونسيين.

فسعيّد أعلن أخيرًا ما كان يلمح إليه منذ أشهر، قائلًا: إن دستور عام 2014 يجب أن يتغير بدعوى أنه لم يعد صالحًا ولا مشروعية له الآن.

وجاءت تصريحاته قبل أسبوع واحد من ذكرى اندلاع الثورة، التي من المتوقع أن يُعلن خلالها عن أوامر رئاسية جديدة.

استبدال دستور الثورة

بالعودة سنوات إلى الخلف، تُحدّث سيرة الرئيس التونسي أنه كان أستاذًا للقانون الدستوري، وأنه كان له رأي فيما يظنها ديمقراطية شعبية ونيّة ملتبسة من الدستور.

أكد حينها جهرًا ناخبيه أن هناك إجراءات ينص عليها الدستور ولا بد من احترامها، لافتًا إلى أن مشروع تنقيح الدستور موجود، ولكن الأمر ليس بيده فليس هو السلطة التأسيسية الفرعية، والمجلس النيابي هو الذي سيتولى ذلك.

وفي اللحظة التي صار فيها سعيد رئيسًا صار أيضًا مدينًا للدستور بهذا التعهّد تحت القسم.

غير أنه في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز، استقوى على معارضيه بالدستور ليعلن حالة الاستثناء في البلاد.

ودخل الصراع السياسي في البلاد بعد ذلك مناطق معتمة؛ إذ بدأ الرئيس يوحي بأن الدستور بحاجة إلى تعديل. ولدى تشكيله حكومة متخففة من رقابة البرلمان، أصر سعيد أنه ملتزم بالدستور.

أما الآن، فيبدو أنه يقترب مما كان يحظر البوح به قبل أشهر: سيستبدل دستور الثورة بآخر، وربما يستعيض عن النظام السياسي بآخر أيضًا.

"الدولة مهدّدة في وجودها"

تعليقًا على التطورات، يلفت مدير قسم القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية الصغير الزكراوي إلى أن الأزمة في تونس بدأت دستورية وأصبحت سياسية، وهي الآن أزمة اقتصادية واجتماعية.

ويقول في حديث إلى "العربي" من تونس: كل الأزمات موجودة حاليًا في تونس. ويشير إلى أن الدولة مهدّدة حتى في وجودها.

وإذ يوضح أن التونسي همه أن يحيا حياة كريمة، وأن يمكّنه مرتبه من العيش بكرامة، يلفت إلى أن مسألة الدستور والسياسة هي مسألة نخب ولها انعكاسات على حياة الناس اليومية".

ويردف: "أعيد وأكرر ما قلته منذ 25 يوليو، من حيث أن الدستور هو مصدر كل الشرور وسبب الأزمات". ويذكّر بالصراعات بين مختلف السلطات؛ بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والتنافس على الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. 

ويلفت إلى أن كل هذا أدى إلى أزمة بلغت تقريبًا أكثر من ثمانية أو تسعة أشهر، وعطل البلاد.

"تخطيط للإجهاز على الدستور"

بدوره، يوضح عضو الهيئة التنفيذية للمبادرة الديمقراطية الصغير الشامخ أن كل الدساتير والقوانين في العالم هي اجتهاد بشري، وبالتالي يمكن أن تكون فيها بعض الإخلالات ونقاط الضعف، التي يمكن تعديلها ويتم تطويرها بناء على المقتضيات وما تحتاجه البلاد.

ويشرح في حديث إلى "العربي" من تونس، أن الإشكال يتعلق بالصيغة وبطريقة تعديل هذا النص القانوني، مشيرًا إلى أن النص الدستوري هذا وُضع بمشاركة واسعة من كل الأطياف السياسية في تونس، وبمشاركة من المجتمع المدني التونسي، وتمت المصادقة عليه بالإجماع مطلع عام 2014.

ويرى أن "ما يحدث الآن هو أن هناك من تعسّف واحتكر لنفسه سلطة تأويل الدستور، ويخطط الآن بنفسه لعملية الإجهاز على هذا الدستور وتعويضه بآخر من صياغته، بعيدًا عن المجتمع وعن تدافع النخب، وبعيدًا حتى عن رقابة المجتمع المدني والمؤسسات الوسيطة".

ويؤكد أن الدستور بما هو عقد اجتماعي "يُفترض أن يكون موضع نقاش مجتمعي واسع، تشارك فيه كل الأطراف: في وضعه وتعديله، وربما حتى في تأويله في بعض الأحيان".

ويقول: ما يحدث هو ما نبهنا له ليلة 25 يوليو الماضي، وهو أن من تجرأ على تأويل انفرادي لفصل من فصول الدستور، وفرض تأويلًا خارج الدستور لذلك النص، يريد أن يحتكر كل السلطات لنفسه. وهو احتكر فعليًا السلطة التنفيذية برمتها والسلطة التشريعية برمتها، ويقوم الآن بالسطو على صلاحيات المحكمة الدستورية التي لم يتم تركيزها ليجعل من نفسه سلطة تأسيسية، وينسف بذلك مسارًا كاملًا طيلة عشر سنوات، قدمت خلالها تونس تضحيات كثيرة لأجل الوصول إلى هذا الشكل من التعاقد الاجتماعي".     

"نحن بصدد خديعة كبرى"

من ناحيته، يقول مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس المهدي مبروك: "إننا الآن بصدد خديعة كبرى".

ويلفت في حديث إلى "العربي" من تونس، إلى أن البعض ذهب في تأويل الخطر الداهم على أنه جائحة كوفيد التي حصدت أرواح آلاف المواطنين، متداركًا: "لكن يبدو تدريجيا أن الخطر الداهم الذي قصده رئيس الجمهورية هو الدستور".

ويردف: "هذا يعود بنا إلى لحظة المصادقة على الدستور، حينما عبّر رئيس الجمهورية آنذاك وكان مواطنًا عاديًا بأنها لحظة دراماتيكية وأن هذا الدستور شؤم على البلاد".

ويعرب عن اعتقاده بأن سعيد كان منذ تلك اللحظة يخطط تدريجيا لأن يجهز على الدستور، باعتباره خطرًا داهمًا على مشروعه السياسي الهلامي.

ويضيف: "بعد 25 يوليو، ولإقناع الناس والنخب الحزبية التي ساندته، بدأ يبدي امتعاضه من بعض الأبواب، ولذلك علّق واقتطع واجتثّ من الدستور علّه يتحصن بالحد الأدنى من الشرعية والمشروعية".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close