لا تُعرف ما هي التطورات التي منحت ليلى سويف، والدة المعارض المصري-البريطاني علاء عبد الفتاح، أملًا حتى تخفّف إضرابها عن الطعام الذي بدأته منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، لكن قضية نجلها المسجون منذ 29 سبتمبر 2019 تشهد منذ فترة تدخلات بريطانية رفيعة المستوى ومكثفة للإفراج عنه.
واستطاعت ليلى سويف خلال السنوات الخمس الماضية، تحويل اعتقال ابنها، المدوّن والناشط السياسي، إلى قضية رأي عام عالمي، لم تتوقف خلالها المنظمات الحقوقية الدولية عن إصدار بيانات تتابع حالته وتطالب بالإفراج عنه، وهو ما فعله رؤساء دول وهيئات أممية، من الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلى رؤساء وزارات ووزراء خارجية بريطانيين، مرورًا بالمستشار الألماني أولاف شولتس وشخصيات أممية.
تُوصف سيف بالمرأة الشجاعة، وعُرفت بعنادها ودفاعها عن حقوق الإنسان في مصر، ومنه تبنيها قضية ابنها الذي يعتبر من رموز ثورة 2011 في مصر. وبفضل تحركاتها المستمرة واتساع دائرة المتضامنين معها تركزت الأضواء أيضًا على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في بلادها بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2014.
إرث عائلة علاء عبد الفتاح
ولد علاء عبد الفتاح عام 1981 لعائلة يسارية ومنخرطة في الشأن العام، فوالده أحمد سيف الإسلام (1951 - 2014)، حقوقي ومعارض معروف، وكان المدير التنفيذي السابق لمركز هشام مبارك للقانون، وأحد مؤسسي تجمع المحامين الديمقراطيين، وسبق أن اُعتقل في عهدي الرئيسين الراحلين أنور السادات وحسني مبارك.
أما والدته ليلى سويف، أستاذة الرياضيات في جامعة القاهرة، فولدت عام 1956 في لندن، وعُرف عنها انخراطها في العمل السياسي منذ السبعينات الصاخبة قي مصر، حيث شاركت في تظاهرات ضد الرئيس الراحل أنور السادات.
وأسّست سويف عام 2003 حركة "9 مارس" التي نادت باستقلالية الجامعات، كما كانت من مؤسسي حركة كفاية.
ولعلاء عبد الفتاح شقيقتان: منى وسناء، وكلاهما ناشطتان سياسيتان، فمنى سيف من مؤسسي حركة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" التي تسلّط الضوء على معاناة المدنيين أمام القضاء العسكري، وسناء ناشطة ومعدّة أفلام وثائقية، سجنت مرارًا في حقبة الرئيس السيسي.

مدوّن ومعارض للعسكرة
ويبدو أن إرث العائلة كان أكثر قوة من إكراهات السياسة، ما دفع علاء عبد الفتاح لمواصلة ما يمكن اعتباره تقليدًا عائليًا في المعارضة، ولكن على طريقته بصفته مبرمجًا.
فقد أسّس في مطلع شبابه، برفقة زوجته، عام 2004 مدوّنة تُعنى بمتابعة الأخبار المحلية والشأن العام حظيت بمتابعة واسعة، وتبنّى فيها مطالب تركز على استقلال القضاء المصري ومناهضة المحاكمات العسكرية للمدنيين، ما عرّضه للاعتقال عدة مرات منذ عام 2006 في حقبة الرئيس الراحل حسني مبارك، وصولًا إلى حقبة السيسي.

• ففي 7 مايو/ أيار 2006، اُعتقل علاء مع آخرين خلال وقفة تنادي باستقلال القضاء المصري.
• وفي 20 يونيو/ حزيران 2006 أُطلق سراحه بعد سجنه 45 يومًا، وحُكم بالبراءة في قضية سبّ رفعها قاضي حجب نحو 50 موقعًا على شبكة الإنترنت من بينها موقع يديره علاء.
• في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، حُبس على ذمة التحقيق لمدة 15 يومًا، على خلفية اتهامه بالتحريض والاشتراك في التعدي على أفراد القوات المسلحة، والتظاهر والتجمهر وتكدير الأمن والسلم العام في أحداث ماسبيرو.
• في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2011 أُفرج عنه.

• وفي 25 مارس/ آذار 2013 استدعته النيابة، ومنعته من السفر بتهمة "التحريض على أحداث عنف"، لكنها أخلت سبيله في اليوم التالي بعد رفضه الإدلاء بأقواله.
• في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 اعتقل علاء عبد الفتاح بتهمة التحريض على التظاهر ضد الدستور الجديد أمام مجلس الشورى.
• وفي 23 فبراير/ شباط 2015 حُكم بالسجن لمدة 5 سنوات بتهم التظاهر بدون تصريح.
• في 29 سبتمبر/ أيلول واثناء خروجه من قسم الشرطة، اُعتقل مجدّدًا وسط حملة اعتقالات واسعة.
• بعد حوالي عامين من الحبس دون محاكمة، قضت محكمة جنح أمن الدولة- طوارئ في مصر، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، بسجنه 5 سنوات و4 سنوات للمحامي محمد الباقر والمدون محمد إبراهيم، بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديد الأمن القومي.
وعام 2021، خلال اعتقاله، صدر لعلاء كتاب بعنوان "أنت لم تُهزم بعد" جمع فيه عددًا من كتاباته.
ضغوط بريطانية مكثفة
وشهدت الشهور القليلة الماضية جهودًا بريطانية مكثفة للإفراج عنه، فقد طالب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الجمعة الماضي، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالافراج عن علاء.
وقالت رئاسة الحكومة البريطانية في بيان، إن ستارمر ناقش "قضية المواطن البريطاني علاء عبد الفتاح مع الرئيس السيسي، وحض على الإفراج عن علاء بعدما التقى والدته ليلى سويف في الأسابيع الأخيرة".
وكان ستارمر التقى في 14 فبراير/ شباط الماضي، حيث أكد لها التزامه الشخصي بضمان الإفراج عن علاء.

وبعد ذلك بيومين ( 16 فبراير/ شباط الماضي) تعهّد ستارمر ببذل "كل ما في وسعه" لضمان إطلاق سراح علاء، وقال في بيان: "بعد لقائي ليلى سويف هذا الأسبوع، أصبحت رسالتي واضحة. سأفعل كل ما بوسعي لضمان إطلاق سراح ابنها علاء عبد الفتاح وجمعه مع عائلته"، وأضاف: "سنواصل إثارة قضيته في أعلى مستويات الحكومة المصرية والضغط من أجل إطلاق سراحه".
وكانت قضية علاء على رأس جدول أعمال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الذي توجّه إلى القاهرة في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، وقال مسؤول حكومي بريطاني إن "المملكة المتحدة ملتزمة بتأمين إطلاق سراح علاء عبد الفتاح، وسيكون هذا محور اجتماعات وزير الخارجية في مصر".
وقبل الزيارة بأسبوع شدّد لامي أمام البرلمان على أن إطلاق سراح عبد الفتاح هو "القضية الرقم واحد" بالنسبة لوزارة الخارجية.
وآنذاك، حثت سويف التي كانت تتظاهر يوميًا أمام مكتب ستارمر في داونينغ ستريت، وزير الخارجية البريطاني على "إعادة علاء معه في الطائرة"، وقالت: "سئمت الإضراب عن الطعام وسئمت الجلوس أمام داونينغ ستريت منتظرة الموت".
وفقدت سويف، البالغة من العمر 68 عامًا، ما يقارب 30 كيلوغرامًا من وزنها منذ بدء إضرابها عن الطعام في سبتمبر/أيلول.
وعاشت شهورًا عديدة على شاي الأعشاب، والقهوة السوداء، وأملاح معالجة الجفاف، للضغط على الحكومة البريطانية والرأي العام العالمي للإفراج عن ابنها الذي حصل على الجنسية البريطانية عام 2022، في زنزانته، بفضل والدته المولودة في بريطانيا، ويبدو أن "أنباء طيبة" في هذا الصدد وصلتها قبل أيام وجعلتها تخفّف من إضرابها.

عدم إطلاق علاء رغم انتهاء محكوميته
أُوقف علاء في 29 سبتمبر/ أيلول 2019، بعد مشاركته نصًا كتبه شخص آخر يتهم فيه شرطيًا بتعذيب أحد السجناء حتى الموت، وبعد ذلك بعامين، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة "نشر معلومات كاذبة".
وتؤكد عائلته ومنظمات حقوقية منها "مراسلون بلا حدود"، أنّه كان ينبغي إطلاق سراحه في نهاية سبتمبر 2024، باحتساب العامين اللذين أمضاهما في الحبس الاحتياطي، لكن السلطات المصرية رفضت أن تأخذهما في الاعتبار، واحتسبت فترة سجنه اعتبارًا من تاريخ التصديق على الحكم الصادر بحقه، ما يعني أن تاريخ الافراج عنه سيكون في يناير/كانون الثاني 2027 .
ومنذ ذلك الوقت (نهاية سبتمبر 2024) بدأت والدته ليلى سويف، إضرابًا عن الطعام، وتصر على أنها مستعدة "لاستئناف الإضراب التام عن الطعام في أي وقت، إذا شعرت بأن الأمور لا تتقدم نحو إطلاق سراح علاء".

وقالت لجنة حماية الصحافيين، ومقرها نيويورك، قبل نحو أسبوع، إن خمسين شخصية عالمية بينهم فائزون بجائزة نوبل ونشطاء بارزون في مجال حقوق الإنسان، دعوا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإصدار عفو عن علاء، من بينهم الحائزان على جائزة نوبل نرجس محمدي وأورهان باموك، والكاتبتان الهندية والتركية أرونداتي روي وإليف شافاك، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمة مراسلون بلا حدود، ومنظمة القلم الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش.
وقالوا في عريضة وقّعوها: "إن العفو الرئاسي لا يعني تحقيق العدالة فحسب، بل هو عمل إنساني ليتذكر التاريخ ليس المأساة، بل لمّ شمل العائلة: علاء حر، يحمل ابنه بين ذراعيه، وليلى سويف تنهي إضرابها وتجتمع بأسرتها التي تتوق إليها".
عفو رئاسي.. واعتقالات
في أبريل/ نيسان 2022 قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسية وتفعيلها، ما ساهم في إطلاق سراح نحو ألف سجين، من بينهم محامي علاء عبد الفتاح، محمد الباقر.
لكن منظمة العفو الدولية قالت في العام نفسه، إنه بينما أفرج عن هؤلاء فإن 1540 آخرين ألقي القبض عليهم وسجنوا منذ ذلك الوقت، من بينهم الناشط اليساري شريف الروبي الذي أعيد حبسه بعد إطلاق سراحه.

وتضامنًا مع المعتقلين، شهد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022 المعروف أيضًا باسم كوب 23 الذي عقد ما بين 6 و 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في مدينة شرم الشيخ المصرية، تظاهرات واسعة لتسليط الضوء على أوضاع السجناء المصريين، حيث ارتدى كثيرون ملابس بيضاء، وهو لون زي السجناء في مصر.
كما شهد المؤتمر مطالبات من الرئيسين الأميركي والفرنسي جو بايدن وإيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البريطاني وشخصيات أخرى مشاركة في المؤتمر، بالإفراج عن علاء عبد الفتاح.
وتقدّر منظمات حقوقية عدد المعتقلين السياسيين في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية بنحو 60 ألفًا، بينما يقدّر مركز الشهاب لحقوق الإنسان عدد المختفين قسرًا في مصر ما بين عامي 2013 و 2024 بنحو 12865، ويبلغ عدد الوفيات في السجون والمعتقلات خلال الفترة نفسها 903 حالات.