قرر الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم الأحد، تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، حيث تم توثيق انتهاكات وتجاوزات بحق المدنيين خلال الاشتباكات التي حدثت بين قوى الأمن وموالين لنظام الرئيس السابق بشار الأسد.
وجاء في بيان للرئاسة السورية أنه "بناء على مقتضيات المصلحة الوطنية العليا، والتزامًا بتحقيق السلم الأهلي وكشف الحقيقة، يقرر رئيس الجمهورية (..) تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري التي وقعت بتاريخ 6 مارس/ آذار" الجاري.
التحقيق في الانتهاكات
وينص القرار على أن لجنة تقصي الحقائق، المشكلة من 7 أعضاء غالبيتهم قضاة، "ستحقق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها".
كما ستحقق اللجنة في الاعتداء على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش، حيث أشار القرار الرئاسي إلى أن "جميع الجهات الحكومية المعنية مطالبة بالتعاون مع لجنة تقصي الحقائق لإنجاز مهامها".
ولفت إلى أن لجنة تقصي الحقائق سترفع تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها 30 يومًا.
وفي هذا السياق، قال رئيس تحرير جريدة "المدن" اللبنانية منير الربيع، إن قرار الرئاسة السورية بتشكيل لجنة تقصي حقائق للنظر في أحداث الساحل السوري يعد أمرًا إيجابيًا ومرحبًا به.
ولفت الربيع في حديث إلى التلفزيون العربي، من بيروت، إلى أنّ هناك ضرورة لأن تكون اللجنة التي أعلنها الرئيس الشرع "فعلية"، مؤكدًا أن السوريين لا يريدون تكرار تجربة النظام السوري السابق الذي ثاروا عليه.
تقارير "مقلقة للغاية"
من ناحيتها، أكدت الأمم المتحدة اليوم الأحد أنها تتلقى تقارير "مقلقة للغاية" بشأن مقتل عائلات بأكملها في شمال غرب سوريا، ودعت إلى وقف فوري للعنف.
وجاء في بيان للمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك: أن "قتل المدنيين في مناطق ساحلية في شمال غرب سوريا يجب أن يتوقّف فورًا".
بدوره، أدان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الأحد "مجازر" ترتكب بحق أقليات في سوريا، وحضّ السلطات الانتقالية على محاسبة المسؤولين عنها.
ووصفت ألمانيا تقارير بشأن أعمال القتل في سوريا بأنها "صادمة". وقالت وزارة الخارجية الألمانية: "تقع على عاتق الحكومة الانتقالية مسؤولية منع وقوع مزيد من الهجمات والتحقيق في الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها"، وتابعت "نحضّ بشدة كل الأطراف على إنهاء العنف".
مقبرة جماعية في القرداحة
في غضون ذلك، أعلن مصدر أمني بمحافظة اللاذقية شمال غرب سوريا، الأحد، العثور على مقبرة جماعية تضم جثامين عناصر أمن عام وشرطة قرب مدينة القرداحة، شمال غربي سوريا.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" عن المصدر قوله: "العثور على مقبرة جماعية تضم عددًا من قوات الأمن العام وعناصر الشرطة قرب مدينة القرداحة".
ووفق الوكالة، فإن "مجزرة مروعة ارتكبتها فلول النظام البائد بحق القوى الشرطية والأمنية بعد غدرها بمدينة القرداحة، وتم العثور على جثامين الشهداء ضمن مقبرة جماعية في أحد أودية مدينة القرداحة".
وبثت الوكالة مشاهد أولية من العثور على المقبرة الجماعية وانتشال جثامين عناصر من قوات الأمن العام "الذين غدرت بهم فلول النظام البائد أثناء تأديتهم لعملهم".
يأتي ذلك فيما أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع العقيد حسن عبد الغني، في مقطع مصوّر نقلته وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، الأحد، بدء المرحلة الثانية للعملية العسكرية الهادفة إلى ملاحقة فلول وضباط النظام السابق في الأرياف والجبال، وذلك بعد استعادة الأمن بمدن الساحل.
وفي وقت سابق من اليوم الأحد، أفاد مصدر في وزارة الدفاع السورية، بوقوع اشتباكات عنيفة في محيط قرية تعنيتا بريف طرطوس التي فر إليها عدد من مجرمي الحرب التابعين لنظام الأسد ومجموعات من الفلول المسلحة التي تحميهم، وفق "سانا".
وأعلنت وزارة الداخلية السورية عن إرسال تعزيزات أمنية إلى منطقة القدموس بريف طرطوس، لضبط الأمن وتعزيز الاستقرار وإعادة الهدوء، وفق ما نقلت الوكالة.
وقالت الوكالة في خبر سابق، إن قوات الأمن تمكنت من إفشال هجوم لفلول النظام على شركة "سادكوب" البترولية في محافظة اللاذقية شمال غربي البلاد.
وأفادت بأن رتلًا من قوات الأمن العام توجه من محافظة إدلب (شمال غرب) إلى الساحل السوري لملاحقة فلول النظام البائد، وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.
"استنفار القوى الأمنية والجيش"
وأوضح مصدر أمني باللاذقية لـ"سانا" أن قوات الأمن تمكنت من إفشال هجوم لفلول النظام البائد على شركة "سادكوب" باللاذقية، دون ذكر تفاصيل أكثر.
وخلال الأيام الأخيرة، شهدت محافظتا اللاذقية وطرطوس الساحليتان توترًا أمنيًا على وقع هجمات منسقة لفلول نظام الأسد، هي الأعنف منذ سقوطه، ضد دوريات وحواجز أمنية، ومستشفيات، ما أوقع قتلى وجرحى.
وإثر ذلك، استنفرت قوى الأمن والجيش ونفذت عمليات تمشيط ومطاردة للفلول، تخللتها اشتباكات عنيفة، وسط تأكيدات حكومية بأن الأوضاع تتجه نحو الاستقرار الكامل.
وأطلقت السلطات السورية الجديدة بعد إسقاط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، مبادرة لتسوية أوضاع عناصر النظام السابق، من الجيش والأجهزة الأمنية، شريطة تسليم أسلحتهم وعدم تلطخ أيديهم بالدم.
واستجاب الآلاف لهذه المبادرة، بينما رفضتها بعض المجموعات المسلحة من فلول النظام، لا سيما في الساحل السوري، حيث كان يتمركز كبار ضباط نظام الأسد.
ومع مرور الوقت، اختارت هذه المجموعات الفرار إلى المناطق الجبلية، وبدأت بإثارة التوترات وزعزعة الاستقرار وشن هجمات متفرقة ضد القوات الحكومية خلال الأسابيع الماضية.