إسرائيل تعتمد سلاح التجويع في غزة.. ماذا وراء خطة توزيع المساعدات؟
نحو 90 شاحنة فقط تحمل مواد غذائية، لا سيما الدقيق، دخلت غزة خلال اليومين الماضيين، فهذه الكميات الضئيلة من المساعدات سمحت لعدد قليل من المخابز في مدينة دير البلح وسط القطاع بالعودة إلى العمل، بعد توقف دام أسابيع عدة.
وسيجري توزيع الخبز وفق ما هو مقرر من خلال نقاط تابعة لبرنامج الغذاء العالمي في مناطق وسط وجنوب القطاع، من دون تحديد موعد لعمل المخابز في مناطق مدينة غزة والشمال، بسبب قيود الاحتلال.
وأثار تعمد الاحتلال عدم إدخال المساعدات إلى مدينة غزة والمحافظة الشمالية من القطاع المخاوف مجددًا من خطة أعلنت إسرائيل التوجه لتطبيقها، ورفضتها حركة حماس ومنظمات أممية وإنسانية ووصفتها بغير الأخلاقية.
ما خطة إسرائيل لتوزيع المساعدات في غزة؟
ويقضي فحوى الخطة الإسرائيلية بحجب المساعدات عن المناطق الشمالية من قطاع غزة لإجبار السكان على النزوح جنوبًا حيث ينوي جيش الاحتلال إنشاء مراكز ومجمعات لتوزيع المساعدات تحت إشراف مؤسسات خارجية.
وقد تزامن ذلك كله مع استمرار تهجير أهالي المناطق الشمالية عبر أوامر جديدة وجهها الاحتلال إلى قاطني أكثر من 14 منطقة في سياق ما يعرف بعملية عربات جدعون.
فيما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بناء أول منطقة لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة سيكتمل في الأيام المقبلة، وأشار إلى أنه يعتزم في نهاية المطاف إقامة "مناطق آمنة كبيرة" في جنوب غزة، حيث ينتقل الفلسطينيون لتلقي المساعدات، بينما تعمل القوات العسكرية في أماكن أخرى.
إلى ذلك، تعادل كمية المساعدات التي دخلت القطاع خلال الساعات الماضية، بحسب منظمات إنسانية نقطة في بحر احتياجات القطاع الذي يتعرض لحصار مطبق منذ 2 مارس/ آذار الماضي، ما دفع القطاع لمجاعة محققة، وعلت إثر ذلك أصوات منظمات إنسانية وأممية تحذر من مأساة حقيقية.
وذلك تحديدًا ما دفع الاتحاد الأوروبي ودولًا أعضاء فيه، للضغط على إسرائيل عبر التهديد بفرض عقوبات عليها واتخاذ إجراءات أخرى إذا استمرت باستخدام سلاح التجويع ولم توقف عدوانها.
ما خطورة الآلية الإسرائيلية؟
وفي هذا الإطار، اعتبر مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا أن كمية المساعدات التي دخلت غزة قطرة في محيط الاحتياجات التي يحتاجها سكان القطاع، نتيجة تداعيات العدوان الإسرائيلي المستمر.
وفي حديث للتلفزيون العربي من مدينة غزة، أوضح الشوا أن ما دخل قطاع غزة من مساعدات هو 76 شاحنة من الدقيق، أما باقي الشاحنات، فاحتوت على مكملات غذائية، بالإضافة إلى شاحنة للصليب الأحمر تحتوي على مستلزمات طبية.
وأشار الشوا إلى أن الدقيق الذي دخل تم توزيعه على عدد من المخابز في وسط القطاع، دون مدينة غزة والشمال، معتبرًا أن خطوة إدخال الاحتلال لهذه الشاحنات القليلة هو "ذر الرماد في العيون"، ومحاولة للتلاعب بالمواقف.
الشوا أشار إلى أن الحديث عن الشركات الأمنية الأميركية التي ستبدأ اعتبارًا من يوم الإثنين المقبل بتوزيع بعض الوجبات الغذائية على السكان، ستتركز في جنوب محور نتساريم، وليس شماله.
وأوضح أن ذلك يعني أن المواطن من شمال القطاع ومدينة غزة إذا ما أراد أن يحصل على وجبات غذائية عليه أن يمر عبر شارع الرشيد وصولًا إلى النصيرات والذهاب باتجاه تلك المنطقة، ولا يستطيع العودة، كما ذكر نتنياهو، وبالتالي هو يدفع السكان باتجاه النزوح القسري.
وبشأن المعايير الأمنية، لفت الشوا إلى أن الاحتلال في سابقة خطيرة سيطبق هذه الآلية التي يحاول من خلالها استبدال معايير العمل الإنساني بآليات أمنية، عبر فحص الفلسطينيين الذين سيحصلون على المساعدات بناء على معايير أمنية، ولا ضمانات لحماية من سيذهب باتجاه الحصول على هذه المساعدات.
وشدد الشوا على وجوب توسيع الرفض للآلية الإسرائيلية، ومواجهة هذه السابقة الخطيرة في العمل الإنساني في العالم وليس فقط في غزة، محذرًا أن تطبيق هذه الآلية يعد "كارثة حقيقية".
"جريمة حرب"
من جهته، اعتبر عضو الفريق القانوني لضحايا غزة أمام الجنائية الدولية تريستينو مارنيللو، أن ضغط الدول الغربية ولا سيما من دول الاتحاد الأوروبي كان متأخرًا للغاية، مشيرًا إلى أن هذا الضغط مجرد خطوة بسيطة ولا تعبر عما يحتاجه الواقع.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من بروكسل، أن فرض محكمة العدل الدولية على إسرائيل السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لم يؤد إلى تأمين الاحتياجات اللازمة حتى اللحظة.
وفيما اعتبر أن المساعدات التي تدخل قطاع غزة قليلة، بالنسبة لاحتياجات السكان، أشار مارنيللو إلى أن إسرائيل تستمر بانتهاك القانون الإنساني الدولي حتى هذه اللحظة عبر عدم السماح بالوصول إلى المساعدات الإنسانية بالطريقة اللازمة.
وأوضح مارنيللو أن منع إسرائيل دخول المساعدات يعد جريمة حرب، بحسب القانون الدولي، ناهيك عن أنه عمل "إبادة"، ورأى أنه في حال عدم فرض الدول الضغوط على إسرائيل، فإنها تُعد متواطئة مع ارتكاب الجرائم.
وأردف أن الخطة الإسرائيلية رُفضت من قبل المنظمات الدولية خاصة من وكالات الأمم المتحدة لأنها تنتهك القانون الدولي، بالإضافة إلى الطابع العسكري على توزيع المساعدات الإنسانية، ما يظهر انعدام احترام للمبادئ الأساسية للقانون الدولي.
وشدد مارنيللو على وجوب استخدام القانون الدولي وفرض العقوبات على إسرائيل لتفادي تدهور الوضع في غزة، لافتًا إلى أن كل دولة يمكنها فرض العقوبات كما في حال روسيا في الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى حظر الأسلحة إلى إسرائيل.
"التهجير القسري"
مسؤولة التواصل في منظمة "أكشن إيد" ريهام الجعفري، من ناحيتها، أشارت إلى أن الوضع الإنساني في غزة يتدهور بشكل متسارع، ولا سيما في ظل استمرار القصف الإسرائيلي.
وفي حديث للتلفزيون العربي من بيت لحم، أضافت الجعفري أن المساعدات التي جاءت متأخرة، وهي قليلة تعد قطرة في بحر، مشيرة إلى أنها جاءت بعد ضغوطات.
وتابعت أن آلية دخول المساعدات صعبة ومعقدة، ولا تصل إلى جميع السكان، وتنتهك المبادئ الإنسانية، موضحة أن الأصل أن يصل الغذاء إلى الناس.
وأردفت الجعفري أن غزة تحتاج إلى المزيد من المساعدات في ظل الوضع المتدهور، لافتة إلى أن احتياجات قطاع غزة تقدر اليوم بـ1500 شحنة يوميًا، مضيفة أن هذه الكمية لا تعني شيئًا في ظل استمرار القصف والنزوح، واستهداف القطاع الصحي.
وفيما أشارت إلى أن آلية الاحتلال لتوزيع المساعدات تنتهك المبادئ الإنسانية للمساعدات، لفتت الجعفري إلى أنها تستثني الفلسطينيين العاملين في المؤسسات والتي تملك خبرات كبيرة وتعرف احتياجات سكان غزة.
وأضافت أن آلية الاحتلال تساعد على التهجير القسري، ولا يمكن للمؤسسات الدولية أن تقبل بها أو تشترك فيها، مشيرة إلى أن الأطفال والنساء ليسوا بحاجة إلى تدقيق أمني للحصول على المساعدات.
وخلصت الجعفري إلى أن المساعدات الإنسانية لا تقتصر على السلع الغذائية، بل يجب أن تشمل الخدمات والدعم النفسي والعلاج والمعدات والوقود.