السبت 20 أبريل / أبريل 2024

إضراب 1992.. كيف أسهمت الحاضنة الشعبية بانتصار الحركة الأسيرة؟

إضراب 1992.. كيف أسهمت الحاضنة الشعبية بانتصار الحركة الأسيرة؟

Changed

حلقة من برنامج "كنت هناك" تسلط الضوء على إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام عام 1992
لم يكن إضراب الأسرى عام 1992 حدثًا عابرًا، بل كان محطة أساسية في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تمكّن الفلسطينيون من انتزاع حقوقهم من داخل السجون.

خاض الأسرى الفلسطينيون في سبتمبر/ أيلول من عام 1992 إضرابًا عن الطعام، يُعد من أهم التحركات التي خاضوها وأنجحها.

فقد تمكنوا عقب 18 يومًا من الانتصار على الاحتلال، بعدما تحققت كل مطالبهم البالغ عددها 26. 

وكان من أهم تلك المطالب إغلاق عزل الرملة نهائيًا، وزيادة مدة الزيارة إلى 45 دقيقة، وإدخال الأطفال إلى آبائهم لاحتضانهم، وإضافة العديد من القنوات الفضائية عبر التلفاز، وتوسيع الشراء من "الكانتينا".

أجواء ما قبل إضراب 1992

عام 1967، شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بافتتاح العديد من السجون والمعتقلات. وتجاوزًا وانتهاكًا للقانون الدولي، لجأ الاحتلال إلى اعتقال العديد من الشخصيات الوطنية والمواطنين الفلسطينيين.

ويتحدث راجي الصوراني من لجنة المحامين لمتابعة أوضاع الأسرى، عن معاملة مهينة ومذلة ضد المعتقلين الفلسطينيين، ويشير إلى أن المعتقلين أنفسهم وصلوا إلى قناعة بأن الاستمرار في الأمر شبه مستحيل، وربما قرأوا أيضًا الخارطة السياسية بأن هناك مفاوضات قد بدأت في مدريد، ويفترض أن تترافق بالحد الأدنى مع احترام لآدمية المعتقلين بصفتهم المقاتلين في الصفوف الأولى.

من ناحيته، يلفت ماهر أبو العوف الأسير المحرر وأحد قيادات الإضراب والتفاوض إلى ما كان عليه الحال قبل عام 1991.

ويروي أن "الجانب الإسرائيلي كان يحاول كسر معنويات المناضلين داخل السجون بإشغالهم في بعض الأعمال كتنفيذ شوادر للدبابات وتفصيل ملابس لجيش الاحتلال، أي أن أولئك الذين تقاتلونهم ها أنتم تخيطون لهم الملابس".

بدوره، يؤكد جبر وشاح، وهو أسير محرر وأحد قيادات الإضراب والتفاوض، أن السجون في إسرائيل غايتها إفراغ المناضل الفلسطيني من محتواه النضالي. 

ويشير إلى قيام كل من مديرية السجون وجهاز المخابرات الإسرائيلي بوضع شروط حياتية قاسية على الأسير، حتى يصبح بعد تحرره عالة على مجتمعه، لا إنسانًا فاعلًا في الحياة.

وبينما يقول إن خطة الأسرى كانت ترتكز على ثلاثة محاور؛ الحفاظ على البنية العضوية الجسمانية للمعتقل، والحفاظ على السلامة الاجتماعية، والحفاظ على السلامة العقلية والفكرية، يؤكد أن أحد أدوات هذه الخطة كانت الإضرابات عن الطعام.

ويردف بأن في تلك الفترة "كان هناك نوع من الاستعجال لخوض الإضراب دون الإعداد الجيد له. فكانت محاولة لدعم المفاوض الفلسطيني عبر استخدام الإضرابات في داخل السجون، ولكنه لم يأت للأسف بنتائج إيجابية".

ويذكر أن "هذا الفشل النسبي في الإضراب فتح شهية مديرية السجون لأن تتطاول وتشن هجومًا معاكسًا على الأسرى".

إضراب 1992

بدوره، يتوقف الأسير المحرر الذي شارك بالإضراب عبد الرحمن شهاب عند ما شهده سجن نفحة عام 1991، وكان فيه نحو 300 أسيرًا، من حيث دخول الأسرى وحدهم إضرابًا عن الطعام.

ويوضح أنهم أدركوا أن الإضرابات في سجون دون أخرى لن تحقق نجاحًا، وأنه لا بد من تكاتف تشارك فيه كل السجون وكل الفصائل.

ويستذكر الأسير المحرر المشارك في الإضراب توفيق أبو نعيم، أن "مصلحة السجون تفردت بالأخوة الذين دخلوا إضرابًا في عام 1991".

وبينما يشير إلى سلبيات وإيجابيات لتلك التجربة، يقول إن من إيجابياتها أنها حملت الأسرى جميعًا للاشتراك في إضراب 1992، الذي أدى إلى نقلة نوعية في حياة الأسرى داخل السجون.

الإضراب "الإستراتيجي" في 1992

وحول إضراب عام 1992، يقول الأسير المحرر وأحد قيادات الإضراب والتفاوض ماهر أبو العوف: "استوفينا العِبَر من إضراب عام 1991، وحصل إجماع وطني في كل السجون بما فيها عسقلان والسبع ونفحة". 

ويضيف: "تبادلنا الأفكار والرسائل، وكوّنا فكرة حول ما هو مسموح وما هو غير مسموح، ووضعنا سقفًا لبعض المطالب القابلة للتحقق، وبدأنا الاستعداد لهذا اليوم".

بدوره، يشير جبر وشاح، الأسير المحرر وأحد قيادات الإضراب والتفاوض، إلى أن الإعداد الجدي لإضراب 1992 الإستراتيجي استغرق سنة كاملة.

وفيما يكشف أنه حرص أثناء وجوده في السجن على تدوين الكثير مما حصل في داخله بما في ذلك تقييمات حول إضرابَي 1991 و1992، والرسائل التي تم تداولها أثناء الإعداد بين نفحة وجنيد، يقرأ مما جاء في مذكراته عن آلية الدخول بالإضراب:

"يدخل كل من جنيد ونفحة وعسقلان المعركة منذ يومها الأول ودفعة واحدة، من ثم تدخل بقية السجون حسب الترتيب التالي: اليوم الثالث تدخل سجون الخليل وجنين، وفي اليوم الرابع تدخل نابلس القديمة والسبع المعزولين ونيتسان".

وبموازاة قرار الإضراب، يقول إنه تقرر أن يتم إعداد بيان مقتضب يتم تهريبه إلى الخارج، وإعداد رسالة قصيرة إلى مديرية السجون.

ويوضح ماهر أبو العوف، الأسير المحرر وأحد قيادات الإضراب والتفاوض، أنه "تكريسًا لعشرات السنين داخل السجون تولّدت لدينا فكرة المراسلات الخطية".

ويكشف أنها "كانت عبارة عن تنسيق عبر المحامين واللجان الدولية للصليب الأحمر والمناضلين، الذين كانوا يذهبون إلى السجون الأخرى عبر التنقلات العشوائية، وكذلك المستشفيات التي تتم معالجتهم فيها".

الحاضنة الشعبية لإضراب الأسرى

من جانبه، يتحدث الكاتب والصحافي مصطفى الصواف عن نقل أخبار الأسرى عند زيارة المحامين إلى المعتقلات.

ويشير إلى معلومات كانت تصل إلى الجمهور حتى قبل الإضراب بأن الأسرى كانوا يعدّون له في الأيام المقبلة، ما أعطى تنبيهًا كبيرًا للشارع الفلسطيني بأن يكون على أهبة الاستعداد.

ويشدد على أن "نجاح أي إضراب داخل المعتقلات الصهيونية يعتمد بدرجة كبيرة على تحرك الشارع"، لافتًا إلى أن "هذه المسألة نلمسها اليوم".

وفي سياق متصل، يتحدث مدير الإعلام في مفوضية الأسرى رامي عزارة عن زخم إعلامي وجماهيري كبير واكب هذا الإضراب.

إضراب 1992

ويؤكد أن "الإعداد الذي تم والرسائل التي أُرسلت قبل بدء الإضراب عن الطعام، كان ناجحًا بشكل كبير وأدى إلى تفاعل واسع مع الجماهير الفلسطينية على المستوى الخارجي".

وبحسب عزارة، بقيت أجهزة التلفاز لدى الأسرى، "ما أعطاهم جانبًا معنويًا كبيرًا، حيث اطلعوا على حجم التأييد والمساندة والالتفاف الجماهيري في غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 وعلى المستوى الخارجي".

ويشير راجي الصوراني من لجنة المحامين لمتابعة أوضاع الأسرى، إلى أن الأسرى خاضوا إضرابًا شاملًا، وتلك كانت مفاجأة أربكت الاحتلال.

ويذكر الأسير المحرر الذي شارك بالإضراب عبد الرحمن شهاب، بأن المضرب عن الطعام كان عندما يسمع بأن هناك من استشهد من أجل أن تتحقق مطالبه، يشعر بالخجل من أن يتوقف عن الإضراب قبل أن يحقق هذه المطالب لينتصر للشهداء.

أما الأسير المحرر المشارك في الإضراب توفيق أبو نعيم، فيشير إلى أن "أغرب ما شاهده هو إصرار الأسرى المرضى على خوض الإضراب، فيما كان صدر قرار عن اللجنة الوطنية بمنعهم عن ذلك".

رضوخ الاحتلال للمطالب

حينما تفاعل الشارع الفلسطيني مع الإضراب بصورة كبيرة، وتأجّجت فعاليات الانتفاضة وزاد إصرار الأسرى على مواصلة الإضراب المستمر، قررت الحكومة الإسرائيلية الإيعاز لمصلحة السجون بالتفاوض مع قيادات الإضراب داخل السجون، وكذلك بوساطات خارجية.

فبحسب جبر وشاح الأسير المحرر وأحد قيادات الإضراب والتفاوض، هناك قانون في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ينص على أن "لا تفاوض مع الأسير وهو مضرب عن الطعام".

ويتحدث راجي الصوراني من لجنة المحامين لمتابعة أوضاع الأسرى، عن الاستدعاء الذي تم من قبل وزير الشرطة آنذاك موشيه شاحل لمقابلته.

ويضيف أن "هذا الأخير أُبلغ حرفيًا بأننا لا نفاوض بالنيابة عن أحد، بل نتبنى قرار المعتقلين بالكامل، ونعتقد أن مطالبهم عادلة ومشروعة ومبررة وإنسانية ويجب الانصياع لها والأخذ بها".

إلى ذلك، يوضح جبر وشاح، الأسير المحرر وأحد قيادات الإضراب والتفاوض، أن "وزير الشرطة أعطى أمرًا بالتفاوض مع الأسرى، وإدخال لجنة شاؤول ليفي التي جاءت للتفاوض من مكتب رئيس الحكومة آنذاك إسحق رابين".

ويشير إلى أن المفاوضين عن الأسرى كانوا 4. ويضيف: "جلسنا بمواجهتهم، وكنا نتصرف معهم كجنرالات مقابل جنرالات، وكانت لنا جولة صعبة من المفاوضات استمرت حتى ساعات الصباح الأولى، إلى أن انتزعنا الموافقة على 26 مطلبًا بالكامل".

المزيد عن ما دار في ذلك اللقاء، وعن أجواء الفرح التي أعقبت مخرجاته، وكيف وصل خبر "الانتصار على السجان وإدارة السجون" إلى بقية الأسرى، كل ذلك وأكثر في الحلقة المرفقة من "كنت هناك".


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close