منذ فجر الحكاية، كان الحيوان شريك الإنسان الأقدم، إذ حضر معه على جدران الكهوف وفي الأساطير الأولى ثم في صفحات الأدب كمرايا للذات وخصم ومعلم ورفيق.
ففي "كليلة ودمنة" نطق الحيوان بالحكمة، وفي "مزرعة الحيوان" كشف فساد السلطة، وفي رواية "العجوز والبحر" كانت السمكة وسيلة عبّر بها إرنست همنغواي عن الصراع الأزلي بين الإنسان والطبيعة.
أما في رواية "المسخ"، فكانت الحشرة العملاقة أداة رمزية سمحت لكافكا بتمرير أسئلته الوجودية الكبرى عن الحياة والموت والمصير.
اليوم، يعود الحيوان في السرد سواء في الرواية العربية أو العالمية كصوت فلسفي وجمالي متجدد لا يعبّر عن الطبيعة فقط، بل عن عطب الإنسان وهشاشته أيضًا، وعن توقه للحرية، وعن أسئلته التي يعجز عن قولها بصوته.
الكاتبة والناقدة الأدبية نشوة أحمد علي أوضحت في حديثها لبرنامج "ضفاف" الذي يعرض على شاشة "العربي 2"، أن استدعاء الحيوانات في الأدب له عدة دوافع، إذ لا يقتصر فقط على كونها شريكة في حياة مع الإنسان، بل تتضمن رموزًا ودلالات نفسية واجتماعية وفلسفية عميقة.
تفادي الرقابة السياسية
وبيّنت الناقدة المصرية أن الكاتب يستخدم هذه الحيوانات كرموز ليستثمرها في بناء طبقات سردية عميقة تجذب القارئ وتمنحه أكثر من معنى.
فبعض الحيوانات مثل الكلب قد تشير إلى الوفاء والولاء، وفي الوقت ذاته إلى العبودية والخنوع، بينما القطة ترمز إلى الدهاء أو أحيانًا إلى الأنوثة والغموض. أما الطيور، فهي غالبًا رمز للتحرر والهجرة، ولكن يمكن أن تحمل دلالات الهجر والاغتراب أيضًا.
أحيانًا يسمح هذا الاستخدام الرمزي للحويانات في الأدب بتجاوز الرقابة الاجتماعية والسياسية، فمن خلال الحيوانات يمكن للكاتب توصيل رسائل نقدية أو فلسفية دون مواجهة مباشرة مع السلطات.
كما أن الحيوانات تُستخدم بالمقابل كمرآة تعكس واقع الإنسان الاجتماعي وأعطابه النفسية، كما في رواية "إخضاع الكلب" حيث يمثل الكلب العطب النفسي للبطل، وهو رمز بديل يعبّر عن حالات القمع الداخلي والصراع النفسي العميق.
حضور سردي مبرّر
بالمقابل، اعتبرت الناقدة نشوة أحمد أن حضور الحيوان في النص لا ينبغي أن يكون مقحمًا بطريقة تعسفية، وإنما من الضروري أن يكون وجود الحيوان مبرّرًا سرديًا له دلالة، فلا يُضاف للنص لمجرد الزينة، بل يجب أن يكون فاعلًا ومتحركًا في الأحداث.
فأحد شروط نجاح هذا التوظيف هو أن يكون الحيوان جزءًا لا يتجزأ من بيئة الرواية؛ وأن لا يكون مجرد عنصر تجميلي أو خارجي لا يحمل وزنًا في الأحداث أو العلاقات.
الحيوانات في الأدب
أيضًا يجب أن يتحقق عنصر الإقناع الفني، فلا يكون مجرد حضور خيالي حاد لا ينسجم مع إطار العمل الأدبي، بل ينبغي أن يخدم أهداف النص، ويعزز بنيته.
علاوة على ذلك، ينبغي أن يكون للحيوان حضور متوازن في السرد، بحيث لا يطغى على الشخصيات المحورية، ولا يكون هامشيًا بالدرجة التي تقلل من دوره الرمزي والمعنوي.
تؤكد نشوة أحمد أنه ليس للحيوان في النص وظيفة عرضية، بل تأثير محوري في تشكيل الرواية ودفع أحداثها وتطوير شخصياتها ورصد قضاياها.