الجمعة 19 أبريل / أبريل 2024

استفزازات متكررة وقرار صادم.. "خبايا" لم تُروَ عن حرب العراق وإيران

استفزازات متكررة وقرار صادم.. "خبايا" لم تُروَ عن حرب العراق وإيران

Changed

إطلالة نزار الخزرجي على شاشة "العربي أخبار" ضمن برنامج "وفي رواية أخرى" (الصورة: العربي)
يتحدث رئيس أركان الجيش العراقي السابق نزار الخزرجي عبر "العربي" عن دوره في الحرب العراقية الإيرانية، التي زلزلت مجرياتها وتبعاتها الأوضاع في الشرق الأوسط.

كتبت الحرب العراقية ـ الإيرانية فصلًا من تاريخ المنطقة، تُستعاد أحداثه لإعادة رسم المشهد وقراءة ظروفه المحيطة، فضلًا عن مختلف ذيوله السياسية والعسكرية والاقتصادية.

فالمعارك وإن كانت قد انتهت في العام الثامن لبدء الحرب، إلا أنها تركت آثارها في الميدان، وطالت العلاقات بين الأطراف والدول.

عن تلك المرحلة، يتحدّث رئيس أركان الجيش العراقي السابق الفريق الأول الركن نزار الخزرجي ضمن برنامج "وفي رواية أخرى" الذي يقدمه بدر الدين الصائغ على شاشة "العربي أخبار"، حيث يسلط الضوء على المناخ العام الذي شهده العراق، وسبق قرار الرئيس الراحل صدام حسين تعيينه على رأس الفرقة الثالثة في الجيش العراقي شمالي البلاد عام 1979، وضبط الأوضاع في السليمانية معقل "تمرد الأكراد" في نهاية السبعينيات.

ويتطرق إلى دوره في الحرب العراقية الإيرانية، التي زلزلت مجرياتها وتبعاتها الأوضاع في البلدين الجارين وفي مجمل منطقة الشرق الأوسط، حيث يكشف بالتفصيل الكثير من "خبايا" تلك المرحلة، وما لا يزال "مستورًا" عنها.

الاستخبارات في وجه "التمرد"

في الحلقة الثالثة من "وفي رواية أخرى" مع الخزرجي، يشير الفريق الأول الركن  إلى أن أولوياته غداة تسلمه المنصب قبيل اندلاع شرارة الحرب العراقية الإيرانية، كانت تعزيز العمل الاستخباراتي وتطوير آليات جمع المعلومات في الفرقة الثالثة للجيش العراقي؛ من خلال الاستعانة بخبرات ضباط ذوي مستوى عال من الكفاءة والمسؤولية.

ويتحدث عن الجو العام الذي سبق الحرب ضد إيران على خطوط التماس، بالإضافة إلى سلسلة العمليات الأمنية النوعية التي أطاحت بعدد من كبار التنظيم الكردي المعروف باسم "الاتحاد الوطني الكردستاني" وتفكيك خلاياه النائمة في السليمانية.

ويروي الخزرجي في هذا السياق، أن عناصر فرقته كانوا يتنكرون في ثوب متسوّلين أو باعة متجولين؛ حيث نجحوا في القضاء على أبرز قيادات الصف الأول في التنظيم، الذي شكّل مصدر "وجع رأس للقيادة العراقية".

ويقول: "خلال سنة واحدة تمكنا من إلقاء القبض أو قتل 250 عنصرًا منهم، بالإضافة إلى استهدافنا للقيادات".

ويستذكر اعتراف أحد أعضاء المكتب السياسي في التنظيم الكردي خلال حديث خاص جمعهما، بأن العمليات النوعية للجيش العراقي خلال فترة توليه قيادة الفرقة الثالثة نجحت في تحييد أغلب عناصر التنظيم الكردي، إلا أن الحرب العراقية الإيرانية أعطته نفسًا إضافيًا وفق روايته.

نزار الخزرجي خلال حلوله ضيفًا على برنامج "وفي رواية أخرى"
نزار الخزرجي خلال حلوله ضيفًا على برنامج "وفي رواية أخرى" مع الزميل بدر الدين الصائغ

العراق لم يكن جاهزًا

أما عن القرار العراقي بالرد على ما سماه نزار الخزرجي بـ "الاستفزازات الإيرانية المتكررة"، فيقول القيادي العسكري إنه خلط كل حسابات قيادة الجيش، التي لم تكن جاهزة على حد تعبيره، لخوض غمار حرب تقليدية ضد جيش إيراني نظامي.

ويشير إلى أنه عند نهاية عام 1980 تقرّر خوض الحرب ضد إيران، الأمر الذي شكل صدمة لقيادات الجيش العراقي، التي كانت غير مستعدة تنظيميًا ولوجيستيًا، وهو ما استدعى من وزير الدفاع في تلك الفترة عدنان خير الله عقد سلسلة لقاءات مباشرة مع قائد الفيلق الأول وكبار مساعديه العسكريين، للتباحث بشأن النقائص المسجلة قبل اندلاع شرارة الحرب بثلاثة أشهر فقط.

ويلفت الخزرجي إلى أن وزير الدفاع طلب منهم بشكل مباشر الشروع في إعطاء أوامر لتدريب الفرق القتالية على الحروب التقليدية، وهو ما فُهم منه بأن القيادة اتخذت قرارًا بالرد على الاستفزازات الإيرانية.

ويردف بأنه قاطع مداخلة وزير الدفاع وأبلغه بأن الاستعداد للحروب النظامية يتطلب سنتين على أقل تقدير، "وما يطلبه شبه مستحيل لأن الجيش العراقي بجميع وحداته يخوض حرب عصابات ضد التنظيم الكردي، والأمر يحتاج وقتًا أطول ليكون في حالة استعداد لحرب تقليدية تتطلب استعدادات خاصة".

وعليه، اقترح الخزرجي من موقعه آنذاك في القيادة العسكرية العراقية شن حملة عسكرية شاملة تنهي تمرد الأكراد، أو فسح المجال للحوار السياسي تمهيدًا لخوض الحرب ضد إيران.

شرارة الحرب الأولى 

واسترجع الفريق الركن الأول في الجيش العراقي سابقًا العلاقة المتوترة مع طهران عشية اشتعال فتيل الحرب، متحدثًا عن سلسلة هجمات طالت مناطق عراقية حدودية مع إيران.

وتحدث عن واقعة حصلت قبيل الحرب، حين أوفد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للخميني (المرشد الإيراني في الفترة من 1979-1989) المدعو علي رضائي للقائه بمقر إقامته بباريس، وهو رجل استخبارات عراقي كان مسؤولًا عن كل ما يتعلق براحة الخميني أثناء وجوده في العراق لمدة 14 سنة بين عامَي 1964 و1978.

ويذكر أن الخميني قال يومها لرضائي: "أهلًا بالصديق العدو"، فرد الموفد العراقي مستغربًا: "أنا صديق يا سماحة السيد، كيف أكون عدوًا؟"، فأجاب الخميني على الأثر: "أنت صديقي شخصيًا، لكنك عراقي، والعراق أعدائي".

وبحسب الخزرجي، فإن الخميني قال لموفد صدام حسين بطريقة مباشرة أنه في حال عاد إلى طهران وأمسك بزمام السلطة في إيران، فإن هدفه الأسمى سيكون إنهاء ما وصفه "بالنظام البعثي الكافر في العراق وقتل صدام حسين".

ويشرح رئيس أركان الجيش العراقي السابق أن الكلام موثّق وقدّمه رجل الاستخبارات العراقي مسجلًا لصدام حسين.

ويمضي في تعداد جملة الاستفزازات الإيرانية، التي أخذت طابعًا عدوانيًا بعد توقيع اتفاقية الجزائر سنة 1975 بين صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي. ومنها دعم المعارضة العراقية ومحاولات تأليب الرأي العام العراقي للانتفاضة ضد نظام صدام حسين، بحسب الخزرجي.

ووصل الأمر إلى قصف الجيش الإيراني مناطق في العمق العراقي ومحاولة اغتيال عدد من كبار المسؤولين العراقيين، ما استدعى وفق الخزرجي ردًا عراقيًا حازمًا، "رغم أن العراق كان يمر بوضع اقتصادي صعب وكان في احتياطاته المالية بالعملة الصعبة أقل من 45 مليار دولار قبل أشهر من اندلاع الحرب".

وعن جدلية من بدأ الحرب العراقية- الإيرانية فعليًا، يجزم الخزرجي بأن الجيش الإيراني شرع في قصف أهداف عراقية بشكل يومي بداية من تاريخ الرابع من شهر سبتمبر/ أيلول، وبأن بغداد قدمت أكثر من 260 مذكرة احتجاجية على مستوى الهيئات الإقليمية والدولية.

ويشدد على أن "الهجوم الذي شنّه العراق كان حربًا دفاعية، لإبعاد المدفعية الإيرانية عن ضرب المناطق العراقية، فلم يستهدف العراقيون تدمير القوات الإيرانية أو الاستيلاء على المنابع النفطية في الأحواز أو تدميرها، أو احتلال مدن إستراتيجية رئيسية، وذاك كان خطأ، بل دفعوا تلك القوات مسافة 80 إلى 90 كلم، واستقروا في تلك المنطقة لمنع المدفعية والصواريخ الإيرانية من ضرب الأرض العراقية".

استهداف مفاعل "تموز" 

ويعرّج الخزرجي على استهداف المفاعل النووي العراقي تموز من قبل مقاتلات إسرائيلية في يونيو/ حزيران من عام 1981، وهي العملية التي أجهضت حلم صدام حسين في امتلاك العراق قنبلة نووية على حد تعبيره.

ويعترف في السياق ذاته بأن العراق كان على بعد أشهر فقط من إنتاج قنبلة نووية، متهمًا موظفين فرنسيين بتسريب مخططات المفاعل النووي لإسرائيل. 

ويجزم بأن إيران كانت في تنسيق مع تل أبيب للقضاء على البرنامج النووي، لكن الرئيس العراقي وجه أصابع الاتهام مباشرة لإسرائيل دقائق بعد تدمير المفاعل النووي.

ويؤكد أن رادارات الجيش العراقي لم ترصد الطائرات الإسرائيلية، التي أغارت على المفاعل النووي، بسبب تحليقها المنخفض عند دخولها الأجواء العراقية.

يتحدث الخزرجي في الحلقة عن إجهاض حلم صدام حسين في امتلاك العراق قنبلة نووية
يتحدث الخزرجي في الحلقة عن إجهاض حلم صدام حسين في امتلاك العراق قنبلة نووية

إسرائيل و"إشغال الجيش العراقي"

يتهم الخزرجي إسرائيل والدول الغربية باختلاق ما يسمى بقضية الأكراد في العراق من أجل "تشتيت وتحطيم قدرات الجيش العراقي".

ويقول: إن إيران هي التي جرّتنا إلى مهاجمتها، فيما كانت إسرائيل العدو القومي الأول، إلا أن الجار الشرقي كان يهدد وجودنا.

ويلفت إلى أن حسابات القيادة السياسية العراقية، والتي تورطت فيها حتى القيادة العسكرية، هو أن الخميني أضعف القوات المسلحة، وأن إيران اليوم أضعف بكثير عما كانت عليه في زمن الشاه، موضحًا أن الجيش العراقي كان أقل حينها عددًا من الجيش الإيراني.

ويشير إلى أن العراق تعرّض إلى حصار قلّص مشترياته من الأسلحة إلى الحد الأدنى، حيث رفضت عدة دول كبرى بيعه أي عتاد عسكري، وهو ما غير موازين القوى مع إيران واستدعى من ساسة العراق البحث عن موردي أسلحة في السوق السوداء، مذكرًا بالسفن السوفيتية التي كانت تنقل أسلحة إلى العراق وعادت أدراجها عقب اندلاع الحرب ضد إيران.

كذلك يلفت إلى أن إسرائيل كانت ضمن دائرة أكبر الدول الداعمة لطهران عسكريًا.

خصوم وداعمون عرب

عربيًا، يذكر الخزرجي بأن أول صاروخ سكود سقط في العراق كان ليبيًا، متحدثًا عن أن المخابرات العراقية رصدت اتصالات بين ضباط ليبيين ونظرائهم الإيرانيين لحظة إطلاق الصاروخ على هدف عراقي، معتبرًا أن الموقف الليبي مرتبط بحسابات شخصية للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي.

ويقول إن سوريا كانت تزوّد إيران بالأسلحة والعتاد والخبراء وبمدربين بغرض محاربة العراق، لافتًا إلى أن حافظ الأسد بذل كل جهوده لإضعاف العراق، وكان يعتبر صدام حسين عدوّه الرئيسي، فكان مع إيران قلبًا وقالبًا على امتداد 8 سنوات.

وبخصوص ما يُثار بشأن الدعم المالي السخي لدول خليجية للعراق، يقول إن الدعم العربي المالي الخليجي للعراق لم يتجاوز 10% من تكلفة الحرب بالنسبة للعراق، التي بلغت قرابة 350 مليار دولار وفق حصيلة شبه رسمية، وكانت على شكل ديون.

كما يذكّر بقرار كل من الكويت والسعودية تخصيص موانئ لنقل الأسلحة إلى العراق، رغم التحفظات الكويتية على استغلال بعض جزرها في زمن الحرب.

ومن الناحية المصرية، يؤكد الخزرجي أن صدام حسين كان حريصًا على نسج علاقات مع  مصر، رغم انزعاج قيادات في المؤسسة العسكرية العراقية من نظرائهم في مصر، على خلفية صفقات تسلح فاشلة في عهد مبارك.

وعن الأردن، يروي الفريق الركن الأول أن الملك الأردني حسين عبّر في أحد لقاءاته مع صدام حسين عن استعداد بلاده لدفع فرقة من الجيش الأردني لدعم الجيش العراقي والمشاركة في الحرب ضد إيران، إلا أن الفرقة لم يظهر لها أي أثر.

ماذا عن المتطوعين الذين حضروا إلى العراق من الأردن، وبينهم سجناء أُعفي عنهم وجنود وضباط سابقون؟ التفاصيل في الحلقة المرفقة من برنامج "وفي رواية أخرى".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close