الخميس 5 ديسمبر / December 2024
Close

اعتصام القيادة العامة.. كيف شكّل منعطفًا في ثورة السودانيين؟

اعتصام القيادة العامة.. كيف شكّل منعطفًا في ثورة السودانيين؟

شارك القصة

حلقة من برنامج "كنت هناك" تستعرض أسرار وكواليس اعتصام القيادة العامة في السودان (الصورة: الأناضول)
الخط
يقف السودان على حافة حرب أهلية، وأعادت الاشتباكات الدائرة إلى ذاكرة السودانيين أحداث ثورتهم، وتحديدًا يوم فضّ اعتصام القيادة العامة.

يجد السودان نفسه بعد أكثر من 4 أعوام على ثورة نادت بالتخلص من حكم العسكر، في قلب اقتتال دامٍ بين العسكر أنفسهم وضحاياه من المدنيين.

ومن شمال السودان إلى شرقه وغربه، فرّ مئات الآلاف بحياتهم، وفي كل مكان يلجؤون إليه يجدون الموت يتربّصهم.

منافسة سياسية أشعلت صراعًا

ويقع خلف الصراع المشتعل رجلان يتنافسان على السلطة، وراء كل منهما قوة ضاربة: وحدات الجيش الموالية للجنرال عبد الفتاح البرهان الحاكم الفعلي للبلاد وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.

حليفا الأمس هما من يمزقان أوصال البلاد الآن. فمشاهد القصف والدمار في العاصمة الخرطوم ومدن السودان الأخرى كانت صادمة للعالم، لكنها كانت أشد قسوة على السودانيين.

فقبل سنوات قليلة، كان المواطنون يحلمون بالتغيير والسلام وبسلطة مدنية ديمقراطية، لكنهم اليوم يتساءلون كيف وصل البلد إلى هنا.

من حراك فئوي إلى ثورة

كانت كاميرا التلفزيون "العربي" متواجدة مع السودانيين منذ البداية، ترصد أسابيع فاصلة من اعتصام شعبي في محيط قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم.

كان عماد الحراك المدني آنذاك عددًا من الكيانات النقابية والمهنية، وقد نجح في تحويل احتجاجات فئوية بدأت في نهاية عام 2018 إلى ثورة عمت مدن السودان تحت شعار الحرية والسلام والتغيير.

شكّل المعتصمون السودانيون دروعًا بشرية لحماية أضعفهم لكن بعضهم لم يتمكن من النجاة
شكّل المعتصمون السودانيون دروعًا بشرية لحماية أضعفهم لكن بعضهم لم يتمكن من النجاة

لم يكن ثمن الوصول إلى أمام القيادة العامة هينًا، فعلى مدار أشهر سقط منهم العشرات بين قتيل وجريح.

كان الحراك الثوري لا يزال يعيش نشوة الإطاحة بالرئيس عمر البشير وحكومته، قبل نحو شهر واحد فقط في 11 أبريل/ نيسان 2019.

واعتبر السودانيون إزاحة الدكتاتور الذي حكم السودان لأكثر من 30 عامًا انتصارًا كبيرًا أدخل على النفوس بالأمل.

وكان المطلب الرئيسي للمتظاهرين سلطة مدنية ديمقراطية. لكن المعركة كانت في بدايتها، فاللجنة الأمنية التي تبنّت قرار الإطاحة بالبشير هي ذاتها التي استلمت السلطة بدعوى الانحياز للثورة الشعبية، لكن الشارع رفضها باعتبارها جزءًا من النظام الذي ثاروا ضده.

البرهان وحمديتي في مجلس عسكري

وشُكل مجلس عسكري، وضم الشخصين اللذين يتنازعان على السلطة الآن، فأصبح عبد الفتاح البرهان الذي كان يشغل منصب المفتش العام للجيش رئيسًا للمجلس، كما اختير حميدتي قائد قوات الدعم السريع، نائبًا له. 

استهدف اعتصام القيادة العامة إرغام السلطة العسكرية على الاستجابة للمطالب الشعبية.
استهدف اعتصام القيادة العامة إرغام السلطة العسكرية على الاستجابة للمطالب الشعبية.

وظهر الرجلان على أنهما حماة التحول المدني الديمقراطي الذي تحلم به البلاد، لكن السودانيين لم يطمئنوا لهذا التحول، وما خافوا منه بات حقيقة اليوم.

فالحراك المدني مدفوعًا بمخاوف من اختطاف الثورة وسّع من محيط الاعتصام أمام القيادة العامة، وكان هدفه إرغام السلطة العسكرية على الاستجابة للمطالب الشعبية.

اشتباكات القيادة العامة

وجاء الرد على الحراك الشعبي سريعًا، حيث عصفت الاشتباكات المسلحة بمحيط الاعتصام. ويتهم الثوار قوات الدعم السريع بمهاجمتهم، أمّا السلطة العسكرية، فاتهمت من وصفتهم بـ"جهات تتربص بالثورة".

وتروي والدة محمد إبراهيم، أحد ضحايا اقتحام القيادة العامة كيف علمت بمقتل ولدها.

ويشرح صديق محمد كيف شارك في الاعتصام منذ 6 أبريل/ نيسان 2019 بشكل متواصل حتى مقتله.

من جهته، يعتبر إبراهيم آدم، والد أحد ضحايا القيادة العامة أن ولده "استشهد في رمضان في موقف مشرف".

فما حدث في تلك الليلة جعل الثوار يدركون أنهم ليسوا بمأمن رغم سقوط النظام السابق، فشكلوا دروعًا بشرية لحماية أضعفهم، لكن بعضهم لم يتمكن من النجاة. 

فض اعتصام القيادة العامة

وفي أول صلاة جمعة بعد الاعتداء على الاعتصام، ضمد الثوار جراحهم وشحذوا إيمانهم بعدالة قضيتهم، لكن الأسوأ لم يكن قد وقع بعد. 

وفي صبيحة يوم الثالث من يونيو/ حزيران 2019، جاء الغدر فجأة.

فقد خرجت قوات تابعة للجيش السوداني مدعومة بقوات الدعم السريع لفض الاعتصام السلمي الأشهر في السودان، فقُتل أكثر من 100 شخص في ذلك اليوم، وسقط مئات الجرحى وفُقد العشرات، بعضهم لم يُعثر عليه حتى الآن.

وقُطعت الاتصالات في البلاد، وبدا أن من قرّر فض الاعتصام أراد إخفاء فعلته، لكن معالم الجريمة وأركانها بقيت حاضرة في أذهان السودانيين.

خرجت قوات تابعة للجيش السوداني مدعومة بقوات الدعم السريع لفض الاعتصام السلمي الأشهر في السودان.
خرجت قوات تابعة للجيش السوداني مدعومة بقوات الدعم السريع لفض الاعتصام السلمي الأشهر في السودان.

ودفعت المجزرة جميع القوى السياسية للبحث عن مخرج لأزمة البلاد بأقل التكاليف.

وعلى الرغم من عدم محاسبة الجناة، جلست القوى السياسية مع الجيش للحوار والتفاوض.

الاشتباكات المسلحة

وكان الأمل يكمن في أن يجد السودان في العتمة طريقًا إلى الحرية.

ومضت السنوات إلا أن التظاهرات بقيت مستمرة للمطالبة بحكم مدني ديمقراطي، بعد أن انقلب العسكر على اتفاقاتهم، وواجهوا معارضيهم بالعنف عدة مرات. 

وجاء الشهر الماضي ليشتعل فتيل الصراع من جديد، فالجيش لم يعد يحتمل تنامي سطوة الدعم السريع، لتقع المواجهات بين الطرفين، وليمر على السودانيين شهر رمضان آخر تحت زخات الرصاص كما حصل قبل 4 سنوات.

وكان الكثير من المواطنين يتوقعون حصول هذه المواجهات، وحمّلوا القوى المدنية جزءًا من المسؤولية بسبب الثقة بالعسكريين.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة