الأحد 14 أبريل / أبريل 2024

ثروات مكدّسة وانهيار اقتصادي.. فصول أخرى لإمبراطورية "العسكر" في مصر

ثروات مكدّسة وانهيار اقتصادي.. فصول أخرى لإمبراطورية "العسكر" في مصر

Changed

منذ 2015، بدا أنّ هناك مخططًا للسيطرة على القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري؛ ما تسبب بارتفاع المديونية الخارجية حتى وصلت لأرقام قياسية.

تضاءل حجم مصر التي وعد بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، فمن مقولته الشهيرة بأن مصر ستصبح بحجم الدنيا، وصولًا إلى "نحن فقراء جدًا"، وأنّ مصر ليست دولة بل شبه دولة، وُضِعت البلاد على عتبات مستقبل مجهول، لا يظهر منه سوى انهيار مستمر في اقتصاد البلاد، وثروات مكدسة لجيوب قيادات العسكر والمحسوبين عليهم.

وشكّلت التسجيلات المصوّرة التي نشرها المقاول محمد علي قبل فترة، جرس إنذار لفت انتباه كافة المصريين وأعاد تسليط الضوء على الكيفية التي يديرها بها عسكر مصر اقتصاد البلاد، كما أعاد الحديث في كافة الأروقة المصرية عن شبهات الفساد الماليّ والإداريّ الذي ترعاه القوات المسلحة وعن حجم الهدر العام في موارد الدولة.

أربع مؤسسات رسمية

من الممكن حصر الأجهزة التابعة للقوات المسلحة المصرية العاملة في المجال الاقتصادي في أربع مؤسسات رسمية: جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والهيئة العربية للتصنيع، والهيئة القومية للإنتاج الحربي، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

لكنّ هذه الهيئات أو الأذرع الاقتصادية تجاوزت الأهداف التي أنشئت من أجلها من تسيير وتوفير لكافة احتياجات القوات المسلحة الفنية والغذائية والخدمية لتخترق كافة القطاعات المدنية الاقتصادية.

وأصبحت هذه المؤسسات تدير مئات من المصانع والشركات التي تنافس القطاع الاقتصادي المدني في الطاقة والزراعة والإنشاءات، وصولًا إلى سوق المواد الغذائية والأجهزة الإلكترونية وغيرها، بمعادلة غير متكافئة يدفع المستثمر المدني كلفتها الباهظة.

الجيش يدخل مضمار المنافسة

مع انتهاء عصر الصراع العسكري مع إسرائيل، لم يعد التصنيع العسكري هدف وزارة الإنتاج البحري، لا سيما مع إطلاق برامج الانفتاح الاقتصادي التي بدأها الرئيس المصري محمد أنور السادات، ليدخل الجيش المصري مضمار المنافسة في الاقتصاد المدني بشكل رسمي عبر القرار الرقم 32 لسنة 1979 بشأن إنشاء جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

وفي عهد الرئيس حسني مبارك، تحوّل الجهاز ومعه وزارة الإنتاج الحربيّ التي امتلكت شركاتها ومصانعها الخاصة تدريجيًا كلّ شيء إلى إمبراطورية آخذة بالتوسّع. 

وبعد أن بدأت موجة سياسة خصخصة الشركات العامة التي طالت الغالبية العظمى من القطاع العام المصري، نجت إمبراطورية الإنتاج الحربي الجديدة التي تمتلك أكثر من 20 شركة ومصنعًا بحسب موقع الوزارة الرسمي، لتبدأ سطور قصة مختلفة تمامًا شهدت انتقال قطاع كامل من صناعات عسكرية متقدمة كصناعة الصواريخ لمستوى يبدو متدنيًا لم يتخيّله قدماء العسكر الذين أنشأوا هذا القطاع.

حجر "الدومينو" الأول

لم تقف الإمبراطورية الاقتصادية لعسكر مصر عند الحدود التي رسمها لها مبارك، ولأن الثروة تحبّ الكسب، أضاف انقلاب يونيو/ حزيران 2013 فصولًا جديدة لحكاية اقتصاد العسكر في المحروسة، فقد تمدّد الجيش اقتصاديًا ليسيطر على كافة مقدرات البلاد، تحت مظلة المشاريع الكبيرة في بداية الأمر، ليصل إلى منافسة القطاع المدني في كلّ تفاصيله.

وكان حجر الدومينو الأول التعديل الذي حرّكه الرئيس المؤقت عدلي منصور في يونيو/ حزيران 2014 من خلال رفع العتبة أمام الهيئات الحكومية حين تمنح عقودًا دون مناقصاتٍ مفتوحة، ما يمنع الطعون القانونية من قبل طرف ثالث بالعقود العامة، ما يعني تحرير وزارة الدفاع ووزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع وهيئاتها وإدارتها وفروعها من التقيد بكافة تفاصيل المنافسة العادلة.

السيسي دخل على الخط

وجاء الحجر الآخر الذي تبع قرار عدلي منصور، بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي سُدّة الحكم بفترة قصيرة، ففي أغسطس/ آب 2014، أي بعد انتخابه بثلاثة أشهر، كلّف السيسي وزارة الدفاع بالعمل على إدارة مشروع إنشاء ممر جانبي بطول 37 كيلومترًا موازٍ لقناة السويس، وتوسيع القناة الحالية بالطول نفسه تقريبًا للسماح بمرور السفن باتجاهين.

وقد حقق المشروع استفادة مالية ضخمة لوزارة الدفاع والشركات الخاصة المقرّبة، مع أنّ فائدته للاقتصاد الوطني ظلّت ملتبسة حتى يومنا هذا.

واستمرّ السيسي مع منظومته العسكرية، منذ انطلاق حكمه، بإطلاق المشاريع الكبرى التي أرهقت اقتصاد البلاد، ليأتي مشروع العاصمة الإدارية الذي يُعتبَر من أكبر المشاريع من حيث الكلفة في تاريخ مصر، وتديره الهيئات العسكرية التابعة للقوات المسلحة، ويشمل عدّة مشاريع منها توسيع قناة السويس، وإعادة إطلاق المجتمع العمراني الجديد باسم الشيخ محمد بن زايد، بالإضافة إلى بناء ثلاث مدن ذكية وأربع مدن صحراوية على الأقل.

وقد تسببت تلك المشاريع بارتفاع المديونية الخارجية حتى وصلت إلى أرقام قياسية قاربت 110 مليارات دولار، بعد أن كانت 39 مليار دولار في بداية 2013، بحسب البنك المركزي حينها.

طموح العسكر بحجم البلاد

ومنذ نهاية 2015، بدا أنّ طموح العسكر في مصر أصبح بحجم البلاد، وبدا واضحًا أنّ هناك مخططًا كبيرًا للسيطرة على كافة القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري.

فبعد الإعلام، اتجه العسكر إلى سوق الصلب والإسمنت، أحد أهم القطاعات الاقتصادية في مصر، التي كانت في أغلبها سوقًا للاستثمار المدني. 

وفي مجال المقاولات وتنفيذ المشاريع الكبيرة، ألقت القوات المسلحة جزءًا كبيرًا من العبء الناجم عن تنفيذ هذه المشاريع على الشركات التي تختارها في تنفيذ مخططاتها، وهي شركات يشكّ كثيرون بطريقة اختيارها، حيث يرى البعض أنّ القوات المسلحة تقدم عطاءات وهمية لاختيار مشاركة بعض الشركات من القطاع الخاص، وأنّ هذه الشركات إما محسوبة على جهات متنفذة في الدولة، أو مملوكة من الأساس لبعض القادة المتقاعدين.

"تغوّل مستمرّ" على اقتصاد مصر

واستمرّ تغوّل المؤسسة العسكرية على اقتصاد البلاد ووصل إلى حد منافسة التجار في سوق المواد الغذائية والزراعية والطبية والخدمية، وصولًا إلى إنتاج كعك العيد وأواني الطهي وغيرها.

وقد تجلى هذا التدخل بشكل واضح عندما وقعت ما عُرفت بأزمة حليب الأطفال عام 2016 حيث تدخلت القوات المسلحة لحل الأزمة، وقامت بتأمين الأسواق بالحليب، مما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب حصول الأزمة من الأساس، وحول حجم التمدد الذي تسعى إمبراطورية العسكر للوصول إليه.

المصادر:
التلفزيون العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close