تترنّح الحكومة اللبنانية على وقع الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج، حيث باتت البلاد أمام سيناريوهات خطيرة، أبرزها أن استقالة الحكومة، إن حدثت، فتعني تعطّل مؤسسات الدولة قبل أشهر من استحقاق الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
وتتعمّق عزلة لبنان على خلفية التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي عن الحرب في اليمن، حيث أعلنت الإمارات، أمس السبت، سحب دبلوماسييها من لبنان، بعد خطوة مماثلة اتخذتها كل من السعودية والبحرين والكويت.
من جهتها، أعربت قطر عن استغرابها الشديد لتصريحات قرداحي الأخيرة، داعية الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد وبشكل عاجل وحاسم لتهدئة الأوضاع، والمسارعة في رأب الصدع بين الأشقاء.
يأتي ذلك في وقت تؤكد الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي محاولتها احتواء التصعيد وإيجاد مخرج مناسب.
خلية أزمة
وشكّلت الحكومة اللبنانية "خلية أزمة" لمتابعة تداعيات الأزمة الدبلوماسية الراهنة بوساطة أميركية لاحتواء الإشكال مع السعودية.
ولم تُحسم بعد استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، وسط معارضة من حزب الله وحلفائه لها.
وباتت الأزمة مع السعودية تتخطّى إقالة قرداحي أو استقالته.
وقال الصحافي اللبناني المقرّب من السعودية في لبنان محمد نمر، في حديث إلى "العربي"، إن الأزمة باتت أكبر من استقالة قرداحي، وأن على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يستقيل ويكون حريصًا حتى على بيئته المعترضة على تصريحات قرداحي.
وتبرز مخاوف في الشارع اللبناني من ارتدادات اقتصادية بعد قرار السعودية وقف الصادرات اللبنانية إلى أراضيها، بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار على وقع الأزمة.
"الأمور تتجه نحو قطع العلاقات"
وقال الباحث في العلاقات الدولية سالم اليامي من الرياض، إن هناك حالة من "الاحتقان السياسي" المتراكم بين لبنان والسعودية، معتبرًا أن تعافي العلاقات بين البلدين "لم يعد أمرًا سهلًا".
وأضاف اليامي في حديث إلى "العربي"، أن السعودية سعت عبر الاتصالات الدبلوماسية إلى الوصول إلى أكثر من حلّ بشروط أمنية، لكنّ الجانب اللبناني كان يتساهل ويتهاون في الأمر من دون الوصول إلى حلّ.
ونفى اليامي ما يُقال عن أن السعودية تسعى إلى تصفية حساباتها مع "حزب الله"، مشيرًا إلى أن "حزب الله حزب فاعل ما دون الدولة، وأن المملكة بلد ذو كيان واستقرار وبعد روحي وثقافي، ومن الخطأ وضع السعودية بهذه الأبعاد الكبيرة بموازاة حزب سياسي".
وأكد أن السعودية "لم تفرض على الأطراف اللبنانية أي تصرّف ضدّ حزب الله، رغم أنه أحد الأسباب التي تُعيق المساعدات المقدّمة إلى لبنان".
واعتبر أن لبنان في ظلّ سيطرة حزب الله "أصبح دولة مختطفة ومغيّبة، ودولة يقودها حزب"، مشيرًا إلى أن الطرف اللبناني الرسمي حتى هذه اللحظة "لم يقدّم أي حلّ حقيقي للأزمة".
ورأى أنه إذا استمرّ الطرف الرسمي اللبناني بالتصرّف بهذه السلبية والاستسلام لحزب الله، فإن الأمور تتّجه إلى قطع العلاقات نهائيًا بين البلدين، معتبرًا أن هذا سيكون "بسبب الخيار اللبناني".
"ذريعة لتصفية الحسابات"
من جهته، قال الكاتب الصحافي رضوان عقيل من بيروت، إن الدولة اللبنانية، بكل مكوّناتها، تحرص على أفضل العلاقات التاريخية مع دول الخليج الشقيقة، لكنه اعتبر أن إقالة قرداحي "قرار سيادي، ولا تُفيد العلاقات بين البلدين".
وإذ أكد عقيل في حديث إلى "العربي" على حقّ السعودية في الحفاظ على أمن المملكة، أشار إلى أن الدولة اللبنانية لم تقصّر في هذا المجال، معتبرًا أن الطرف السعودي اتخذ من تصريحات قرداحي ذريعة لتصفية الحسابات مع الدولة اللبنانية، وتوجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله وتحميله مسؤوليته كل الخلافات.
ورأى أن لبنان أمام أزمة حقيقية، لأن الحكومة قد تشهد استقالات أخرى، في حال استقالة قرداحي، الأمر الذي سيؤدي، بدوره، إلى سقوط الحكومة ما يُهدّد بسقوط مؤسسات الدولة تزامنًا مع الاستحقاقات البرلمانية المقبلة والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
واعتبر عقيل أن الأزمة "قابلة للحلّ"، مشيرًا إلى اتصالات بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من المسؤولين الأميركيين سعيًا إلى إيجاد حلّ.
وأشار إلى أن مشكلة لبنان أنه "دولة غير متماسكة، تعتمد فيه الأطراف سياسة النكايات تجاه بعضها البعض".