الأنظار تتركز على القضاء اللبناني.. كيف سيتعامل مع مذكرة اعتقال سلامة؟
في حدث يشكل علامة بارزة في الأزمة اللبنانية، أمسكت بيروت بيديها رسميًا نسخة من "النشرة الحمراء"، تطالب بتوقيف رياض سلامة حاكم المصرف المركزي لصالح القضاء الفرنسي على خلفيه اتهامات بالاحتيال.
واضطر هذا الأمر الدولة للضغط على سلامة للاستقالة فور تسلم مذكرة الاعتقال، في وقت قال فيه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي إنه عندما يتهم أي شخص بمثل هذه الجرائم ينبغي أن لا يظل في موقع مسؤولية ويجب أن يتنحى فورًا، وفق ما نقلت عنه وكالة "رويترز".
القضاء اللبناني يستمع لسلامة الأسبوع المقبل
في المقابل، وبحسب مصادر لبنانية فإن القضاء اللبناني رفض تسليم سلامة وقرّر الاستماع له الأسبوع المقبل، قائلًا إنه لن ينصاع لقضاء فرنسا وقوانينها.
وتفيض صفحات القضاء اللبناني بتحقيقات تتهم سلامة باستيلائه هو ومساعدة له وشقيقه رجا على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي.
وكان سلامة قد تغيّب عن جلسة استجواب في باريس كانت تسعى لمعرفة كيف استطاع مراكمة أصول كبيرة في أوروبا.
وبينما يجتهد فريق سلامة الدفاعي في مطالبة القضاء اللبناني بتعليق التعاون مع التحقيقات الأوروبية والاكتفاء بالتحقيق المحلي، لا تزال تحوم شكوك في صحة ما سيصدر من منبره حول سلامة من عدمه، ليس فقط لعلاقاته السياسية الواسعة، بل لإصراره على براءته من كل التهم ووصفه ما يحدث بأنه عملية سياسية لا قضائية، علاوة على رغبته في البقاء في منصبه حتى نهايه ولايته.
ويأتي كل ذلك وسك تخوف من تعطيل عمل المصرف المركزي ما سيدخل البلاد في فراغ ثالث لا تريده عقب الفراغ الرئاسي والعجز الحكومي.
"وثيقة قانونية"
وفي هذا الإطار، يرى رئيس جمعية "ضحايا الممارسات الاحتيالية والاجرامية في لبنان" عزيز سليمان أن التشكيك في القضاء الفرنسي أمر خطير، مشيرًا إلى أن التحقيقات حول رياض سلامة استمرت لمدة عامين.
ويؤكد في حديث إلى "العربي" من باريس أن الوثيقة التي تسلمها لبنان قانونية مئة في المئة، لافتًا إلى أن الساسة اللبنانيين يتلاعبون على القانون ويحاولون كسب الوقت.
كما يلحظ سليمان أن القاضية الفرنسية التي بتت بقضية سلامة (أود بوروزي) معروفة بنزاهتها، مذكرًا بأنها هي من أصدرت الحكم على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي قبل يومين.
"القضاء اللبناني مجبر على التحرك"
من جهته، يعتبر الصحفي المختص في الشؤون القضائية اللبنانية يوسف دياب أن القضاء اللبناني بات الآن أمام حقيقة قائمة وهي تسلمه مذكرة التوقيف التي صدرت عن القاضية الفرنسية وعُممت عبر الإنتربول.
ويرى في حديث إلى "العربي" من بيروت أن ذلك سيخضع القضاء اللبناني لاتباع إجراءات لا بد من السير بها. وتبدأ هذه الإجراءات باستدعاء رياض سلامة والاستماع إليه من قبل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
ويلفت دياب إلى أن عويدات استدعى سلامة إلى جلسة تحقيق ستجرى في مكتبه بداية الأسبوع المقبل حيث سيطلعه على فحوى المذكرة التي تسلمها لبنان.
وبحسب دياب، قد يلجأ عويدات عقب جلسة الاستماع إلى ترك سلامة رهن التحقيق ثم سيخطر السلطات الفرنسية بأنه نفّذ النشرة الحمراء واستجوب سلامة وسيطلب من القاضية الفرنسية تسليمه نسخة عن الملف والأدلة التي ارتكزت عليها وأسفرت عن إصدار مذكرة التوقيف.
وعند تسلم الملف سيتبين عويدات ما إذا كانت الأدلة التي بُنيت عليها مذكرة التوقيف قوية وربما سيلجأ في مرحلة لاحقة إلى توقيفه ويشرع القضاء اللبناني بمحاكمته.
ويلفت إلى أن القضاء اللبناني لا يجوز له تسليم مواطن إلى دولة أخرى لأن الصلاحية المكانية والمعنوية تعود له. وفي حال عدم التثبت من قوة الأدلة سيقوم عويدات بحفظ الملف، بحسب دياب.
"تعطش لبدء المساءلة"
وفي السياق نفسه، يعتبر الخبير الاقتصادي والمالي نسيب غبريل أن القضاء هو من سيقرر مسار القضية، مشددًا على ضرورة احترام استقلالية القضاء.
ويرى أنه منذ اندلاع الأزمة في لبنان، تطال اتهامات مختلفة جهات عدة ومنها رموز سياسية بشأن مسؤوليتها عن الأزمة، لافتًا إلى أنه من الضروري تبديل رموز السلطة السياسية.
وفي حديثه من بيروت، يعتبر غبريل أن لبنان لم يعتد على المساءلة وأن الشعب متعطش لبدء عملية المحاسبة، مشيرًا إلى أن المحاسبة يجب أن تعتمد على أدلة وأن لا أحد فوق المساءلة.
ويرى أن غياب المساءلة عطّل حل الأزمة الاقتصادية في لبنان وأدى إلى شلل في تطبيق أي حل للخروج من الأزمة الأمر الذي يدفع ثمنه الاقتصاد اللبناني والمواطن والقطاع الخاص في ظل شلل الحكومة ومجلس النواب.