أطلقت الأطراف السودانية الموقعة على الاتفاق الإطاري في العاصمة الخرطوم، المرحلة النهائية للعملية السياسية في السودان، حيث ستركز المشاورات المقبلة خلال هذه المرحلة على 5 قضايا رئيسية.
هذه القضايا هي: العدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، فضلًا عن مراجعة وتقييم اتفاق السلام، كما سيركز على قضية شرق السودان، ووضع خارطة طريق لإحياء عملية تفكيك نظام البشير.
وأكّد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان خلال عملية الإطلاق، أن المؤسسة العسكرية ملتزمة بالخروج الكامل من المشهد السياسي، والعمل مع السياسيين لوضع أطر المؤسسة العسكرية.
ويعدّ إطلاق المرحلة النهائية للعملية السياسية وفق ساسة سودانيين، بمثابة تثبيت لأوتاد الاتفاق الإطاري الموقّع بين العسكر والقوى المدنية في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
هذا يعني بشكلٍ لا لبس فيه، أن لا توجّه في الوقت الحالي لإلغاء الاتفاق أو استبداله بآخر، كما يعني أيضًا الغوص أكثر في بنود الاتفاق الإطاري وتطبيق ما تيسّر منها بالتدريج، وصولًا إلى الخطوة المقبلة المتمثلة في التوقيع على اتفاقٍ نهائيٍ عادلٍ ومنشود.
وتعتبر الأطراف الموقّعة على الاتفاق الإطاري أن هناك توافقات أو شبه توافقات في الحدّ الأدنى، على رؤى موحّدة في القضايا الأساسية، بينما ترفض القوى المعارضة للاتفاق الاعتراف بتوافقات وحلول محتملة وتصفها بالإقصائية والمجتزأة.
هذه القوى تؤكد في سياق ذلك، استمرار حراكها المعارض لأي حلول لا تمثّل الشعب السوداني وطموحاته، وفق قولها.
تحفظات لجان المقاومة
متابعةً لهذا الملف، يرى المتحدث باسم لجان المقاومة في الخرطوم أحمد عصمت أن السودان يشهد حاليًا ما سبق وحصل في 17 أغسطس/ آب 2019، من حيث التوصل إلى اتفاق سياسي تلاه وثيقة دستورية ومن ثم تأليف حكومة، قبل أن تنقلب المؤسسة العسكرية عليها ويصبح الاتفاق حبرًا على ورق.
فمن وجهة نظر لجان المقاومة، حصل كل ذلك لأنه تمت صياغة الوثيقة الدستورية السابقة "بعيدًا عن مرأى الجميع" وفي ظل غياب تام للشفافية والديمقراطية، بحسب عصمت الذي يؤكد لـ "العربي" غياب ما وصفه بالقوة المجتمعية الحقيقية.
ويردف المتحدث باسم لجان المقاومة في الخرطوم: "رفضنا التام هو من حيث المبدأ، بغض النظر عما يرد في الاتفاقية الحالية والتفاصيل المرتبطة بدور المؤسسة العسكرية وغيرها. فهذه البنود كانت مذكورة أيضًا في الاتفاق السياسي السابق".
وعليه، يشرح عصمت من الخرطوم، أنه إذا تم التوصل إلى أي اتفاق بعيدًا عن توجهات الشعب السوداني بنفس الطريقة النخبوية والاختلافات الشكلية التي حصلت سابقًا، فهو من منظورهم سيبقى حبرًا على ورق ويدل على أن الوثيقة قابلة للتعديل والإلغاء عبر الانقلاب عليها كما حصل في الماضي.
كما يجدد المتحدث باسم لجان المقاومة رفض الاتفاق مع المؤسسة العسكرية، كون ذلك يرسخ على حد تعبيره مفهوم الإفلات من العقاب.
"اختلاف شكلي"
في المقابل، لا يرى الخبير الإستراتيجي فتح الرحمن محي الدين وجود أي مبرر للشباب السوداني لرفض الاتفاق السياسي الحالي، مشدّدًا على أن الاتفاق يتضمن أكثر من 90% من رؤية الشباب التي صيغت في وثيقة سموها "ميثاق سلطة الشعب".
فيستند محي الدين على أن "ميثاق سلطة الشعب" الذي وضع بالرجوع إلى القواعد الشعبية في مختلف القرى والمدن السودانية يسعى إلى التغيير الجذري، ويراه الخبير الإستراتيجي بأنه برنامجًا انتخابيًا جيدًا ويمكن الاعتماد عليه من قبل القوى المعارضة للوصول إلى الحكم عبر الانتخابات.
كما يؤكد محي الدين في مداخلته من الخرطوم، أن الاتفاق الحالي يضمن عدم إفلات أي شخص ارتكب جريمة من العقاب، وذلك ضمن الملف الرئيسي الذي هو تحقيق العدالة الانتقالية.
ويكمل: "عليهم أن يأتوا والمشاركة في الورش التي تتحدث عن العدالة الانتقالية، ووضع بصمتهم، والتأكد من أن كل مجرم سيأخذ جزاءه. فلا يوجد أحد في السودان يدعم الإفلات من العقاب".
وعن إمكانية انقلاب المكون العسكري على الوثيقة الحالية كما حصل مع ما قبله، يقول محي الدين إن سبب انقلاب 25 أكتوبر كان استئثار أقلية على السلطة على حساب بقية المكونات، لافتًا أنه يمكن حماية المشروع وحل الأزمة السياسية الحالية عبر توسيع القاعدة السياسية ومشاركة الجميع فيه وليس عبر الرفض.
المخرج من الأزمة
أما الباحث السوداني أحمد إبراهيم شوق، فيفصّل أن مناقشة الاتفاق الإطاري تقتضي النظر في التمثيل، والمنهج، والمضمون.
فيلحظ شوق أنه بمسألة التمثيل، تنقسم الساحة السياسية السودانية لـ3 كتل رئيسية: الحرية والتغيير المركزي التي وقّعت على الاتفاق الإطاري، والحرية والتغيير- التحول الديمقراطي الرافضة له، والتغيير الجذري.
وفيما يتعلق بالمنهج، يشرح الباحث السوداني من الدوحة أن معظم الرافضين لا يرفضون المحتوى بل كيفية إدارة هذا الحوار، إضافة إلى رؤيته بأن التمثيل كان مجتزأ وفيه جهات أخرى التي لم تكن جزء من الحوار الذي أفضى إلى الاتفاق الإطاري.
ومن حيث المحتوى، يدعم شوق الأصوات التي تقول إن الاتفاق يمثل 90% أو أكثر مما جاء في المبادرات الأخرى، وذلك كون الاتفاق الإطاري والمبادرات الأخرى تقوم على منظومة ثلاثية هي: قسمة المنظومة، وقسمة الثروة، وإدارة الفترة الانتقالية، على حدّ قوله.
ويضيف الباحث السوداني لـ"العربي": "الاتفاق الحالي يغطي كل هذه النقاط، وفيه جوانب أفضل من الوثيقة الدستورية عام 2019، بمعنى أن المكون العسكري سيخرج من المعادلة السياسية".
إلا أن الأزمة الحقيقية بحسب شوق، فهي أن الاصطفاف داخل الشارع السوداني لا يهتم بالمضمون والنتائج التي يمكن أن تترب عليه، بل يتمسك بالقضايا الشكلية المرتبطة بالتمثيل والمنهج الذي يدار به الحوار.
ومن هنا، يعتقد الباحث السوداني أن المخرج من هذه الأزمة هو عبر إعادة النظر في قضية التمثيل، والحوار حول الجانب الإطاري من خلال تقديم الجهات الرافضة لمشروعاتها للوصول إلى نتيجة.