تشكل الذخائر غير المنفجرة موتًا مؤجلًا يطارد الغزيين خلال العدوان الإسرائيلي، وكذلك في أوقات الهدنة، مع انتشارها تحت الركام وبين المباني والخيام.
وفي حين تقول الحكومة الأميركية إن الذخائر غير المنفجرة تنتشر في كل مكان بقطاع غزة، نتيجة عشرات الآلاف من الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل، مما يجعل القطاع "غير صالح للسكن"، تواصل واشنطن إرسال شحنات من الأسلحة إلى تل أبيب.
وفي هذا الصدد، كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن 9 طائرات نقل أميركية هبطت مؤخرًا في إسرائيل محملة بمئات القنابل بعضها خارق للتحصينات.
وتجدد القصف الإسرائيلي على غزة في مارس/ آذار الماضي، بعد انقلاب الاحتلال على اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى أُبرم في يناير/ كانون الثاني، ليتواصل سقوط المزيد من القنابل على الفلسطينيين يوميًا.
وبحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2024، قال الجيش الإسرائيلي: إنه نفذ "أكثر من 40 ألف غارة جوية على القطاع".
ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة تتناثر هذه المقذوفات بين أكثر من 50 مليون طن من الأنقاض، التي تنتشر في أنحاء القطاع الصغير المكتظ بالسكان.
ذخائر غير منفجرة تهدد سكان غزة
وبدأت بسرعة جهود سكان غزة لإزالة الأنقاض بعد أسبوع من سريان وقف إطلاق النار في يناير، وقرب مدينة خانيونس كان سائق جرافة يدعى علاء أبو جميزة يرفع الركام من شارع قريب من مكان يلعب فيه سعيد عبد الغفور (15 عامًا). اصطدمت شفرة الجرافة بقنبلة لم تكن ظاهرة.
وقال الفتى لرويترز: "تفاجأنا بحدوث انفجار عندما كنا نلعب في منطقة آمنة"، مضيفًا أنه فقد إحدى عينيه. كما فقد السائق أبو جميزة إحدى عينيه وأصيب بحروق وشظايا في يديه وساقيه.
ووفقًا لقاعدة بيانات جمعتها مجموعة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في غزة، استشهد منذ أن بدأت الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما لا يقل عن 23 شخصًا وأُصيب 162 آخرون بسبب الذخائر غير المنفجرة، أو التي لم يتم التعامل معها بالحذر المطلوب.
وهذا التقدير يقول عمال الإغاثة إنه ليس سوى جزء يسير من الإجمالي، لأن عددًا قليلًا من الضحايا هم من يعرفون كيفية الإبلاغ عما حدث لهم.

وقال 9 مسؤولين في مجال المساعدات لوكالة رويترز: إن "الجهود الدولية الرامية إلى تفكيك القنابل خلال فترات توقف القتال أعاقتها إسرائيل، التي تفرض قيودًا على الواردات إلى القطاع من البضائع التي قد يكون لها استخدام عسكري".
وأظهرت وثيقة أعدتها منظمتان تعملان في إزالة الألغام واطلعت عليها رويترز أن السلطات الإسرائيلية رفضت طلبات لاستيراد أكثر من 20 نوعًا من معدات إزالة الألغام في الفترة من مارس إلى يوليو/ تموز من العام الماضي.
وفي هذا الإطار، قال جيريمي لورانس المتحدث باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لرويترز: "عملية إزالة الألغام لم تبدأ بعد بسبب القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على منظمات مكافحة الألغام فيما يتعلق بدخول المعدات اللازمة".
وأضاف أن هذا الأمر يفرض "تحديات خطيرة يمكن تفاديها" على العاملين في مجال المساعدات الإنسانية.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، ملزمة بإزالة مخلفات الحرب التي تعرض حياة المدنيين للخطر أو بالمساعدة في إزالتها بموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907.
وذكرت كوردولا درويجه، كبيرة المسؤولين القانونيين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن هذا الالتزام تقر به إسرائيل بموجب القانون الدولي العرفي حتى وإن لم تكن من الدول الموقعة عليه.
وقال 7 خبراء أسلحة شاركوا في مناقشات بتنسيق من الأمم المتحدة بشأن جهود إزالة الألغام لرويترز: إن "من السابق لأوانه تقدير عدد الذخائر التي لم تنفجر في غزة لعدم وجود أي مسح".
وطلب معظمهم عدم الكشف عن هويتهم وذكروا أن التحدث علنًا عن التلوث بالأسلحة أو تحديات إزالة الألغام قد يؤثر على فرص عملهم في غزة.
وقالت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، التي تعمل على إزالة بقايا المتفجرات وتوعية السكان ومساعدة الضحايا، إن فرقها لتفكيك الألغام رصدت مئات القطع من الذخائر الحربية فوق الأرض، بما في ذلك قنابل الطائرات وقذائف الهاون والصواريخ والعبوات الناسفة بدائية الصنع.
وتتوقع الدائرة أن يكون هناك مزيد من هذه القنابل إما بين الأنقاض وإما مدفونة تحت الأرض "على عمق كبير".
وقد أفاد تقرير للأمم المتحدة بالعثور على قنبلتين في محطة كهرباء النصيرات بقطاع غزة. وقال جاري تومز خبير تفكيك الذخائر في منظمة (هيومانيتي اند إنكلوجن) للإغاثة، إنه رأى بقايا قنابل تستخدم كدعامات في خيام النازحين.
وفي مارس/ آذار، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، التي قدمت خطة لإعادة إعمار غزة، أن إزالة الذخائر التي لم تنفجر ستكون أولوية خلال الأشهر الستة الأولى من هذا المشروع. وستستمر إزالة الأنقاض لمدة عامين آخرين.
في غضون ذلك، يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه بغض النظر عن انفجار الذخائر أو عدم انفجارها، فإن الأنقاض تحتوي على عناصر مثل الأسبستوس والمواد الملوثة، بينما تقول وزارة الصحة الفلسطينية إن هناك الآلاف من جثث الشهداء تحت الركام أيضًا.
وبناء على التقارير التي أفادت بأن الغارات الجوية الإسرائيلية بلغت 40 ألفًا، وبافتراض أن كل غارة تلقي بقنبلة واحدة، إذا لم تنفجر 10% من هذه المقذوفات، فستكون هناك أربعة آلاف قنبلة تقريبًا لم تنفجر، ولا يشمل هذا الضربات البحرية أو البرية.
ويعتقد بعض الخبراء، أن نسبة عدم انفجار القنابل قد يكون أعلى من 10% في المراكز الحضرية، لأن القنابل لا تنفجر دائمًا عند اختراقها للمباني متعددة الطوابق، لا سيما تلك التي تضررت بالفعل.
وتظهر البيانات الخاصة بالغارات الإسرائيلية في مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها، أن قطاع غزة يتعرض لغارات جوية يومية تقريبًا.
وفي المجمل، تظهر قاعدة بيانات المشروع وقوع أكثر من 8000 غارة جوية، وهو ما قد يشمل غارات فردية متعددة.
علامات على الذخائر غير المنفجرة في غزة
وتقول الشرطة الفلسطينية في غزة إنها لا تملك المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض بأمان.
وأفاد سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بأن 31 من أفراد وحدة هندسة المتفجرات التابعة للشرطة الذين يتعاملون مع إزالة المقذوفات استشهدوا وأُصيب 22 منذ اندلاع الحرب، بما في ذلك في أثناء تفكيك القنابل.
ودعا باسم شراب رئيس بلدية بلدة القرارة، حيث وقع انفجار الجرافة في 27 يناير، الفرق الدولية إلى القدوم والمساعدة في عمليات تفكيك الذخائر ورفع الأنقاض.
لكن تلك المنظمات تقول إنها ستحتاج إلى موافقة إسرائيل على تأشيرات دخول لخبراء، والسماح بدخول مركبات مدرعة ومتفجرات، ومعدات حفر الأنفاق لاستخراج القنابل المدفونة.
وفي الوقت الراهن، يقول خبراء إزالة الألغام إنهم يستطيعون فقط وضع علامات على الذخائر والسعي لتجنب الحوادث، لا سيما التي يتعرض لها الأطفال.