تزاحمت آمال الجمهوريين والديمقراطيين لحصد أغلبية مقاعد الكونغرس في الانتخابات النصفية الأميركية التي لطالما عاندت سيد البيت الأبيض. وهذه المرة أيضًا لم تخرج عن سابقاتها، فمهمة الرئيس الأميركي تصبح أصعب مع فقدان الأغلبية، أقله في أحد المجلسين.
وأراد الجمهوريون أن تكون هذه الانتخابات "موجة حمراء" تعيد الاعتبار لحزبهم الذي خسر الأغلبية لصالح الديمقراطيين في انتخابات 2020، إلى جانب خسارة دونالد ترمب سباق الرئاسة أمام منافسه الديمقراطي جو بادين.
ملفا التضخم والحريّات
وحددت حسابات كثيرة توجهات الناخب الأميركي في هذا الاستحقاق، حيث كان على رأس العوامل الحاسمة لمنح الصوت لهذا الحزب أو ذاك، الاقتصاد وما يمسّ معيشة المواطن خصوصًا بعد وصول معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية.
فبعد أن زاد التضخم من تكاليف وأعباء حياتهم اليومية، مال الناخبون عن الحزب الديمقراطي ناسبين ذلك إلى أخطاء في السياسات الاقتصادية لإدارة بايدن.
كما هددت السياسات النقدية المتمثلة برفع سعر الفائدة، بوقوع البلاد بفترة ركودٍ قاسية ترفع من نسبة البطالة وفقدان الوظائف.
لكن بالمقابل، فتح ملف الحريات نافذة للديمقراطيين لتعزيز جبهتهم وصدّ المدّ الجمهوري، حيث كان لقرار المحكمة العليا إلغاء الحق القانوني في الإجهاض دورٌ في التفاف العديد من الفئات الاجتماعية حول الديمقراطيين، وعلى رأسهم النساء.
وتجري هذه الانتخابات في ظرفٍ دوليٍ حساس، بالتزامن مع الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا إذ تصدرت واشنطن الجهود الدولية الداعمة لكييف، مع وعودٍ بزيادة الدعم المالي والعسكري في الخطاب الرسمي لإدارة بايدن؛ ليرى دافع الضرائب الأميركي أن تكلفة هذه الحرب تدفع من حسابه، فيكسب بذلك معسكر الجمهوريين سردية أخرى في مواجهة الديمقراطيين.
رغم ذلك، يقول الديمقراطيون إنهم تجاوزوا الموجة الحمراء التي توقعها الجمهوريون، إنما ذلك لا يلغي حقيقة خسارة الأغلبية في مجلس النواب بينما حافظوا على الأغلبية في مجلس الشيوخ.
هزيمة الحزب الأحمر
متابعةً لهذا الملف، يتحدث محمد المنشاوي الصحافي والكاتب المختص بالشؤون الأميركية عن عدم تحقق "المد الأحمر" الذي أراده الجمهوريون، واصفًا نتائج الانتخابات النصفية بأنها هزيمة كبيرة للحزب الأحمر، ولا سيما وإن كان هناك توقعات باكتساح مجلس النواب وهذا لم يحدث، ترجيحهم الفوز بأغلبية مجلس الشيوخ وهذا ما لم يتحقق أيضًا.
ويعتقد المنشاوي أن السبب الأهم في هذه الخسارة هو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي على حدّ قوله أقحم مرشحين من أنصاره ممن يرددون ادعاءات تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2020، وأن بايدن بالتالي رئيس غير شرعي للبلاد.
فرغم نجاح ترمب في دفع عدد من هؤلاء المرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، خلال الأشهر الماضية، إلا أنهم لم يكن لديهم التأهيل الكافي لهزيمة نظرائهم الديمقراطيين على مستوى الولايات المختلفة وهو ما كلف الجمهوريين الكثير، بحسب الكاتب المختص بالشؤون الأميركية.
وقال المنشاوي في حديث مع "العربي": "رداءة المرشحين الجمهوريين كلّفت الحزب عدّة مقاعد في مجلس الشيوخ كانت شبه مضمونة، بخاصة في ولاية بنسلفانيا، ونيفادا، وأريزونا".
بالإضافة إلى ذلك يلحظ الصحافي من واشنطن، أن الجمهوريين هاجموا الاقتصاد والسياسات المالية لإدارة بايدن لكنهم لم يقدموا في المقابل أي بديل للناخب الأميركي، يقنعهم أن هناك تغييرًا في السياسات الاقتصادية ستؤدي إلى تحسن الوضع.
ميزان الناخبين الأميركيين
من جانبه، يرى ريتشارد تشاسدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، أن هذه الانتخابات طغت عليها الأمور المعقدة على تفكير الناخبين الأميركيين، وليس فقط مسألة الاقتصاد وهو ما رجّح كفة الميزان للحزب الديمقراطي.
وأولها تهديد مفهوم الديمقراطية الذي عرفته الولايات المتحدة، والقرار الأخير المتعلق بالإجهاض، فقد كانت عدة ملفات أساسية بالنسبة للمقترعين إلى جانب الاقتصاد وما يشمله من تضخم وارتفاع الأسعار.
ويردف من واشنطن: "هناك مسائل أخرى مرتبطة بالأمن الوطني وتقليل الإنفاق في برنامج الرعاية الصحية التي كانت مهددة في بعض الولايات.. كانت البلاد على مفترق طرق بين أجندة الجمهوريين التي يركزون فيها على الإنفاق المفرط من إدارة بادين وأجندة الحزب الديمقراطي المرتكزة على حماية حقوق النساء والشعب".
بديل الحزب الديمقراطي
بدوره، يوافق الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أسامة أبو ارشيد، على الطرح الذي يقول إن الناخبين كانت لديهم مخاوف من سياسات الحزب الجمهوري في ظل أزمة التضخم غير المسبوقة في الولايات المتحدة منذ 40 عامًا.
ويشرح أو ارشيد لـ"العربي" أن ترمب ليس فقط جذرًا للمشكلة داخل الحزب الجمهوري، بل الحقيقة هي أنه أيضًا يمثل تطلعات وسياسات الحزب منذ عام 2015، التي انعكست من خلال حربه على الهجرة غير الشرعية واستهداف الأقليات وقوانين الانتخابات.
ويكمل: "ما أدى إلى خسارة الجمهوريين هو أنه ينظر إليهم على أنهم متواطئون مع ترمب، رغم حديث البعض منهم على أن الرئيس السابق هو سبب الهزيمة اليوم".
بالتالي، عندما ذهب الناخب الأميركي للاقتراع كان يرى أن الحزب الجمهوري لا يمثل البديل للحزب الديمقراطي، وهو أيضًا ليس الحل للأزمات في البلاد، على حد قول الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.