الأحد 13 أكتوبر / October 2024

الانقلابات في إفريقيا.. بين شهية الجيوش للسلطة وصراع النفوذ الدولي

الانقلابات في إفريقيا.. بين شهية الجيوش للسلطة وصراع النفوذ الدولي

شارك القصة

تأتي الانقلابات العسكرية في إفريقيا في ظل صراع متزايد على النفوذ في المنطقة بين قوى دولية عدة - غيتي
تأتي الانقلابات العسكرية في إفريقيا في ظل صراع متزايد على النفوذ في المنطقة بين قوى دولية عدة - غيتي
عادت الانقلابات العسكرية لتصنع الحدث في عدد من البلدان الإفريقية وكانت بوركينا فاسو البلد الرابع في الغرب الإفريقي الذي يشهد انقلابًا عسكريًا في غضون عامين فقط.

بعد سنوات من شبه استقرار سياسي ومحاولات حثيثة في أكثر من بلد إفريقي لتكريس التداول السلمي على السلطة، عادت الانقلابات العسكرية من جديد لتصنع الحدث السياسي في عدد من البلدان.

نجحت محاولات وأخفقت أخرى، فيما يأتي عدم الاستقرار السياسي هذا في أوج أزمة اقتصادية وصحية وأمنية متفاقمة تعيشها بعض البلدان الإفريقية.

وتأتي هذه الانقلابات في ظل صراع متزايد على النفوذ في المنطقة بين قوى دولية عدة في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا. 

سبحة الانقلابات

بهدوء حذر يبدأ المشهد الانقلابي في الدول الإفريقية عادة، ثم يدوي الرصاص بغتة ويخرج العسكر من الثكنات، ويجر الانقلاب الآخر.

أوشك ضباط في غينيا على إزاحة الرئيس الناجي من رصاص حاصره لساعات، وكادوا أن يعلنوا بيانهم الأول، لكن محاولتهم تعثّرت. لكن في الجوار القريب، في بوركينا فاسو انتزع العسكر السلطة وأصبحوا من يتصدر الشاشة، ليخطبوا في شأن السياسة. 

ولم يكن ذاك الشرخ الأول في أنظمة سياسية بدأت تتلمس طريقها نحو الديمقراطية وتنزع ماضي الاستبداد. فقد كانت بوركينا فاسو البلد الرابع في الغرب الإفريقي وفي عامين فقط، من يأبى فيه الجنود التراجع أمام إرادة الناس، بل اختاروا الدوس على محاولة أخرى لتوطين الديمقراطية. 

ففي الجغرافية الإفريقية الممتدة، لا تفصل الحدود الدول فقط، بل تجاربها في السعي نحو الديمقراطية أيضًا، ففي غامبيا يتدافع المتنافسون على السلطة بقوة الوعود الانتخابية لا بالسلاح.

وقبل أشهر في مالي، توارى الرئيس باناداو خلف القضبان وقبض مجلس عسكري على السلطة لكن في بلاد هشة لا يملك الناس قوت معيشتهم وأمان يومهم، ويقبض الفساد على الاقتصاد والجماعات المسلحة على أمن الحدود.

ويلوح العلم الروسي في غينيا بيساو منطقة النفوذ الغربي ليبدو أنه في هذه الرقعة من العالم أيضًا يتدافع الغرب مع الروس في صراع على نماذج الحكم بين ديمقراطية مدنية واستبداد عسكري.

كوفيد وقوة الجيش

في هذا السياق، اعتبر الباحث في الشأن الإفريقي إسماعيل يعقوب الشيخ سيدنا أن جائحة كوفيد ساهمت في توسيع الهوة بين الحاكم والمحكوم وجعلت من القوة العمومية ترسانة ذات حدين.

وقال في حديث إلى "العربي" من نواكشوط: "الدولة التي أصبحت تحظر التجوال بين عشية وضحاها جعلت من الجيش يمتص القوة في السنتين الماضيتين ناهيك عن هشاشة الديمقراطية وإغفال الجانب الأمني". 

واعتبر أن لكل انقلاب حكاية، فانقلاب تشاد جاء بعد وفاة الرئيس، لكن الانقلابات الأخرى جاءت بعد موت الديمقراطية، بحسب يعقوب الشيخ سيدنا.

وحول محاولة الانقلاب الفاشلة في غينيا بيساو، اعتبر الباحث في الشأن الإفريقي أنها وقعت بسبب تململ في الجيش وسوء انتخاب الرئيس.  

واستبعد أن تنجح مبادرة الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا التي تلغي عضوية الدول فور حدوث انقلاب فيها. وقال: "هي كلاسيكية وتخضع لمواثيق تقليدية وروتينية وبيروقراطية وتفتقد لمعيار الاستباق"، مستشهدًا بتجربة غينيا كوناكري.

ضعف الدساتير

من جهته، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة غوستاف إيفل، دود سيدباي، أن الأمر لا يتعلق بإخفاق المدنيين في السلطة، ولكن الفشل في بناء دساتير قوية.

وقال في حديث إلى "العربي" من باريس: "إن السمة المشتركة بين هذه البلدان هي ضعف الدساتير".

وبحسب سيدباي فإن المدنيين غير قادين على تلبية متطلبات البلاد الحياتية ومعالجة مشاكلها، فجميع هذه المشاكل تسبب حالة من الاضطراب وتصب في المشكلة الأساسية. 

كما استبعد سيدباي وجود دور للتنافس الدولي في عودة الانقلابات في إفريقيا، معتبرًا أن هذه المشاكل داخلية في المقام الأول بالرغم من دور منافسة الدول الكبرى في جعل الأزمات أكثر سوءًا.

وقال: "فرنسا حاولت مساعدة مالي لكنها لم تستطع حل مشاكلها". واعتبر أن المسألة لا تقتصر على التهديدات الإرهابية. 

ما علاقة تهديدات الجماعات المسلحة؟

بدوره، رفض الصحافي والباحث السياسي البشير تيرنو "ربط الانقلابات في غرب إفريقيا بالهجمات الإرهابية".

وقال، في حديث إلى "العربي" من داكار: "إن الجيوش الإفريقية لديها عقلية لا تحترم مطالب الشعوب التي لا تريد انقلابًا". واعتبر أن للشعوب مطالب واحتياجات في ظل الأزمات الاقتصادية، لكنها لا يمكن أن تكون مبررًا للانقلاب.   

ورأى انطلاقًا من تجارب عدد من الدول مثل مالي وغينيا بيساو، أن الجيوش غير قادرة على تقديم حلول. 

وأشار تيرنو إلى هشاشة المؤسسات والدساتير. لكنه لفت إلى تجربة السنغال المميزة، التي لم تشهد أي انقلاب منذ استقلالها، ودورها الفعال في تقديم القيادة النموذجية للدول الإفريقية.

كذلك اعتبر تيرنو أن التنافس الدولي لبسط السلطة في غرب إفريقيا ليس السبب الأساسي للانقلابات.   


تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close