تقف ملفات عديدة وتحديات مختلفة أمام البابا ليو الرابع عشر من الخلاف حول مكانة المرأة في الكنيسة والمتاعب المالية للفاتيكان وفضيحة استغلال رجال دين لأطفال.
وبعد وفاة البابا فرنسيس، قال خليفته روبرت فرنسيس بريفوست، وكان حينها كاردينالًا: "ما زال هناك عمل كثير يتعيّن القيام به" داخل الكنيسة.
وتابع: "لا يمكننا التوقف، لا يمكننا التراجع".
ويأتي ملف توحيد كنيسة منقسمة عبر إرساء مصالحة بين الجناحين المحافظ والليبرالي واحدة من المهام الرئيسية أمام البابا الجديد.
وتشكّل سرعة اختياره، خلال 24 ساعة، مؤشرًا جيدًا يدل على وجود دعم واسع النطاق من مجمع الكرادلة. لكن سيتعين عليه إيجاد توازن في ما يتّصل بإرث البابا فرنسيس.
وخلال حبريته التي امتدت لـ12 سنة، غالبًا ما أثار البابا الراحل حفيظة التقليديين، لا سيما في الولايات المتحدة وإفريقيا، بجهوده لجعل الكنيسة الكاثوليكية أكثر انفتاحًا.
وستكون قضية "السينودسية"، أي مشاركة الجهات الفاعلة في الكنيسة على كل المستويات في قرارات الفاتيكان، محورية أيضًا.
"مكافحة الاستغلال الجنسي"
وكان البابا فرنسيس قد أدخل تدابير لمكافحة الاستغلال الجنسي، خصوصًا فتح أرشيف الفاتيكان أمام المحاكم العادية وجعل إبلاغ سلطات الكنيسة بحصول انتهاكات إلزاميًا. لكن جمعيات داعمة للضحايا تقول إن ما فعله غير كافٍ. بذلك، تبقى القضية تشكل تحديًا كبيرًا للكنيسة حيث لا مؤشرات تدل على انحسارها.
ولن يكون سهلًا إيجاد حل لهذا الملف. ولا يزال الموضوع يعد من المحرمات في كثير من البلدان الإفريقية والآسيوية. وحتى في أوروبا، لم تفتح إيطاليا بعد تحقيقًا مستقلًا في مزاعم الانتهاكات.
وإضافة إلى كونه رأس الكنيسة الكاثوليكية البالغ عدد أتباعها 1,4 مليار نسمة حول العالم، يرأس البابا دولة الفاتيكان.
ومواقفه وآراؤه لها وقعها في عالم يشهد نزاعات كثيرة، من أوكرانيا إلى غزة والسودان. لكن آراء البابا لها عواقب، إذ أثار البابا فرنسيس أحيانًا حفيظة إسرائيل وأوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة بتعليقاته حول النزاعات والمهاجرين.
وستكون العلاقات بين الفاتيكان وواشنطن خصوصًا تحت المجهر، إذ يشير مراقبون إلى أن انتخاب ليو الرابع عشر هو مؤشر يدل على أن الكنيسة تنأى بنفسها عن القومية المسيحية المتنامية في الولايات المتحدة.
كما أن صعود الشعبوية وتطوّر الذكاء الاصطناعي وحال الطوارئ المناخية، تتطلّب كلها اهتمام الحبر الأعظم، وكذلك الهجرة. وتبرز العلاقات الحساسة مع الصين، ليس أقلها القضية الشائكة المتمثّلة في تعيين أساقفة كاثوليك في البلاد.
مكانة المرأة في الكنيسة
وما زالت قضية مكانة المرأة في الكنيسة تثير الجدل. فتعيين البابا راهبة لقيادة إحدى الدوائر الرئيسية في الفاتيكان، شكّل سابقة.
لكن في اجتماع أخير حول مستقبل الكنيسة عقد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، تبدّدت الآمال في ما يتّصل بإمكان تعيين نساء شمامسة، وهي وظيفة تعد خطوة على طريق الكهنوت.
وعزّز فرنسيس دور العلمانيين في الكنيسة، في تدبير عارضه أيضًا جناح التقليديين، في حين اعتبره الإصلاحيون غير كافٍ.
ويرث ليو الرابع عشر كنيسة تسجل نموًا في نصف الكرة الجنوبي ولكنها آخذة في الانحسار في أوروبا.
وكذلك تسجّل أعداد الكهنة تراجعًا، وإن ببطء. فبين عامي 2022 و2023، تراجع عددهم حول العالم بنسبة 0,2% إلى 406 آلاف و996 كاهنًا، على الرغم من زيادة طفيفة في إفريقيا وآسيا.
وتتباين نسب ارتياد الكنيسة بين منطقة وأخرى، إلا أن صعود الكنائس الإنجيلية، خصوصًا في إفريقيا، يخلق منافسة شديدة.
وأجرى البابا فرنسيس إصلاحًا لمنظومة إدارة الشؤون المالية في الفاتيكان بعد فضائح طالتها، لكن ما زال هناك عمل كثير يتعين القيام به، وقد تم إطلاع الكرادلة على الوضع قبل الكونكلاف (المجمع الانتخابي).
ويواجه الكرسي الرسولي عجزًا مزمنًا في الميزانية، مع انخفاض في التبرعات. وقد أعلن الفاتيكان أن العجز السنوي للعام 2023 ناهز 70 مليون يورو، فيما بلغت الإيرادات 1,2 مليار يورو (1,35 مليار دولار).
وكسر البابا فرنسيس قواعد كان أسلافه يتّبعونها، إذ تجنّب الشقق البابوية وقرر الإقامة في غرف في "بيت القديسة مارتا"، وهو بناء بمثابة نزل وبيت ضيافة للشخصيات التي تزور الكرسي الرسولي.
وكان الراحل يجري مكالماته بنفسه، ويردّ بنفسه على الرسائل الموجهة إليه. لكنه تعرّض لانتقادات بسبب نمط إداري اعتبره البعض استبداديًا، وكذلك بسبب ميله إلى التعبير عن آرائه، ما استدعى تدخل دبلوماسيين أحيانًا لتفسير تصريحاته العلنية.
وسيتعين على ليو الرابع عشر أن يبلور أسلوبه الخاص في التقرّب من المؤمنين دون محاولة تقليد سلفه، وأن يسلك مسارًا خاصًا به.