الأربعاء 24 أبريل / أبريل 2024

التجربة البورقيبية في تونس.. إصلاح وتحديث أم تغريب وقطيعة مع الماضي؟

التجربة البورقيبية في تونس.. إصلاح وتحديث أم تغريب وقطيعة مع الماضي؟

Changed

برنامج "قراءة ثانية" عبر "العربي" يسلط الضوء على التجربة البورقيبية في تونس من جوانبها كافة (الصورة: غيتي)
أراد بورقيبة في شبابه التحرر من المحتل الفرنسي من دون التحرر من أفكاره التي تتمثل في الحداثة والتقنية، وكانت هذه التفرقة شديدة الوضوح في خطاباته وممارساته منذ عودته من فرنسا.

تعددت الألقاب والأوصاف التي حازها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، بينها الزعيم، وصانع الأزمة.

ويعد بورقيبة أول رئيس جمهورية في تاريخ تونس الحديث وأحد أبرز المناضلين من أجل استقلالها وتحديثها.

ويصف الطاهر بلخوجة في كتابه "الحبيب بورقيبة سيرة زعيم" شخصية الرئيس الراحل التي أسهمت في صنع أسطورته، ويقول: "كان مولعًا بمقامه وهيبته ويعتبر نفسه ضمانًا لسلطة الدول ونفوذها في إطار النظام الذي أراده لبلاده".

وأراد بورقيبة في شبابه التحرر من المحتل الفرنسي من دون التحرر من أفكاره التي تتمثل في الحداثة والتقنية، وكانت هذه التفرقة شديدة الوضوح في خطابات بورقيبة وممارساته منذ عودته من فرنسا وحصوله على الإجازة في القانون من جامعة السوربون.

وفي الثامن من أبريل/ نيسان 1956 أي بعد أقل من شهر على استقلال تونس، وقف بورقيبة يخطب أمام المجلس التأسيسي محذرًا من التعصب، قائلًا: "لا يفوتنا أننا عرب وأننا متأصلون في الحضارة العربية والإسلامية، ومع ذلك لا يمكننا أن نغفل أننا نعيش في النصف الثاني من القرن العشرين وأننا حريصون على المشاركة في مسيرة الحضارة كي نواكب عصرنا".

وكان تحرير المرأة ركنًا أساسيًا في المشروع البورقيبي وهاجسًا من هواجسه الشخصية والاجتماعية.

وبعد 4 أشهر على الاستقلال وتحديدًا في 13 أغسطس/ آب 1956 وحينما كان بورقيبة رئيسًا للوزراء، تم إصدار مجلة الأحوال الشخصية وهي مؤلفة من مجموعة من القوانين التقدمية التي أنصفت المرأة وأعادت لها بعض حقوقها، ومنها منع إكراه الفتاة على الزواج من قبل الولي عليها، وتحديد سن الزواج للفتاة بحد أدنى بـ18 عامًا، وإقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره ومنع تعدد الزوجات، وغيرها من القوانين التي اعتبرها بورقيبة أعظم إنجازاته.

وقد أمر بأن يكتب على باب ضريحه: "المجاهد الأكبر، باني تونس الحديثة ومحرر المرأة"، ليساوي بذلك بين استقلال البلاد وتحرير المرأة.

وربما لأول مرة في تاريخ العرب الحديث، اختار بورقيبة الانفتاح على الغرب. وكان يرى في قوة الولايات المتحدة ونفوذها عنصر استقرار يحمي العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية، وكان حذرًا في التعامل مع الاتحاد السوفييتي وتنبأ مبكرًا بانهياره وابتعد عن المعسكر الشرقي.

وعلى صعيد السياسة العربية، لم يتحمس بورقيبة لجمال عبد الناصر ومشروعه، وساءت العلاقة بينهما منذ العام 1955 حين ساندت مصر الزعيم التونسي صالح بن يوسف الذي رفض الحكم الذاتي لتونس بينما توافق عليه بورقيبة بعد مفاوضات مع فرنسا.

وازدادت العلاقة تأزمًا بعد زيارة بورقيبة إلى فلسطين وخطابه الشهير في أريحا في مارس/ آذار 1965 والذي طالب فيه بقبول قرار الأمم المتحدة في 9 نوفمبر 1949 القاضي بتقسيم فلسطين، وتابع في تصريحات أخرى في لبنان تشجع على سياسة التفاوض خطوة بخطوة وترفض سياسة كل شيء أو لا شيء.

وقد تسبب هذا الأمر بحملة إعلامية ضده انتهت بإحراق الجماهير المصرية لمقر السفارة التونسية في القاهرة.

"أثر كبير في التاريخ السياسي المعاصر لتونس"

أستاذ علم الاجتماع ووزير التربية التونسي الأسبق سالم لبيض يلفت إلى أن التونسيين كانوا ينتظرون بعد نهاية حكم زين العابدين بن علي عام 2011، أن يتم الإفراج عن أرشيف التجرية البورقيبية، إلا أن عودة الباجي قائد السبسي للسلطة حالت دون فتح ودراسة هذه التجرية علميًا بعيدًا عن التموضع السياسي.

ويشدد في حديث إلى "العربي" من باريس على أن الوثائق في التجربة البورقيبية لها دور كبير في كشف الأمور بعيدًا عن السجالات الإيديولوجية من أجل الوصول إلى قراءة موضوعية لهذه التجرية.

ويشير إلى أن هذه التجرية تستحق أن تتم قراءتها بطريقة موضوعية على اعتبار أن بورقيبة كان له أثر كبير جدًا في التاريخ السياسي المعاصر لتونس وللمغرب العربي، لافتًا إلى أنه كان من أصحاب التأثير المباشر في السياسات الوطنية والإقليمية وحتى الدولية.

ويقول إن "بورقيبة خريج المدرسة الصادقية وواصل تعليمه في فرنسا حيث حصل على إجازة في الحقوق، وكان يحضر اجتماعات الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ الفرنسي، كما كان يحضر بعض الدروس في الجامعات الفرنسية حول علم النفس، وتزوج من فرنسية، وكانت له ثقافة مزدوجة، ورجل براغماتي بامتياز، شرقي وغربي في آن واحد".

ويضيف أن "بورقيبة كان له نفس إصلاحي على مستوى قضايا المرأة والأحوال الشخصية والتعليم والصحة، إلا أن تلك التوجهات أفسدت التجربة السياسية التي انتهت به إلى رجل مستبد يحتكر السلطة".

"مستبد عادل"

الباحث والأكاديمي والمؤرخ التونسي لطفي عيسى يرى أن بورقيبة كان كغيره من زعماء العالم في مراحل تصفية الاستعمار.

ويقول في حديث إلى "العربي": "بورقيبة في تعريفي هو مستبد عادل أراد أن يطبق مشروعًا لحداثة ذاتية تونسية ولكن بمسار إجباري".

ويلفت إلى أن بورقيبة كان أحد معلمي الجمهورية الأولى في تونس، حيث حاول تنوير المجتمع وتحديثه من خلال وضع المسار الإجباري للجميع.

ويشدد على خصوصية تجربة بورقيبة، لافتًا إلى أنه لا يمكن وضع هذه التجربة في إطار واحد مع التجارب الأخرى التي عاصرته.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close