الإثنين 25 مارس / مارس 2024

الدواء المزيف يهدد حياة المصريين.. "العربي" يكشف خبايا التجارة الرائجة

الدواء المزيف يهدد حياة المصريين.. "العربي" يكشف خبايا التجارة الرائجة

Changed

حلقة من برنامج "عين المكان" تبحث في توسع تجارة الدواء المغشوش في مصر
تنتشر ظاهرة الأدوية المغشوشة في مصر منذ عقود بسبب تراخي منظومة الرقابة الدوائية فيما يدفع المواطنون حياتهم ثمنًا لذلك.

تتوالي تحذيرات الهيئة المصرية للدواء من انتشار العقاقير المغشوشة أو المقلدة أو منتهية الصلاحية.

ولا يوجد إحصاء رسمي حول انتشار تلك الظاهرة، لكن أرقامًا غير رسمية تشير إلى أن هذه الأدوية تمثل نحو 10% من السوق المصري.

تأتي هذه المحاولات للسيطرة على هذه الظاهرة بعد أشهر من معاناة السوق المصري من نقص قوي في الأدوية نتيجة الأزمة الاقتصادية.

وخلال هذه المحاولات للتعامل مع وجود انتشار تلكك الأدوية والمستحضرات العلاجية الفاسدة في السوق المصرية، تعددت حالات وفيات مواطنين إبان تناولهم إياها.

تراخي منظومة الرقابة الدوائية

في هذا السياق، يؤكد المحامي الناشط في قضايا الدواء هاني سميح أن "الأدوية المغشوشة منتشرة في مصر منذ عقود بسبب تراخي الأنظمة السابقة ومنظومة الرقابة الدوائية".

ويشير سميح في حديث إلى "العربي" ضمن برنامج "عين المكان"، أن "مافيا الدواء استغلت غلاء الأسعار وتحصلت على أرباح طائلة".

عددت حالات وفيات مواطنين إبان تناولهم أدوية مزيفة أو منتهية الصلاحية.
تعددت حالات وفيات مواطنين إبان تناولهم أدوية مزيفة أو منتهية الصلاحية

أمّا نقيب الصيادلة السابق محي الدين عبيد، فيؤكد أن "ظاهرة غش الدواء موجودة في العديد من دول العالم"، مرجحًا أنها "تمثل من 3% إلى 10% من السوق المصرية".

ويعتبر أن على المريض التوجه إلى صيدلية مرخصة ومصرح لها رسميًا وتخضع لرقابة وتفتيش هيئة الدواء بشكل دائم.

نقص في أعداد المفتشين

ويرى مدير المركز المصري لـ"الحق في الدواء" محمد فؤاد أنه "حصل فجوة معينة عند نقل رقابة الدواء من وزارة الصحة إلى هيئة الدواء حيث أن عددًا من المفتشين لم يلتحق بالهيئة،" مشيرًا إلى أن "الهيئة لا تبسط نفوذها في كافة المحافظات المصرية ما يتيح للفاسدين بالعمل بهدوء".

وتكشف أوراق لـ3 قضايا حصل فريق "العربي" على نسخ منها، ضبط أدوية مغشوشة ومهربة في 3 فروع لصيدليات "العزبي" الموجودة في القاهرة، حيث ضُبط نحو 216 صنفًا مهربًا ومجهول المصدر بدون فواتير شراء.

حصل "العربي" عن نسخ من أوراق لثلاث قضايا تكشف ضبط أدوية مغشوشة ومهربة في فروع إحدى سلاسل الصيدليات في القاهرة
حصل "العربي" على نسخ لقضايا تكشف عن ضبط أدوية مغشوشة ومهربة في فروع إحدى سلاسل الصيدليات في القاهرة

وتملك سلسلة العزبي نحو 80 فرعًا في أنحاء مصر كثاني أكبر سلسلة صيدليات في البلاد.

وخلال السنوات الـ5 الماضية، أصبحت سلاسل الصيدليات سمة بارزة في سوق الدواء المحلي، رغم مخالفتها لقانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955، الذي لا يمنح الترخيص بإنشاء صيدلية إلّا لصيدلي، الذي لا يجوز له أن يكون مالكًا لأكثر من صيدليتين.

محافظات الأطراف بعيدة عن الرقابة

وإذ يلفت نقيب الصيادلة السابق محي الدين عبيد إلى أن جميع الصيدليات تخضع لرقابة هيئة الدواء الصارمة، يشير المحامي الناشط في قضايا الدواء هاني سميح إلى أن الرقابة تتركز في منطقة القاهرة ولا تصل إلى منطقة الدلتا.

ويوضح فؤاد أن مصر تضم 88 ألف صيدلية بينها 15 ألفًا لا يتولّى صيادلة إدارتها بل أفراد يستخدمون اسمه مقابل مبلغ شهري.

ويعتبر أن هذه الصيدليات تشكل خطرًا على المواطن المصري وصحته وكذلك على الاقتصاد.

وقد حذّرت نقابة الصيادلة بشكل خاص من حقن "سيفتيرياكسون" المطروحة في الأسواق المصرية تحت 9 علامات تجارية، فيما أرجع أطباء وصيادلة مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي حالات الوفاة الأخيرة إلى وجود كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة.

ويروي طبيب أطفال لم يكشف عن اسمه حادثة حصلت أمامه في إحدى الصيدليات، حيث لاحظ أن هناك خطبًا ما في حقنة طلبها أحد المرضى، مشيرًا إلى أن مخازن الأدوية هي الأساس في بيع الدواء المغشوش.

حذّرت نقابة الصيادلة من حقن مطروحة في الأسواق المصرية تحت 9 علامات تجارية
حذّرت نقابة الصيادلة من حقن مطروحة في الأسواق المصرية تحت 9 علامات تجارية

لكن نقيب الصيادة السابق محي الدين عبيد يشير إلى أن الصيادلة يكشفون الأمر في الغالب، لافتًا إلى أن وزارة الصحة طلبت تقليل إعطاء الحقن في الصيدليات وحصرها في المستشفيات والمراكز الأخرى.

ويلفت فؤاد إلى أن المضادات الحيوية هي الأكثر مبيعًا في مصر وهي الأشهر بين الأدوية المغشوشة.

وفيات جراء الدواء المغشوش

ووصل فريق "العربي" إلى العديد من الحالات تضررت بعد تناول حقن "السيفتيرياكسون" رغم التحذير منها.

وتروي منى والدة الطفل كريم مدحت الذي توفي جراء حقنة مضاد حيوي مغشوشة أنها أدخلت طفلها إلى المستشفى حيث كان يعاني من التهاب رئوي فأعطي حقنة مضاد حيوي فأغمي عليه فورًا، ونقل إلى المستشفى وتوفي بعد ذلك.

وتلفت إلى أنها اتجهت للقضاء ورفعت قضية، لكنها اكتشفت أن حادثة الوفاة سُجّلت على أنها طبيعية.

أمّا أميرة، والدة الطفل معاد شلبي الذي كان يعاني من التهاب في الحلق، فتشير إلى أن الفترة بين تناول ولدها للحقنة وبدء ظهور أعراض غربية عليه لم تتعد الأربع دقائق.

فقد شعر ابنها بألم في الرأس وبدأ بالتقيؤ وظهر طفح جلدي على جسمه، فنقل إلى المستشفى حيث مكث في العناية المركزة لمدة 13 يومًا.

مظاهر انتشار الدواء المزيف

وتشير وثيقة حصل عليها فريق "العربي" إلى أن أدوية منتهية الصلاحية ظلّـت متداولة في الأسواق لمدة 9 أشهر، قبل أن اتخذ القرار بسحبها من قبل الغرفة المركزية للأدوية والمستحضرات الطبية التابعة لوزارة الصحة والسكان المصرية.

ينشط بيع الدواء المزيف على مواقع التواصل الاجتماعي
ينشط بيع الدواء المزيف على مواقع التواصل الاجتماعي

وتتعدد مظاهر انتشار الدواء المزيف في مصر بداية من الإعلانات التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الأدوية المنتهية الصلاحية التي ظهرت في أكثر من مرة في أسواق شعبية مثل سوق الجمعة.

ويشير نقيب الصيادلة السابق محي الدين عبيد إلى أن البعض يروج للدواء على المواقع الإلكترونية ويغري المتلقي بفعاليته، وهو في حقيقة الأمر غير آمن.

وقد لاحظ فريق "العربي" نشاط العديد من المجموعات على تطبيق التلغرام في هذا المجال، فحاول شراء أدوية بهذه الطريقة، إلى أن خطورة المكان المحدد للقاء البائعين حالت دون حصول اللقاء.

مافيا تستهدف الأطباء

ويشير فؤاد إلى وجود نحو 40 صفحة إلكترونية لبيع الدواء. ومن جهته، يقول المحامي هاني سميح: "إن مافيا الدواء أصبحت تستهدف الأطباء مباشرة وتعقد اتفاقات تحت الطاولة".

ووفقًا لتصريح صحافي أدلى به رئيس هيئة الدواء التابعة لوزارة الصحة، فإن عدد المفتشين الصحيين أصبح لا يتخطى 350 من أصل 2000 كانوا يعملون تحت مظلة إدارة الصيدلة في وزارة الصحة والسكان.

ويضيف سميح: "إن الأحكام الصادرة ضد مافيا الدواء أقل بكثير من الأحكام الصادرة بحق مافيا المخدرات رغم أنها تحقق أرباح خيالية من هذه الصناعة".

ويعتبر أنه يجب الضرب بيد من حديد لكبح هذه المافيا، لافتًا إلى أن بعض المحامين يستغلون الثغرات القانونية لتخفيف الأحكام الصادرة في قضايا الدواء المغشوش.

ويشير فؤاد إلى أن المشكلة ليست في مصانع الدواء المصرية إنما في الأدوية القادمة من مصادر مجهولة.

وتوفر العديد من القنوات غير الرسمية كالمخازن غير المرخصة وتجّار الشنطة أدوية بأسعار أقل من السوق، وهما مصدران رئيسيان تعتمد عليها الصيدليات التي ترغب في أرباح أكبر بغض النظر عن أثر ذلك على صحة المرضى.

في المحصلة، هي ظاهرة تتنامى في مصر طارقة أبواب المؤسسات المعنية كي تتخذ إجراءات حاسمة تقضي عليها من جذورها، حتى لا نسمع أخبارًا أكثر عن الوفيات بسبب دواء مزيف.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close