الإثنين 19 مايو / مايو 2025
Close

الدولار الأميركي.. كيف أصبح عملة التحوط العالمية؟

الدولار الأميركي.. كيف أصبح عملة التحوط العالمية؟ محدث 19 نيسان 2025

شارك القصة

استمر الدولار باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية بسبب العادات الراسخة في التمويل الدولي وقوة وحجم الاقتصاد الأميركي- غيتي
استمر الدولار باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية بسبب العادات الراسخة في التمويل الدولي وقوة وحجم الاقتصاد الأميركي- غيتي
الخط
نشأت هيمنة الدولار الأميركي في أعقاب الحرب العالمية الثانية وترسخت عبر عقود من التفوق الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة. 

تعدى الدولار الأميركي دورة وسيلة للتبادل التجاري منذ عقود مضت، ليتبوأ موقعًا فريدًا باعتباره "عملة تحوط عالمية"، إذ يتدفق المستثمرون والحكومات على الدولار بحثًا عن الأمان والاستقرار، في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي، مما يعزز قيمته ويعمق من نفوذه، لكن كيف أصبح الدولار عملة العالم من دون منازع؟

قبل الحرب العالمية الأولى، كانت العملات المعدنية المصنوعة من الذهب والفضة عملة العالم. وفي القرن التاسع عشر، تبنت العديد من الدول ما يعرف بـ معيار الذهب. وكانت قيمة العملة الوطنية مرتبطة بكمية محددة من الذهب بموجب هذا المعيار، وكانت البنوك المركزية تلتزم بتحويل العملة الورقية إلى ذهب عند الطلب. 

وكانت بريطانيا رائدة في تبني قانون العملة الذهبية لعام 1816. وقد أثار نجاح الجنيه الإسترليني المدعوم بالذهب في تسهيل التجارة والتمويل الدوليين إعجاب الدول الأخرى. 

سهّل معيار الذهب التجارة الدولية وأمّن استقرارًا نسبيًا في أسعار الصرف وكانت البنوك المركزية تلتزم بتحويل العملة الورقية إلى ذهب عند الطلب وكان ربط العملة بالذهب وسيلة لبناء الثقة في العملة الوطنية لدى التجار والمستثمرين المحليين والأجانب. وكانت أسعار الصرف ثابتة بين الدول التي تتبنى هذا المعيار.

تعليق معيار الذهب

أدت الحرب العالمية الأولى إلى تعليق معيار الذهب من قبل العديد من الدول لتمويل المجهود الحربي. وكانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة تقريبًا التي احتفظت بمعيار الذهب، وأصبحت لاعبًا رئيسيًا في السوق الأوروبية، حيث وفرت الغذاء والمواد الخام والمعدات العسكرية والذخيرة والسيارات وغيرها من السلع.

سهّل  معيار الذهب التجارة الدولية وامّن استقرارًا نسبيًا في أسعار العملات قبل الحر بالعالمية الأولى- غيتي
سهّل معيار الذهب التجارة الدولية وامّن استقرارًا نسبيًا في أسعار العملات قبل الحر بالعالمية الأولى- غيتي

وفي عام 1919، زادت صادرات الولايات المتحدة مقارنةً بمتوسط الفترة 1910-1913 بمقدار أربعة أضعاف. وكانت أميركا  تتقاضى ثمن الإمدادات التي تقدمها لأوروبا بالذهب؛ الأمر الذي ضاعف احتياطي الذهب الأميركي تقريبًا، وفقًا لورقة نشرها معهد الاقتصاد في جامعة نوفوسيبيرسك الروسية.

وقد بلغ صافي دين الولايات المتحدة تجاه الدول الأخرى 2.2 مليار دولار في منتصف عام 1914، لتصبح الولايات المتحدة دائنًا صافيًا في عام 1919، حيث تجاوزت مطالباتها تجاه الدول الأخرى التزاماتها بمقدار 6.4 مليار دولار، وفق مكتب الإحصاء الأميركي. وأصبح الدولار الأميركي عملةً قوية، وانتقل المركز المالي العالمي من لندن إلى نيويورك.

 وبين الحربين العالميتين، كانت هناك محاولات فاشلة لإعادة النظام المالي إلى ما كان عليه.

اتفاقية بريتون وودز 1944

رسّخت اتفاقية بريتون وودز  التي وُقّعت عام 1944 هيمنة الدولار. فمع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتمع ممثلو 44 دولة حليفة في بريتون وودز، نيو هامبشاير، لتصميم نظام نقدي دولي جديد.

اتفق المجتمعون على ربط عملاتهم بالدولار الأميركي، والذي كان بدوره مربوطًا بالذهب بسعر ثابت قدره 35 دولارًا للأونصة. جعل هذا النظام الدولار العملة المركزية للمعاملات الدولية والأصل الاحتياطي الرئيسي الذي تحتفظ به الدول الأخرى. كما أنشأت الاتفاقية صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي، مما عزز دور الدولار بشكل أكبر.

والعملة الاحتياطية هي عملة أجنبية يحتفظ بها البنك المركزي أو الخزانة كجزء من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية لبلده. تحتفظ الدول باحتياطيات لعدة أسباب، منها مواجهة الصدمات الاقتصادية، ودفع ثمن الواردات، وخدمة الديون، وضبط قيمة عملاتها. ولا تستطيع العديد من الدول الاقتراض أو دفع ثمن السلع الأجنبية بعملاتها المحلية - لأن جزءًا كبيرًا من التجارة الدولية لا يزال يتم بالدولار - ولذلك تحتاج إلى الاحتفاظ باحتياطيات لضمان استمرار وارداتها خلال الأزمات، ولضمان سداد الدائنين لديونهم بالعملة الأجنبية.

وبرزت الولايات المتحدة كأكبر وأقوى اقتصاد في العالم. قاعدتها الصناعية القوية، واحتياطياتها الكبيرة من الذهب، ونظامها السياسي المستقر نسبيًا، كلّها عوامل جعلت الدولار عملة موثوقة وجذابة للاحتفاظ بها.

عملة التجارة الدولية

مع نمو الاقتصاد الأميركي، ازداد انخراطه في التجارة الدولية. أصبح الدولار العملة المهيمنة في إصدار الفواتير وتسوية المعاملات الدولية، وخاصة بالنسبة للسلع الأساسية مثل النفط. أدى هذا الاستخدام الواسع النطاق إلى خلق طلب مستمر على الدولار على مستوى العالم.

رسّخت اتفاقية بريتون وودز هيمنة الدولار الأميركي- غيتي
رسّخت اتفاقية بريتون وودز هيمنة الدولار الأميركي- غيتي

وتتمتع الولايات المتحدة بأكبر وأكثر الأسواق المالية سيولة في العالم، وخاصة بالنسبة لسندات الخزانة الأميركية. توفر هذه الأسواق مكانًا آمنًا ومريحًا للدول الأخرى لتخزين احتياطياتها من الدولار. يعزز عمق وسيولة هذه الأسواق جاذبية الدولار كأصل احتياطي.

وبموجب نظام بريتون وودز، تعهدت الولايات المتحدة بتحويل الدولارات إلى ذهب عند الطلب للحكومات والبنوك المركزية الأجنبية وهو ما عزّز الثقة في الدولار. 

خلال سبعينيات القرن الماضي، تراجعت مكانة الدولار كعملة احتياطية إلى حد ما لصالح المارك الألماني والين الياباني، بحسب "ميسيز إنستيتوت". 

إنهاء ارتباط الدولار بالذهب 

تمتعت الولايات المتحدة بمزايا عديدة لكونها العملة الرسمية للعالم، إلا أن هناك دائمًا وجهًا آخر للعملة. فقد أدى الإنفاق بالعجز الذي استُخدم لتمويل حرب فيتنام إلى إغراق الولايات المتحدة للسوق بالعملة الورقية، مما أدى إلى انخفاض قيمة الدولار. ومع تزايد المخاوف بشأن استقرار الدولار، بدأت الدول الأجنبية تطالب الحكومة الأميركية بتحويل احتياطياتها من الدولار إلى ذهب.

ومع ذلك، بدلًا من السماح للمستثمرين باستنزاف جميع احتياطياتهم الذهبية من فورت نوكس (مستودع السبائك الأميركي)، اتخذ الرئيس نيكسون القرار النهائي بفك ارتباط الدولار الأميركي بالذهب في نهاية عام 1971 في قرار أنهى اتفاقية بريتون وودز. 

أدى هذا القرار إلى أسعار الصرف العائمة (أو أسعار الصرف المتقلبة) الموجودة اليوم، حيث يُحدد سوق الفوركس سعر عملة الدولة بناءً على العرض والطلب مقارنةً بالعملات الأخرى. 

كما أدّى ذلك إلى عواقب وخيمة في الولايات المتحدة، مثل الركود التضخمي الذي يجمع ارتفاع التضخم والبطالة، وارتفاع أسعار النفط. 

واستمر الدولار باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية بسبب العادات الراسخة في التمويل الدولي، وقوة وحجم الاقتصاد الأميركي، وعمق أسواقه المالية. وعلى الرغم من وجود مناقشات وبعض التحركات نحو التنويع، لا يزال الدولار الأميركي هو العملة المهيمنة التي تحتفظ بها البنوك المركزية وتستخدم في التجارة والتمويل الدوليين.

رياح بوجه الدولار

في عام 2007، صرّح آلان جرينسبان، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بأن اليورو قد يحل محل الدولار كعملة عالمية. ففي نهاية عام 2006، كان 25% من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية باليورو، مقارنةً بـ 66% بالدولار. بالإضافة إلى ذلك، كانت 39% من المعاملات العابرة للحدود باليورو مقارنةً بـ43% بالدولار، بحسب موقع "ذا بالنس". 

لكنّ فرصة تحول اليورو إلى عملة عالمية تراجعت بسبب أزمة منطقة اليورو التي استمرت من عام 2009 إلى عام 2012، إذ كشفت الأزمة عن الصعوبات التي يواجهها الاتحاد النقدي الذي تسترشد به كيانات سياسية منفصلة.

وفي محاولة لإقصاء الدولار، دعت الصين وروسيا إلى إصدار عملة عالمية جديدة مرنة ومستقلة خلال قمة مجموعة الثماني في مارس/آذار 2009. دعت الصين وروسيا صندوق النقد الدولي إلى تطوير عملة تحل محل الدولار، لكن طلبهما قوبل بالرفض الفوري.

أصبح اليوان الصيني عملة احتياطية عالمية أخرى في الربع الأخير من عام 2016- غيتي
أصبح اليوان الصيني عملة احتياطية عالمية أخرى في الربع الأخير من عام 2016- غيتي

في الربع الأخير من عام 2016، أصبح اليوان الصيني عملة احتياطية عالمية أخرى. ونظرًا لاختلاف الأيديولوجيات السياسية والأهداف الطموحة، دأبت الصين على تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي بشكل مضطرد. وقد قامت كل من الصين وروسيا مؤخرًا بتخزين الذهب للحد من هيمنة الدولار الأميركي تدريجيًا وإضعافه تدريجيًا.

تحديات تواجه العملة الخضراء

وكشفت جائحة كوفيد 19 عن عيوب العملة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة. قبل الجائحة، كان من المريح للغاية أن تُقوّم أجزاء كبيرة من العالم معاملاتها بالدولار الأميركي، نظرًا لكون الدولار هو العملة الأكثر تداولًا في العالم.

ولكن في أوقات الأزمات، كالجائحة، قد يُشكّل هذا الاعتماد المفرط مشكلةً نظرًا لقلة الدولارات المتاحة.

وفي ظل التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، يواجه الدولار تحديات متزايدة أبرزها صعود الاقتصاد الصيني وعملته اليوان وتزايد الدين الحكومي الأميركي وتصاعد المخاوف بشأن الاستدامة المالية.

كما تدفع التوترات الجيوسياسية المتزايدة بعض الدول لإيجاد بدائل للدولار وبالتالي تقليل اعتمادها على النظام المالي الأميركي وحماية نفسها من العقوبات الأميركية. وعلى المدى البعيد، قد تصبح العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية والعملات المشفرة الخاصة بدائل جديدة للنظام المالي القائم على الدولار.

لذا سيعتمد مستقبل هيمنة الدولار على قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على قوة اقتصادها وإدارة ديونها والتكيف مع التغيرات الجيوسياسية والتطورات التكنولوجية العالمية. 

تابع القراءة

المصادر

موقع التلفزيون العربي / ترجمات