التقطت عدسات الصحافيين صورة نادرة في قمة العشرين 2019 للرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يصافح نظيره الصيني شي جين بينغ.
وكانت الابتسامة حاضرة في الاجتماع والعيون باردة، لكن ما إن انتهت تلك القمة، حتى بدأت إدارة ترمب بسلسلة من القرارات المفاجئة، منها فرض رسوم جمركية مرتفعة على مئات السلع الصينية، من الفولاذ إلى الإلكترونيات، تحت شعار "أميركا أولًا".
ولم تتأخر الصين بدورها عن الرد، ففرضت رسومًا على السلع الزراعية الأميركية، وألمحت إلى استخدام سلاحها الأشد، ممثلًا في سلاسل التوريد التقنية التي تغذي العالم.
وفي خضم المعركة، كانت الصين تعيد تدوير الضربات. فرغم القيود الأميركية على شركات مثل هواوي وSMIC، استطاعت الصين تقليد وتصنيع مكونات تكنولوجية متقدمة بأسعار زهيدة وبتقنيات شبه مطابقة. حتى في أشد التقنيات تعقيدًا كالذكاء الاصطناعي التوليدي.
وبات واضحًا أن السيطرة على التكنولوجيا، لم تعد امتيازًا أميركيًا مطلقًا. ففي الوقت الذي فرضت فيه واشنطن حظرًا على رقائق معينة، كانت بكين تفتتح مصانع جديدة لتصنيع البدائل.
"سؤال تعارض المصالح"
ولم يدم الذهول من الحرب طويلًا، فبدأت التحليلات تظهر، قطاعات أميركية بأكملها تضررت، المزارعون احتجوا، الأسواق تأرجحت. لكن المدهش أن ترمب وبعض المستثمرين المقربين منه، وفق تقارير صحفية وتحليلات اقتصادية، حققوا أرباحًا طائلة من التقلبات الناتجة عن الحرب.
ومع تجدد هذه الحرب الجمركية بعد عودة ترمب وفريقه إلى البيت الأبيض برزت فرضية غير مؤكدة لكنها مغرية، هل استخدم ترمب سلاح التعريفات الجمركية لتحقيق مكاسب خفية له وللمقربين منه؟
يقول مراقبون إن بعض الشركات التي استفادت من رفع الرسوم كانت ضمن دوائر المال الجمهوري، وإن توقيت رفع وخفض التعرفات بدا "مدروسًا" للاستثمار في موجات السوق.
وكانت الأسواق العالمية قد عاشت خلال الآونة الأخيرة أسوأ أيامها بعد دخول الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أكثر من ستين دولة حيز التنفيذ.
مساحة لإثارة الشبهات
وأثناء الانهيار كتب ترمب منشورًا غريبًا على منصة "تروث سوشيال"، قال فيه: "إنه أفضل وقت للشراء"، وألحق هذه الجملة بالرمز "DJT".
ويشير هذا الرمز إلى مجموعة "Trump Media & Technology Group" الشركة الأم لتروث سوشيال التي يمتلك فيها ترمب حصة بـ53%.
وبعد ساعات قليلة من هذا المنشور، أعلن ترمب عن تعليق الرسوم الجمركية على دول عديدة لمدة 90 يومًا باستثناء الصين التي رفع الرسوم الجمركية عليها إلى 125%.
بعدها وبشكل فوري صعدت أسهم شركة "ترمب ميديا" بنسبة قريبة من 23%، وحققت مكاسب كبيرة بعد هذا الإعلان، أي أن ترمب ربح أكثر من 400 مليون دولار في أربع ساعات.
وهنا يظهر سؤال: هل نظرية تلاعب ترمب بالأسواق قابلة للتصديق؟ جزئيًا نعم، فهناك نقاط تعزز هذه التحليلات، مثل أن ترمب يمتلك شبكة علاقات قوية مع رجال أعمال وشركات أميركية وعالمية.
والتأثير الحقيقي والكبير لتغريداته وقراراته على الأسواق، والأهم بعض التحركات في الأسواق بدت متوقعة من قبل مستثمرين كبار، ما أثار الشبهات.
وفي هذا السياق، جادل الإعلام المقرب من الحزب الجمهوري بأنه لا يوجد دليل مباشر على أن ترمب أو المقربين منه استغلوا ذلك لتحقيق مكاسب شخصية من حركة صعود وهبوط الأسواق. ويهاجم هذه النظريات بالقول إن رفع التعرفات الجمركية جاء نتيجة مفاوضات معقدة، والقرارات خضعت لرقابة الكونغرس والصحافة، ومن الصعب التلاعب بها بسرية تامة.
لكن يبدو أن ترمب نفسه ليست لديه إشكالات بالمبالغ التي يحققها زملاؤه في نادي المليارات، بعد أن نشرت المساعدة الخاصة للرئيس ترمب Margo Martin مقطع فيديو يظهر به الأخير، يتفاخر بأرباح أصدقائه الأغنياء جراء سياسة التعريفات الجمركية التي أطلقها قائلًا: "هذا هو تشارلز شواب، وقد حقق مليارين ونصف المليار دولار اليوم، ليس كشركة، بل كفرد".
"تضارب مصالح وتلاعب بالسوق"
هذا وقد ناقش رواد المنصات بشكل واسع أرباح ترمب وأصدقائه من أصحاب المليارات، معتبرين أنه في بيئة رأسمالية مثل الولايات المتحدة، من المنطقي طرح أسئلة عن تضارب المصالح.
وكتب كليمنت روي متسائلًا: "يقول ترمب بصوت عال في مكتبه بالبيت الأبيض إن اثنين من أصدقائه ربحا مبالغ طائلة خلال انهيار السوق، وهذا يضحك الحركة السياسية التي صنعت نجاحات ترمب. هل ستحققون في ذلك؟! هذا تلاعب واضح بالسوق".
بدوره، كتب الخبير في العملات المشفرة فايدن: "يا له من تلاعب بالرسوم الجمركية! مليارديرات جدد صنعهم ترامب!".
في حين كتب ريتشي هوفمان: "هل تستطيعون تخيل مقدار الأموال التي كسبها كل هؤلاء المقربون من ترمب إذا علموا فقط بقرار تجميد التعريفات الجمركية قبل أن يتم الإعلان عنه!".
أمّا جين كلابر فكتبت "أميركا تحولت إلى مجرد مزحة كبيرة للرئيس. مليارديرات يجنون الملايين والمليارات. ثم يضحكون في جلساتهم الداخلية".