شهد العالم فاجعة إنسانية مثلتها سلسلة الزلازل التي ضربت فجر اليوم الإثنين مناطق في وسط وجنوب تركيا، إضافة إلى الشمال السوري. وقد شعر بها سكان لبنان وقبرص والأردن والعراق ومصر.
وأدى الزلزال لمقتل المئات في تركيا وسوريا، فضلًا عن إصابة الآلاف، مع استمرار الارتفاع في أعداد الضحايا نظرًا لاستمرار عمليات الإنقاذ، ووجود أعداد كبيرة من الضحايا تحت الأنقاض من بينهم أسر بأكملها.
وأعلنت السلطات التركية حالة الاستنفار العام في المناطق المنكوبة، ورفعت حالة الإنذار إلى المستوى الرابع الذي يشمل طلب المساعدة الدولية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إن "45 دولة عرضت المساعدة في جهود البحث والإنقاذ، في خضم كارثة هي الأسوأ في البلد منذ عام 1939"، وفق تصريحاته.
غير أن حجم المأساة الإنسانية زادته حدة حالة الطقس، الذي تسوده ثلوج وعواصف، لا سيما في المناطق التي ضربها الزلزال شمالي سوريا، والواقعة تحت سيطرة المعارضة، حيث لا تتوفر سوى وسائل بدائية لعمليات الإنقاذ والإغاثة، وبالكاد يجد سكانها - ومعظمهم من النازحين - قوت يومهم.
ويناضل سكان هذه المناطق من أجل الحصول على ما تيسر من وسائل التدفئة البدائية، فكيف حالهم الآن وقد اجتمعت عليهم مآسي النزوح والحروب والثلوج والزلازل.
وأفاد خبراء في الجيولوجيا ومختصون بأن قوة الزلزال كانت الأشد منذ عام 1939 من القرن الماضي، حيث هز زلزال شمال شرقي تركيا.
هذا التصنيف لم يوضع قياسًا بعدد الضحايا، إنما باعتبار زلزال اليوم واحدًا من أكبر الزلازل التي حدثت في منطقة سكنية.
وكان الباحث في معهد مسح هندسة النظام الشمسي في هولندا فرانك هوغربيتس، قد توقع في تغريدة قبل 3 أيام وقوع الزلزال بقوة 7.5 درجات على مقياس رختر.
وحذر من زلزال آخر في النصف الثاني من العام الحالي، داعيًا إلى الحذر بين شهرَي أغسطس/ آب ونوفمبر/ تشرين الثاني.
وقالت هيئة المسح الجيولوجية الأميركية إن الزلزال الذي حصل يمتلك طاقة تعادل 32 قنبلة ذرية، مقارنة بقنابل هيروشيما.
"تسونامي زلازلي"
وفي هذا الإطار، يصف رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب خالد الشوابكة الزلزال بأنه كارثة حقيقية طبيعية مدمرة، موضحًا أنه عبارة عن سلسلة زلازل وليس واحدًا حصلت بشكل متتالٍ، حيث حصل الأول في مدينة غازي عنتاب والذي كان الأقوى والأشد، وبعده بدأت زلازل أخرى تحدث في ولايات تركية.
ويضيف في حديث لـ"العربي" من العاصمة الأردنية عمان، أن قوة الزلازل كانت قوية جدًا وهي ليست ارتدادات زلزالية كما يقول البعض، بل هي زلزال رئيسي كان نشطًا وذا قوى تدميرية جدًا.
برأيه، أدى الزلزال المشار إليه، إلى تحريك بعض مناطق البؤر الساخنة التي تقع على حزام الأناضول الزلزالي، مما أدى إلى تحريك الصفائح، وأسفر عن تتابع عمليات الزلازل في مناطق وبؤر أخرى ما أدى إلى زلازل أخرى.
ويشرح الشوابكة أن ما حدث اليوم بالنسبة لعلم الجيولوجيا هو "تسونامي زلزالي" في شرق المتوسط، لأنه حصل في سوريا وتركيا، كما سجلت بعض الزلازل في قبرص.
ويتوقع رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب أن تتكرر الزلازل، مشيرًا إلى هزات ارتدادية سوف تتبع ذلك وسيصل عددها إلى 200.
وفيما يذكر أن ما حدث اليوم هو التقاء الصفيحة العربية بالتركية مما أدى إلى الزلزال، يلفت إلى أن توابعه قد تستمر شهرًا حتى تفرغ الطاقة الكامنة في الصخور.
ويفيد الشوابكة بأن الخطر يكمن في استمرار الموجات الزلزالية "الهزات الارتدادية" في أكثر من مكان، وانهيار بعض المباني نتيجة الهزات، وقد تطول لفترة أكثر من المتوقع خاصة وأن شدة الزلزال قوية جدًا.
ما هي أسباب انهيار المباني؟
من جانبه، يتحدث المهندس المعماري المختص في تصميم المدن مصباح رجب عن إجراءات تأخذ بعين الاعتبار الزلازل، مشيرًا إلى أن الحسابات وفقًا لعلم الهندسة تدخل ضمن الإنشاءات من خلال تدعيم المباني لكي تكون لينة عند حدوث الزلزال، تجنبًا لانهيارها أو تصدعها.
ويضيف في حديث لـ"العربي" من العاصمة اللبنانية بيروت، أن المباني التي تأخذ بعين الاعتبار حدوث الزلازل، من المفترض أن تقاومها إلى حد ما، حتى لو وصلت قوتها إلى 7 درجات.
أبنية تحولت إلى ركام.. مشاهد مؤلمة للدمار الحاصل في مدينة #حلب شمالي #سوريا بعد زلزال عنيف ضرب سوريا و #تركيا، وسط محاولات فرق الدفاع المدني انقاذ العالقين تحت الأنقاض pic.twitter.com/Ship1DRfno
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 6, 2023
وفيما يوضح أن انهيار المباني يدل على عدم الأخذ بعين الاعتبار احتمال حدوث الزلازل أو عدم تدعيم المبنى بالشكل المطلوب، يقول إن الخطر الذي يهدد المباني يزداد كلما كانت مدة الهزة الأرضية التي تؤثر على إنشاءات المبنى أطول.
ويذكر أن بعض المباني التي انهارت قديمة وينقصها الصيانة الدورية والترميم.
"تقييم الأزمة والاحتياجات"
ومن ناحيته، يوضح نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، أن المنظمة الأممية تحاول جمع المعلومات وتقييم الأزمة وكمية الاحتياجات ومدى عمق الأضرار في هذه المرحلة، مضيفًا أن المناطق التي ضربها الزلزال تحتاج إلى الكثير من المساعدات حتى قبل وقوع هذه الحادثة خاصة الشمال السوري.
وفي حديث لـ"العربي" من نيويورك، يشير فرحان حق إلى أن الأمم المتحدة تعمل على جمع التمويل الذي تحتاجه الدول المتضررة، وحث المجتمع الدولي للعمل معًا.
وبشأن التقصير الأممي حيال التعاطي مع الأوضاع الإنسانية للنازحين في المخيمات في الشمال السوري، والذين تأثروا بالزلزال، يؤكد أن الأمم المتحدة يمكنها القيام بالتزاماتها التي أعلنت عنها إذا كان لديها التمويل والقدرات للقيام بها، لافتًا إلى أنه حتى الآن لم يكن هناك التمويل الكافي.
ويذكر أن المنظمة الأممية طالبت بالتمويل، لكنها لم تحصل إلا على 40% من أصل 100 مليار دولار طالبت بها، مشددًا على حاجة الأمم المتحدة للدعم من أجل القيام بواجباتها.
ويرى المسؤول الأممي أن الزلزال جعل التحدي أصعب، مشيرًا إلى الحاجة للمزيد من الغذاء والماء.
كما يلفت إلى أن المنظمة الأممية تواجه مشاكل، لأن هناك نقطة عبر حدود واحدة فعالة والوصول إلى المنطقة سيكون صعبًا.