الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

الغاز الروسي وخطة بوتين.. الاتحاد الأوروبي أمام خيارات صعبة

الغاز الروسي وخطة بوتين.. الاتحاد الأوروبي أمام خيارات صعبة

Changed

تقرير عن استئناف ضخّ الغاز بين روسيا وألمانيا بعد توقّف دام لـ 10 أيام (الصورة: غيتي)
توصي وكالة الطاقة الدولية الدول الأوروبية بتكثيف الحملات لدفع الناس إلى الحفاظ على الغاز في المنزل والتخطيط لمشاركة الغاز في حالات الطوارئ.

بعد توقّف دام عشرة أيام للصيانة، تدفّق الغاز الطبيعي الروسي عبر خط "نورد ستريم 1" إلى أوروبا اليوم الخميس، إلا أن العودة لمستوى الإمدادات السابقة لا تزال غير مضمونة، وفقًا لوكالة أسوشييتد برس.

وواجهت أوروبا أزمة طاقة حتى قبل أن يتوقّف خط أنابيب "نورد ستريم 1" للصيانة، إذ يتّهم الغرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستعمال الطاقة سلاحًا للضغط السياسي في مواجهته مع الاتحاد الأوروبي على خلفية الحرب على أوكرانيا.

وبالفعل، خفّضت روسيا تدفّقات الغاز الطبيعي المستخدمة في تشغيل المصانع وتوليد الكهرباء وتدفئة المنازل في الشتاء، وسط تحذيرات روسية من أنها قد تستمر في التقلّص. وتمّ قطع عمليات التسليم عبر "نورد ستريم بنسبة 60% قبل بدء الإصلاحات.

وحذّرت الوكالة من أنه حتى لو أعيد تشغيل خط الأنابيب بهذه المستويات المخفّضة، فإن أوروبا ستكافح من أجل الحفاظ على دفء المنازل وازدهار الصناعة هذا الشتاء.

وبعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات صارمة على المصارف والشركات الروسية، وبدأ بارسال الأسلحة إلى أوكرانيا، قطعت روسيا الغاز عن ست دول أعضاء وخفّضت الإمدادات لست دول أخرى.

وتراجعت التدفّقات إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، عبر "نورد ستريم 1" بمقدار الثلثين، بزعم إجراء الصيانة.

وإزاء ذلك، تدافعت دول الاتحاد الأوروبي الـ27، لملء مخزون الغاز قبل فصل الشتاء، حيث يرتفع الطلب وتسحب شركات المرافق احتياطياتها للحفاظ على دفء المنازل وتشغيل محطات الطاقة.

وأفادت "أسوشييتد برس" بأن هدف الاتحاد الأوروبي هو استخدام كمية أقلّ من الغاز الآن لبناء تخزين لفصل الشتاء، حيث إن احتياطيات الغاز في أوروبا ممتلئة بنسبة 65% فقط، مقارنة بهدف الوصول إلى 80% بحلول 1 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

ما أهمية الغاز الروسي؟

قبل الحرب على أوكرانيا، كانت روسيا تزوّد أوروبا بنحو 40% من الغاز الطبيعي. وقد انخفض ذلك إلى حوالي 15%، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتسبّب في إجهاد الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

ويستخدم الغاز عبر مجموعة من العمليات التي قد لا يعرفها معظم الناس، مثل تشكيل الفولاذ لصنع السيارات، وصنع الزجاجات، وبسترة الحليب والجبن.

وتحذّر الشركات من أنها لا تستطيع في كثير من الأحيان التحوّل بين ليلة وضحاها إلى مصادر الطاقة الأخرى مثل زيت الوقود، أو الكهرباء لإنتاج الحرارة. ففي بعض الحالات، تتلف المعدات التي تحتوي على معدن أو زجاج مصهور في حال إيقاف تشغيل الحرارة بشكل مفاجئ.

وتهدّد أسعار الطاقة المرتفعة بالتسبّب في ركود اقتصادي في أوروبا في أوقات التضخّم، حيث يكون لدى المستهلكين القليل من المال لاتفاقه مع ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والمرافق. وبالتالي، يوجّه القطع الكامل لتدفّق الغاز ضربة أقوى للاقتصاد المضطرب بالفعل.

في الأيام التي سبقت الإغلاق للصيانة، كانت إمدادات الغاز تعمل بحوالي 700 غيغاوات ساعة يوميًا. لكنّ بعد انتهاء الصيانة اليوم، أبلغت شركة "غازبروم" الروسية عن خطط لتوصيل نحو 530 غيغاوات ساعة من الغاز عبر "نورد ستريم 1"، أي حوالي 30% من سعة خط الأنابيب، وبانخفاض عن نحو 800 غيغاوات ساعة كانت الشركة قد أبلغت الأوروبيين بتجهيزها قبل ساعات من الإعلان.

خطة بوتين

وعلى الرغم من أن مصدّري النفط والغاز في روسيا يبيعون كميات أقل من الطاقة، إلا أن ارتفاع الأسعار يعني أن أرباح بوتين قد زادت بالفعل، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إنه منذ بدء الحرب، تضاعفت عائدات روسيا من تصدير النفط والغاز إلى أوروبا مقارنة بالسنوات الأخيرة، لتصل إلى 95 مليار دولار.

الزيادة في إيرادات الطاقة الروسية في الأشهر الخمسة الماضية فقط، هي ثلاثة أضعاف ما تحقّقه عادة من خلال تصدير الغاز إلى أوروبا خلال شتاء كامل.

وأوضحت "أسوشييتد برس" أن بوتين لديه أموال في متناول اليد، وقد يعتبر أن فواتير الخدمات المؤلمة وركود الطاقة يمكن أن يقوضا الدعم الشعبي الأوروبي لأوكرانيا، ويدفع تجاه تسوية تفاوضية لصالحه.

وقال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول: "بناء على ما رأيناه خلال العام الماضي، سيكون من غير الحكمة استبعاد احتمال أن تقرّر روسيا التخلي عن الإيرادات التي تحصل عليها من تصدير الغاز إلى أوروبا من أجل كسب نفوذ سياسي".

ماذا يمكن لأوروبا أن تفعل؟

تحوّل الاتحاد الأوروبي إلى الغاز الطبيعي المسال الأكثر تكلفة، أو الغاز الطبيعي المسال الذي يأتي عن طريق السفن من أماكن مثل الولايات المتحدة وقطر.

من جهتها، تسرّع ألمانيا عملية بناء محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال على ساحل بحر الشمال، لكن ذلك سيستغرق سنوات. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل أول محطة استقبال عائمة من بين أربع محطات عائمة، في وقت لاحق من هذا العام.

لكن الغاز الطبيعي المسال وحده لا يمكن أن يعوّض الفجوة. وتعمل مرافق تصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم بكامل طاقتها وسط أسواق الطاقة الضيقة، ولم يعد هناك مزيد من الغاز الذي يمكن الحصول عليه.

وأدى انفجار في محطة أميركية في فريبورت بولاية تكساس في يونيو/ حزيران الماضي، والتي ترسل معظم غازها إلى أوروبا، إلى إيقاف 2.5% من إمدادات أوروبا بين عشية وضحاها.

وأوضحت "أسوشييتد برس" أن التوفير والانتقال إلى مصادر الطاقة الأخرى هو المفتاح. وتشغّل ألمانيا، على سبيل المثال، محطات الفحم لفترة أطول، وأنشأت نظامًا للغاز يهدف إلى تشجيع التوفير، وإعادة ضبط منظمات الحرارة في المباني العامة.

والأربعاء، اقترح الاتحاد الأوروبي تخفيض الدول الأعضاء طوعًا استخدامها للغاز بنسبة 15% خلال الأشهر المقبلة. كما تسعى المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إلى الحصول على سلطة فرض تخفيضات إلزامية في جميع أنحاء التكتل، إذا كان هناك خطر حدوث نقص حاد في الغاز أو ارتفاع الطلب بشكل استثنائي.

وتُناقش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الإجراءات في اجتماع طارئ لوزراء الطاقة يوم الثلاثاء المقبل.

وتسعى الدول جاهدة لتأمين إمدادات الطاقة البديلة، حيث أبرم قادة إيطاليا وفرنسا والاتحاد الأوروبي صفقات مع نظرائهم في الجزائر وأذربيجان والإمارات اتفاقات في هذا الإطار.

وأوضحت "أسوشييتد برس" أنه من غير المرجّح أن تفقد المنازل والمدارس والمستشفيات وسائل التدفئة، لأن الحكومات مطالبة بفرض التقنين أولًا على الشركات. ويمكن للحكومة الألمانية أيضًا أن تسمح لمورّدي الغاز بتمرير الزيادات على الفور إلى العملاء. ويمكن أن تشمل الخيارات وقف الصناعة و/ أو رفع التسعيرة.

وإذا استؤنف الإمداد من "نورد ستريم 1" عند مستويات مخفّضة، تحتاج أوروبا إلى توفير 12 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 120 ناقلة غاز طبيعي مسال، لملء مستويات التخزين بحلول فصل الشتاء.

ولذلك توصي وكالة الطاقة الدولية الدول الأوروبية بتكثيف الحملات لدفع الناس إلى الحفاظ على الغاز في المنزل والتخطيط لمشاركة الغاز في حالات الطوارئ.

أما في حال الانقطاع التام للغاز، فهناك حاجة للمزيد من التوفير، والوقت يضيق.

وقال بيرول: "يتعيّن على القادة الأوروبيين الاستعداد لهذا الاحتمال الآن، لتجنّب الضرر المحتمل الذي قد ينجم عن استجابة مفكّكة ومزعزعة للاستقرار"، مضيفًا: "يُمكن أن يصبح هذا الشتاء اختبارًا تاريخيًا للتضامن الأوروبي، وهو اختبار لا يمكن أن يتحمّل الأوروبيون فشله، مع تداعيات تتجاوز بكثير قطاع الطاقة".

المصادر:
العربي - أسوشييتد برس

شارك القصة

تابع القراءة
Close