الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

القصة الكاملة لـ"رحلة" مقتدى الصدر.. من "صانع الرؤساء" إلى "الملك"؟

القصة الكاملة لـ"رحلة" مقتدى الصدر.. من "صانع الرؤساء" إلى "الملك"؟

Changed

آخر تحديث:
30 أغسطس 2022 12:39
تقرير لـ"العربي" تناول محطات صعود مقتدى الصدر في المشهد السياسي العراقي (الصورة: غيتي)
يُعرَف مقتدى الصدر، الملقب بـ"صانع الملوك"، والقادر على قلب الشارع بكلمة، بتناقضاته ومواقفه المتقلبة بين الاعتزال والعودة والانسحاب.

ليس زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اسمًا عابرًا في الحياة السياسية العراقية، فرجل الدين الذي أعلن اعتزاله السياسة بالأمس، أثبت على مرّ السنوات أنّه "رقم صعب" في المعادلة السياسية في البلاد.

لكنّ مقتدى الصدر، الملقب بـ"صانع الملوك"، والقادر على قلب الشارع بكلمة، يُعرَف أيضًا بتناقضاته ومواقفه المتقلبة بين الاعتزال والعودة والانسحاب، وكلّها محطات مرّ بها في "رحلته" الطويلة.

فقد صعد الصدر سلم السياسة على أكتاف عائلته، وحاول التنصل من عباءة إيران، كما طالبت به أميركا حيًا كان أو ميتًا، علمًا أنّ سطوع نجمه يعود إلى عام 2003، عند ظهوره فجأة في مدينة الثورة شرقي بغداد، والتي باتت اليوم تحمل اسم "مدينة الصدر".

توالت الأحداث منذ ذلك الوقت، حيث أعلن مقاومة القوات الأميركية ورفض مجلس الحكم، كما أسس محاكم شرعية في البداية، كانت مهمتها تنفيذ القوانين على أساس قراءة إسلامية. غير أنّ قرار تأسيس جيش المهدي كان الأهمّ في تلك الحقبة، قبل أن يجمّده بعد سبعة أعوام.

وعلى المستوى السياسي، وُصِف الصدر بـ"بيضة القبان"، حيث كان العامل الحاسم في اختيار رؤساء الوزراء السابقين إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي، وهم قيادات في حزب الدعوة، كما لعب دورًا كبيرًا في الإطاحة بالمالكي بعد ظهور صراع بينهما.

وقد فاز مقتدى الصدر لأول مرة بأغلبية البرلمان عام 2018، وكرر الأمر نفسه في الانتخابات المبكرة الأخيرة. أما اليوم فيبدو أن الصدر يرفض أن يكون صانعًا للملوك مثل كل مرة، بل يريد اليوم أن يكون الملك. 

فكيف وصل مقتدى الصدر إلى ما وصل إليه؟ وأيّ محطات مرّ بها قبل إعلان الاعتزال؟ وهل يُعَدّ هذا الاعتزال نهائيًا، أم أن العودة عنه ستكون قريبة؟

صعد الصدر سلم السياسة على أكتاف عائلته، وحاول التنصل من عباءة إيران، كما طالبت به أميركا حيًا كان أو ميتًا
صعد مقتدى الصدر سلم السياسة على أكتاف عائلته، وحاول التنصل من عباءة إيران، كما طالبت به أميركا حيًا كان أو ميتًا - غيتي

وراثة التيار الصدري وتأسيس جيش المهدي

ولد مقتدى الصدر لعائلة شيعية معروفة عام 1973. والده محمد صادق الصدر أحد أبرز المراجع الشيعية في العراق، والذي نادى بابتعاد شيعة العراق عن الهيمنة السياسية، وعرف عنه معارضته نظام صدام حسين وابتعاده عن المشاركة السياسية في البلاد، واغتيل برفقة اثنين من أبنائه عام 1999 كما اغتيل ابن عمّه محمد باقر عام 1980.

وعلى الرغم من افتقار مقتدى الصدر لمؤهلات والده العلمية، إلا أنه ورث زعامة التيار الصدري ليقتحم عالم السياسة مستغلًا إرث عائلته ونفوذها، وكان معارضًا لكل من أميركا وإيران لكنه لم يكن اسمًا معروفًا على الساحة العربية والعالمية، حتى عام 2003 مع الإطاحة بنظام صدام حسين والغزو الأميركي للعراق.

حينها أعلن معارضته للوجود الأميركي في البلاد، وكوّن أول مجموعة مسلحة شيعية تعرف باسم جيش المهدي لقتال القوات الأميركية في العراق، ما دفع وزارة الدفاع الأميركية إلى تصنيف جيش المهدي كـ"أكبر تهديد لأمن العراق" والذي قالت مصادر عسكرية أميركية إنه ممول من طهران، رغم محاولة الصدر النأي بنفسه عن إيران.

آنذاك، أصدرت سلطة الاحتلال الأميركي مذكرة توقيف بحقه عام 2004 بتهمة قتل الزعيم الشيعي عبد المحيد الخوئي الموالي للغرب عام 2003. كما انخرط جيش المهدي في الحرب الطائفية بين السنة والشيعة بين عامي 2006 و2008 واتُهِم بـ"التنكيل بالمدنيين وتشكيل فرق اغتيال لخطف شخصيات سنية وقتلها".

كوّن أول مجموعة مسلحة شيعية تعرف باسم جيش المهدي لقتال القوات الأميركية في العراق
كوّن مقتدى الصدر أول مجموعة مسلحة شيعية تعرف باسم جيش المهدي لقتال القوات الأميركية في العراق - غيتي

العودة بعد الاعتزال في إيران

عام 2008 أمر رئيس الوزراء حينها نوري المالكي الشيعي المنافس للصدر، بشنّ هجوم كبير نال من جيش المهدي في مدينة البصرة الجنوبية ليقوم الصدر بتجميد المجموعة المسلحة ووقف عملياتها ويعلن تحوّل جيش المهدي إلى "منظمة ثقافية واجتماعية".

في ذلك الوقت كان الصدر قد اختفى عن الأنظار ليعلن إثرها اعتزاله في الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية، مؤكدًا أنه لم يعتزل الحياة السياسية والشأن العام بشكل نهائي. إلا أنّ الصدر عاد من عزلته في إيران عام 2011، وكان التيار الصدري حينها فاعلًا في الحياة السياسية ويتولى أعضاؤه مناصب في البرلمان والحكومة.

واتسمت هذه الفترة بالهدوء النسبي إلى غاية عام 2014 مع اجتياح تنظيم الدولة للعراق والسيطرة على مدن عراقية عدة ليعود جيش المهدي إلى الظهور تحت عباءة "سرايا السلام" بحسب كثيرين، وهو فصيل مسلح أصبح تابعًا للحشد الشعبي المدعوم من إيران، والذي تشكّل بناء على فتوى أصدرها المرجع الديني علي السيستاني ودعا خلالها العراقيين لحمل السلاح لمواجهة تنظيم الدولة، قبل أن يقرر الرئيس العراقي ضمّ فصائله كافة للقوات المسلحة،

بعد ذلك، أعلن الصدر انفكاكه عن سرايا السلام، والتي كانت قد فرضت سيطرتها الكاملة على مدينة سامراء بحجّة حماية المراقد الشيعية هناك من تنظيم الدولة. لكن رغم محاولات نأيها عن الصراع الطائفي إلا أنّها اتُهِمت بشنّ حملة اعتداءات وتطهير ديموغرافي.

اختفى مقتدى الصدر عن الأنظار ليعلن إثرها اعتزاله في الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية - غيتي
اختفى مقتدى الصدر عن الأنظار ليعلن إثرها اعتزاله في الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية - غيتي

مشروع الصدر السياسي

فاجأ الصدر أنصاره بانسحابه من الحياة السياسية عام 2014 وحلّ تياره وأغلق جميع مكاتبه السياسية وذلك بعد أن طالب نواب كتلته السياسية في البرلمان بالانسحاب وسط أزمة سياسية عجزت على إثرها النخبة السياسية عن تشكيل حكومة، لكنه سرعان ما أعلن عن عودته حاملًا شعار الإصلاح.

ويُعَد عام عام 2016 فارقًا في تاريخه السياسي، حيث بنى الصدر مشروعه على تغيير النظام السياسي العراقي الذي تمّ إرساؤه على أساس طائفي منذ الإطاحة بنظام صدام حسين، ويتمثل في هيمنة الشيعة على منصب رئيس الوزراء فيما يتولى الأكراد رئاسة البلاد ويتولى السنّة رئاسة البرلمان. واكتسب شعبية كبيرة مع وعود بالقضاء على الفساد المستشري في الدولة كما ندّد بنظام المحاصصة والمحسوبية السياسية.

وقد يكون مشهد اعتصامه في المنطقة الخضراء شديدة التحصين عام 2016 الأبرز في مسيرته في محاولة للضغط على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي حينها لدفعه إلى تشكيل حكومة تكنوقراط دون انتماءات حزبية أو طائفية، في مشهد يبين قدرته على تحريك الشارع، وبدا أنه يؤسس لمرحلة جديدة من نفوذ الصدر وتأثيره على الساحة السياسية في العراق، وهو ما ترجم بفوزه الكبير في الانتخابات البرلمانية عام 2018.

مقتدى الصدر.. على جسر الانقسام

شكّل الصدر تحالفًا مع خصومه الشيعة وتمكّن تياره من الهيمنة على أجهزة الدولة وإحكام سيطرته على عدد من الوزارات، وكذلك تولي مناصب رفيعة في وزارات الداخلية والدفاع والاتصالات، لكنّ المظاهرات المناهضة للحكومة عام 2019 أعادت خلط الأوراق.

أعلن الصدر تأييده للمظاهرات في البداية، كما طالب باستقالة عادل عبد المهدي، ودعم وصول مصطفى الكاظمي إلى الحكم. لكن المظاهرات المطالبة بإصلاحات جذرية استمرّت، واتُهِم أنصار الصدر وعناصره المسلحة بقمع المتظاهرين واقتحام خيام المعتصمين في النجف، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا.

وطالب الصدر بضرورة حصر السلاح بيد الدولة، ودمج الفصائل المسلحة تحت راية القوات المسلحة الحكومية، وذلك إثر تحقيق تحالف "سائرون" ذي الأكثرية الصدرية فوزًا كبيرًا في الانتخابات البرلمانية عام 2021 بـ73 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا.

وقاد الصدر أكبر كتلة في البرلمان لكن ذلك لم يمكّنه من تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" ما تسبّب في أزمة سياسية فشلت على إثرها البلاد في تشكيل حكومة منذ نحو 9 أشهر، وهو رقم قياسي في تاريخ البلاد، كما فشلت القيادات السياسية في التوصل لتسمية الرئيس ورئيس الحكومة، في ظل رفض الصدر ترشح منافسه نوري المالكي لرئاسة الحكومة، كما رفض ترشح محمد شياع السوداني باعتباره حليفًا مقربًا من المالكي.

قاد الصدر أكبر كتلة في البرلمان لكن ذلك لم يمكّنه من تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"
قاد الصدر أكبر كتلة في البرلمان لكن ذلك لم يمكّنه من تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" - غيتي

استعراض القوة

فاجأ الصدر الجميع بإعلان تخليه عن فوزه الانتخابي وانسحاب نوابه من البرلمان بطلب منه في يونيو/ حزيران عام 2022، ولكن ذلك لم يمثل انفراجة للأزمة السياسية، حيث ظلّ الصدر مؤثرًا في المشهد السياسي ومحرّكًا قويًا للشارع. كما دفع أنصاره إلى اقتحام المنطقة الخضراء والاعتصام في البرلمان في يوليو/ تموز 2022، رافعًا سقف مطالبه إلى التغيير الجذري للنظام السياسي.

لكنه سرعان ما دعاهم للانسحاب، قبل أن يصرّح لاحقًا أنّه لن يتدخل مستقبلًا في المظاهرات، في حال استمرّ خصومه الذين وصفهم بـ"الفاسدين" في عنادهم، في حين يصفون هم مساعيه بـ"الانقلاب المشبوه"، ليدعو من جديد أنصاره إلى الاستمرار في الاعتصام، مطالبًا بحلّ البرلمان.

ويخشى كثيرون من أن تزيد هذه التصريحات، معطوفة على أحداث اليومين الماضيين، من الضبابية المخيمة على المشهد السياسي في العراق، وتدفع بالبلاد نحو المجهول، بينما تتعالى الأصوات الدولية المطالبة بالتهدئة، لكنّها تؤكد مرة أخرى أنه رغم تناقضات الصدر، يبقى بفضل شعبيته رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية في العراق.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close