"الكل مشتبه به".. جدل في بريطانيا بشأن تقنية التعرف على الوجوه
أمام متاجر كبرى أو في مهرجانات حاشدة تُمسح ملامح ملايين الأشخاص بمساعدة أنظمة التعرف على الوجوه في الوقت الفعلي في المملكة المتحدة، الدولة الأوروبية الوحيدة التي تستخدم هذه التقنية على نطاق واسع.
وفي مهرجان نوتينغ هيل بلندن حيث من المتوقع أن يحتفي مليونا شخص بالثقافة الإفريقية الكاريبية يومي الأحد والإثنين، تُنشر كاميرات التعرف على الوجوه قرب مداخل ومخارج المهرجان.
وقالت الشرطة إن هدفها تحديد هوية أشخاص مطلوبين واعتراضهم من خلال مسح الوجوه في الحشود الكبيرة ومقارنتها بآلاف المشتبه بهم المسجلين بالفعل في قاعدة بيانات الشرطة.
وأوضح قائد شرطة العاصمة مارك رولي أن هذه التقنية "أداة شرطية فعالة، وقد استُخدمت بنجاح لتحديد مواقع مجرمين في بؤر جرائم، ما أفضى إلى أكثر من 1000 اعتقال منذ بداية 2024".
"أمة المشتبه بهم"
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث قبل مباراتين من بطولة الأمم الستة للركبي، وأمام الملعب الذي احتضن حفلتين موسيقيتين لفرقة "أويسيس" في كارديف في يوليو/ تموز.
فعندما يمر شخص مدرج على "قائمة مراقبة" الشرطة قرب الكاميرات، يُطلق النظام المُدعم بالذكاء الاصطناعي تنبيهًا، وهو الذي غالبًا ما يُركّب في عربة فان للشرطة. ويمكن بعد ذلك احتجاز المشتبه به فورًا بمجرد أن تؤكد الشرطة هويته.
ولكن هذا الكم الهائل من التقاط البيانات في شوارع لندن، والذي شوهد أيضًا أثناء مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث في 2023، "يُعاملنا كأمة من المشتبه بهم"، وفقًا لمنظمة "بيغ براذر ووتش".
وأفادت المديرة الموقتة للمنظمة ريبيكا فينسن بأنه "لا يوجد أساس تشريعي، لذا لا توجد لدينا ضمانات لحماية حقوقنا، وتُترك للشرطة مهمة وضع قواعدها الخاصة".
وأثار استخدام متاجر السوبرماركت ومتاجر الملابس هذه التقنيات لمكافحة الارتفاع الحاد في عمليات السرقة مخاوف أيضًا، في ظل "قلة المعلومات" المتاحة حول كيفية استخدام البيانات، وفق فينسنت.
وتستخدم غالبية تلك المتاجر تطبيق "فيس ووتش"، وهو مزود خدمة يجمع قائمة بأشخاص مشتبه بهم في المتاجر التي يراقبها، ويُصدر تنبيها في حال دخول أحدهم إلى المتجر. وغالبًا لا يعلم رواد هذه المتاجر أن بياناتهم الشخصية تُجمع.
تقنية "تغير" مفهوم العيش في المدينة
وقال المحاضر في قانون حقوق الإنسان بجامعة كوين ماري في لندن داراغ موراي: إن هذه التقنية "تغيّر مفهوم العيش في المدينة، لأنها تُلغي إمكانية العيش دون الكشف عن الهوية"، مضيفًا: "قد يكون لذلك آثار كبيرة على الاحتجاجات وعلى المشاركة في الحياة السياسية والثقافية".
وقالت خبيرة الطب الشرعي أبيغيل بيفون (26 عامًا): "عند مدخل متجر في لندن يستخدم تطبيق فيس ووتش، ويجب إطلاع الناس بشأنه"، مضيفةً أنها "فوجئت جدًا" لمعرفة نطاق استخدام هذه التقنية.
ورغم إقرارها بإمكانية فائدتها للشرطة، إلا أنها اشتكت من أن استخدامها من تجار التجزئة يعد "انتهاكًا".
ومنذ فبراير/ شباط، تحظر تشريعات الاتحاد الأوروبي المنظِّمة للذكاء الاصطناعي استخدام تقنيات التعرف على الوجوه في الوقت الفعلي، مع استثناءات مثل مكافحة الإرهاب.
وباستثناء حالات قليلة في الولايات المتحدة تشدد فينسنت على أنه "لا نرى أي شيء قريب من ذلك في الدول الأوروبية أو غيرها من الديموقراطيات".
وأضافت أن "استخدام مثل هذه التكنولوجيا الانتهاكية أشبه بما نراه في دول استبدادية مثل الصين".
إشكال قانوني
وكانت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر قد وعدت مؤخرًا بصياغة "إطار قانوني" ينظم استخدام هذه التقنية، على أن يركز على "أخطر الجرائم". لكن وزارتها سمحت هذا الشهر للشرطة باستخدام التقنية في سبع مناطق جديدة.
وتؤكد الشرطة أن لديها "ضمانات قوية" مثل تعطيل الكاميرات في حال غياب العناصر، وحذف البيانات البيومترية لغير المشتبه بهم.
غير أن هيئة حقوق الإنسان البريطانية قالت الأربعاء إن سياسة شرطة مدينة لندن في استخدام هذه التقنية "غير قانونية"، لأنها "تتعارض" مع لوائح حقوق الإنسان.
وقال شون تومبسون -وهو رجل يبلغ 39 عامًا ويعيش في لندن- إنه اعتُقل بعد أن جرى التعرف عليه عن طريق الخطأ كمجرم بواسطة إحدى هذه الكاميرات، وقد رفع دعوى قضائية ضد الشرطة.
ووجهت 11 منظمة بينها "هيومن رايتس ووتش" رسالة إلى قائد شرطة لندن، تحثه فيها على عدم استخدام التقنية خلال مهرجان "نوتينغ هيل"، واتهمته بـ"الاستهداف الجائر" للمجتمع الإفريقي الكاريبي، مع تسليط الضوء على التحيزات العنصرية للذكاء الاصطناعي.