المثلجات "مفيدة للصحة". قد يكون هذا الخبر الذي انتشر في الفترة الأخيرة، وعلى أبواب فصل الصيف، سارًا لعشاق البوظة، التي تكتسب شعبيّة كبرى لميزاتها الكثيرة، فهي لذيذة وحلوة ومليئة بالدهون المشبعة. لكن، هل هو حقيقيّ، أم مجرد حلم؟
يبدو الأمر مثيرًا للجدل، فعلى الرغم من الاعتقاد الشائع، والتاريخي ربما، بأن "الآيس كريم" غير صحي، إلا أن دراسة أجرتها جامعة هارفارد تشير إلى أن هذه الحلوى قد تحتوي في الواقع على "فوائد صحية" للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري.
هذا الخبر الذي يكاد يكون خبرًا مفرحًا للكثيرين لا سيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة، تطرق إليه مؤرّخ الصحة العامة الأميركي ديفيد ميريت جونز الذي استعرض مؤخرًا كيف أن العديد من الدراسات على مدى عقود عديدة خلصت مرارًا إلى فوائد صحية محتملة غامضة للحلوى المثلجة.
ففي مقال نشرته مجلة "الأطلسي"، ذكر ديفيد ميريت جونز أنه بدأ في التحقيق في هذه الادعاءات الصيف الماضي بعد سماعه عن بعض البحوث في عام 2018 قام بها طالب دكتوراه في جامعة هارفارد أندريس أرديسون كورات، والتي أظهرت أن تناول نصف كوب (حوالي 64 غرامًا) من المثلجات يوميًا كان مرتبطًا بخفض خطر الإصابة بمشاكل القلب لدى مرضى السكري.
المثلجات "مفيدة للصحة"
أشار كورات آنذاك، إلى أن تناول نصف كوب من "الآيس كريم" يوميًا كان مرتبطًا بتقليل خطر مشاكل القلب لدى مرضى السكري. وأعاد المقال الحديث في مجلة "الأطلسي" هذه الفكرة، بأن الحلوى المليئة بالسكر والدهون المشبعة قد تكون صحية بالفعل.
ووفق موقع "هيلث نيوز"، وجد الباحثون في جامعة هارفارد أنفسهم مندهشين من هذا الاكتشاف الذي وصفوه بأنه غير منطقي، إذ كان من الصعب تفسير كيف يمكن للمثلجات السكرية أن تساعد أولئك الذين يعانون من مرض السكري.
لكن كورات يكتب في رسالته العلمية: "هناك بعض التفسيرات البيولوجية المعقولة لهذه النتائج. أحد الاحتمالات هو أن غشاء الدهون المحيطة بحبيبات الدهون في منتجات الألبان مثل الحليب والجبن والكريمة والآيس كريم، والمعروف بغشاء حبيبات الدهون في الحليب (MFGM)، موجود بشكل سليم في تلك المنتجات المثلجة، بالمقارنة مع منتجات مثل الزبدة التي تتخلص من غشاء حبيبات الدهون فيها في عملية التصنيع".
جمع بيانات على مدى سنين
لكن، وبعد مزيد من التحقيق، اكتشف جونز أن بيانات الدراسة تعود لأكثر من 20 عامًا وكانت تقوم على المراقبة والملاحظة، بمعنى أنه لا يوجد دليل علمي قاطع يثبت أن تناول "الآيس كريم" بحد ذاته مسؤول بشكل مباشر عن تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب لدى مرضى السكري من النوع 2.
ومع ذلك، لم يتوقف فريق التغذية في جامعة هارفارد عن البحث عن أجوبة قاطعة، فقاموا بجمع "استبيانات استهلاك الأطعمة" ومعلومات طبية من الآلاف في مجال الرعاية الصحية في الثمانينيات.
واستنادًا إلى البيانات المجمعة بين عامي 1986 و1998، تبين أنه تم نشر أول بحث في الجامعة حول مرض السكري من النوع الثاني والألبان في عام 2005. ووفقًا للباحثين، كان تناول المزيد من منتجات الألبان قليلة الدسم مرتبطًا بانخفاض فرص الإصابة بالسكري.
وتشرح إحدى النشرات الإخبارية التابعة لجامعة هارفارد للأطلسي أن "تقليل الخطر كان مرتبطًا تقريبًا بالأطعمة الألبانية قليلة الدسم أو غير الدهنية".
في السياق ذاته، يشير بحث آخر إلى أن الرجال الذين يتناولون حصتين أو أكثر من الحليب قليل الدسم أو خالي الدسم يوميًا كان لديهم خطر أقل بنسبة 22% من الإصابة بمرض السكري. ووفقًا للدراسة، شهد الرجال الذين تناولوا حصتين أو أكثر من المثلجات في الأسبوع النتائج نفسها.
أكثر من ذلك، وجد عالم الأوبئة مارك بيريرا أن المثلجات مرتبطة بانخفاض كبير في فرص الإصابة بمتلازمة مقاومة الأنسولين (مقدمة لمرض السكري) بين الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، بحسب ما نقلت صحيفة "الغارديان".
تحذير من العلماء
في المقابل، لا تزال هذه النتائج تربك الباحثين، حيث يقول طبيب الصحة العامة في بريطانيا جون فورد: "بصفتي طبيبًا أكاديميًا للصحة العامة، لن أسارع لتناول المزيد من المثلجات بناءً على هذا البحث، هناك الكثير من التفسيرات المحتملة الأخرى".
ويردف فورد: "هناك العديد من التفسيرات المحتملة الأخرى.. قد يكون الأشخاص يميلون إلى تناول المثلجات للتبريد بعد المشي أو ممارسة بعض التمارين، أو قد يكون الأشخاص الذين يميلون إلى اختيار الآيس كريم كحلوى بدلاً من قطعة كعكة الشوكولاتة عالية السعرات الحرارية أيضًا عرضة لاستبدال الأطعمة الدهنية الأخرى".
بدوره، يحذّر الدكتور دوين ميلور كبير المحاضرين وأخصائي التغذية في كلية الطب في جامعة أستون البريطانية، من التركيز على فوائد صحية لنوع واحد من الأطعمة، لافتًا إلى احتمال أن تكون الدراسات حول استهلاك الطعام غير دقيقة كونها تجري عادة عبر الاستبيانات، وليس من خلال مراقبة علمية.
ويشرح ميلور: "المشكلة في النهاية هي أننا نحاول إظهار التأثير الصحي أو الفوائد لنوع واحد من الأطعمة، بينما في الواقع يستهلك الإنسان مجموعة متنوعة من الأطعمة، والأمر يتعلق بنمطه الغذائي ككل".
ومع ذلك، اعترف ميلور بأن المثلجات "قد تحتوي على بعض العناصر الغذائية التي يمكن أن تكون مفيدة" مثل الكالسيوم، وأنها تترافق مع مؤشر منخفض نسبيًا لنسبة السكر في الدم نسبيًا، "ولكن من المرجح أن يتفوق على ذلك محتواها العالي من السكر والسعرات الحرارية"، على حدّ قوله.
ما هي الخيارات الأفضل لتناول البوظة؟
في هذا السياق، شرحت الاختصاصية في التغذية شهد ياسين في حديث سابق إلى "العربي"، الخيارات الأفضل لتناول البوظة، مؤكّدة أن المثلجات يمكن أن تكون وجبة خفيفة صحية للغاية مليئة بالبروتين ومضادات الأكسدة، إذا اختيرت "بطريقة ذكية".
وأوضحت أنه "يجب معرفة ما هي المواد التي أدخلت على الآيس الكريم، مثل الانتباه إذا كانت تحتوي على مشتقات الألبان أي أنه تمت إضافة الخواص الغذائية العالية الموجودة في اللبن".
وبالتالي يمكن أن تكون وجبة البوظة الصحية، مجرد زبادي مثلّج تضاف إليه بعض النكهات اللذيذة، بالإضافة إلى بعض الفاكهة التي تحتوي على سكر طبيعي وتعطي الآيس كريم نكهة غنية مفعمة بالفيتامينات، بحسب الاختصاصية.