الإثنين 25 مارس / مارس 2024

المسلمون في الحرب العالمية الثانية.. التاريخ لم ينصف بطولاتهم

المسلمون في الحرب العالمية الثانية.. التاريخ لم ينصف بطولاتهم

Changed

يقدم "قراءة ثانية" رواية أخرى عن مشاركة المسلمين في الحرب العالمية الثانية ضمن قوات الحلفاء (الصورة: غيتي)
شارك ملايين المسلمين في تطهير أوروبا من النازية والفاشية من أقصى الصين وصولاً إلى الشرق الأوسط ولم تجد بطولات هؤلاء ما يستحق من التوثيق والتكريم.

تشير الوثائق إلى أنّ ملايين من المسلمين شاركوا في الحرب العالمية الثانية ضمن قوات الحلفاء، وخصوصًا في صفوف الجيشين البريطاني والسوفيتي. وكان هؤلاء من مناطق مختلفة من الهند والصين وآسيا الوسطى وإفريقيا وأوروبا.

وصف الكاتب المصري عباس محمود العقاد الحرب العالمية الثانية حينها بأنها "حرب بين القيم السامية والإنسانية التي تمثلها بريطانيا وقوى الظلام التي يمثلها النازيون".

شارك رأي العقاد عرب ومسلمون آخرون مثقفون وشيوخ دين ورؤساء قبائل ورجال أعمال، بالإضافة إلى مواقف النخب السياسية في مصر والأردن والسعودية والعراق والمغرب العربي، بل وفي فلسطين، حيث شارك، وفق الباحث مصطفى العباسي، 12 ألف فلسطيني في الحرب العالمية الثانية إلى جانب بريطانيا.

بطولات لم تأخذ حقها من التوثيق والتكريم

كما شارك ملايين المسلمين في تطهير أوروبا من النازية والفاشية من أقصى الصين والاتحاد السوفيتي إلى المغرب العربي والسنغال مرورًا بالشرق الأوسط. ولم تجد بطولات هؤلاء ما يستحق من التوثيق والتكريم.

ويرصد الباحثون أسبابًا عدة وراء إهمال دور المسلمين في الحرب العالمية الثانية، أهمها ضعف توثيق أغلب الدول العربية لدورها في الحرب ونجاح الرواية الصهيونية في تضخيم دور مفتي القدس أمين الحسيني، الذي دعم هتلر لأسباب سياسية واختزال دور المسلمين كلهم في موقف الحسيني رغم ضعف تأثيره، وترسيخ صورة عالمية زائفة عن "المسلم النازي الشرير" مقابل "اليهودي المضطهد". 

هذا وتسجل اليوم دراسات جادّة تحاول الكشف عن السردية التاريخية الكاملة للحرب العالمية الثانية وسط غابة من السرديات المسيسة.

دور مسلمي الهند

وفي هذا السياق، تشير الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات عائشة البصري إلى أنّ مشاركة المسلمين في الحرب العالمية الثانية كانت أكبر بكثير من المشاركة العربية، نظرًا إلى حجمهم وأعدادهم في العالم.

وتلفت في حديث إلى "العربي" إلى أن مشاركة الجيش الهندي، وخاصة المسلمين منهم، "كانت مميزة وقوية"، مبينة أنها كانت القوة الثانية من حيث الحجم بعد الاتحاد السوفيتي، أي ما يقارب ثلث الجيش الهندي (تحت القيادة البريطانية) الذي بلغ تعداده نحو مليونين ونصف المليون.

وترى أن الهند "كانت في غاية الأهمية في ذلك الوقت نظرًا لموقعها الإستراتيجي وقربها من كل من اليابان والصين"، لافتة إلى أن الجيش الهندي كان "متمرسًا ومحترفًا" وعدّ أكبر جيش من المتطوعين في الحرب العالمية الثانية.

تم ترسيخ صورة عالمية زائفة عن "المسلم النازي الشرير" مقابل "اليهودي المضطهد" - غيتي
تم ترسيخ صورة عالمية زائفة عن "المسلم النازي الشرير" مقابل "اليهودي المضطهد" - غيتي

وبالنسبة إلى مشاركة المسلمين في الجيش الهندي، تفيد الباحثة عائشة البصري بأن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل قال لرئيس الولايات المتحدة سابقًا فرانكلين روزفلت، إن الحرب التي يخوضها الجيش الهندي تعتمد بالأساس على المسلمين.  

وترى الباحثة أنه لم يكن مخطئًا لأنه وفق نظرية البريطانيين آنذاك التي تعتمد على الأعراق المقاتلة كانت الجيوش المسلمة في قمة هذه النظرية. وتشير إلى أن مقاطعة البنجاب لوحدها قدّمت ما يزيد عن 380 ألف مقاتل أي نحو 70% من مجموع المشاركة الهندية المسلمة، التي تشكل نحو ثلث المشاركة الهندية في جيش الحلفاء. 

وتؤكد البصرى أن هؤلاء حاربوا على كل الجبهات من آسيا إلى أوروبا مرورًا بإفريقيا وكانوا في الصفوف الأمامية. كما ساعدوا الجيش الأميركي في وقف الزحف الياباني وحرروا سنغافورة. وقالت البصري: "كانت مشاركة مسلمي الهند فاعلة وثاني مشاركة بعد الجمهوريات السوفياتية".  

الجهاد في الصين

وحول مشاركة المسلمين من الصين على الجبهة الصينية اليابانية، توضح الباحثة أن مشاركة مسلمي الصين كانت مهمة حيث كان عدد المسلمين في البلاد آنذاك نحو 20 مليونا وكان لهم حضور وسلطة وقوة قتالية وكانوا يتمركزون في شمال غرب الصين.

وتشير إلى أنّ "الحرب قد بدأت فعليًا بحلول عام 1937 وقد حاولت القوات اليابانية فرض سيطرتها على مناطق المسلمين في الصين وقوبلوا بمقاومة في ثلاث مناطق".

كما تبين أن "رد فعل اليابانيين كان قويًا حيث انتهجوا سياسة القتل العمد وقصفوا عددًا من المدن في الصين ما زاد من حدة المقاومة الصينية، وأعلن المسلمون الجهاد في كل مقاطعات شمال غربي الصين وشكلوا جماعة "مكليك" وأوقفوا الزحف الياباني.

وتشير الباحثة إلى أن التاريخ الصيني اعترف بدور الجنرالات المسلمين في الحرب. 

كما تشرح الباحثة عن مشاركة المسلمين في جبهات القتال في شرق إفريقيا حيث خاض الجيش البريطاني قتالاً ضد إيطاليا ومستعمراتها وانتصروا في نوفمبر/ تشرين الثاني 1945. كما شارك المسلمون من غير العرب في  غرب إفريقيا ولا سيما من السنغال ونيجيريا ومن مالي حاليًا وربما مئات من الموريتانيين. 

المسلمون في الجيش الأحمر

وقد ذكرت بعض الوثائق أن الجيش السوفييتي الأحمر جنّد ما يقارب أربعة إلى خمسة ملايين مسلم من سكان البولغا والأورال والقوقاز ووسط آسيا وشبه جزيرة القرم. 

وعن ذلك، يؤكد أستاذ التاريخ في جامعة فاران الاتحادية أيدر خابوتدينوف أن مشاركة الاتحاد السوفييتي كانت كبيرة ولا سيما مشاركة المسلمين من جمهورية تترستان وأنغوشيا وغيرها من الجمهوريات الإسلامية. ويلفت إلى أن هناك أرقامًا تقول إن كل خامس مواطن أوزباكستاني شارك في الحرب العالمة الثانية. 

كما يوضح خابوتدينوف، في حديث إلى "العربي" من موسكو، أن أعدادًا كبيرة من المسلمين لم يعودوا أحياء من الحرب، مشيرًا إلى أن كازاخستان سجّلت 120 ألف شهيد وحوالي مليون ونصف شهيد من قرقيزستان.

ويتحدث عن مشاركة أعداد كبيرة من المسلمين في معركة داكار، وقال: "كان كل سابع شخص من المسلمين في هذه الحرب". 

ويؤكد خابوتدينوف أن مشاركة المسلمين كانت في الجيش النظامي السوفييتي ومن المتطوعين حيث تخطى عدد الجيش 5 ملايين جندي. ويضيف: "شارك من تترستان عدد كبير في الجيش القيصري، لكن لم يشارك أحد من المسلمين من القوقاز والقرم وقزاقستان". 

ويوضح أن المسلمين كانوا يشاركون في الجيش السوفييي على مدار 300 عام وليس في الحرب فقط، لافتًا إلى أن المسلمين أعلنوا الجهاد ضد الفاشية والنازية وأدى ذلك إلى حشد العديد من المسلمين للمشاركة مع الجيش الأحمر. وقال: "رغم أن الاتحاد السوفييتي كان شيوعيًا لكن المسلمين أثبتوا أنهم مستعدون للدفاع عن وطنهم".


المزيد من التفاصيل حول مشاركة المسلمين في الحرب العالمية الثانية في الحلقة المرفقة من "قراءة ثانية". 

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close