الإثنين 17 تشرين الثاني / نوفمبر 2025
Close

المسيّرات.. السلاح الذكي الذي غيّر قواعد الحروب

المسيّرات.. السلاح الذكي الذي غيّر قواعد الحروب محدث 30 حزيران 2025

شارك القصة

يعود استخدام الطائرات بدون طيّار أو المسيّرات إلى اليونان القديمة - غيتي
يعود استخدام الطائرات بدون طيّار أو المسيّرات إلى اليونان القديمة - غيتي
الخط
من أرخيتاس إلى غزة وأوكرانيا.. كيف غيّرت المسيّرات شكل الحروب؟ دليل شامل لأنواعها، تاريخها، وتقنياتها.

تُعدّ الطائرات من دون طيار أو "المُسيّرات" من أعنف الأسلحة المستخدمة في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل. فقد نفذت تل أبيب عبرها هجمات داخل طهران يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، فيما قيل إن إسرائيل هرّبت أجزاء من طائرات مسيرة إلى إيران لمهاجمتها من الداخل. (1)

تُعتبر المسيّرات أبرز أداة تُستخدم في الحروب العسكرية الحديثة، وقد برزت مكانتها بقوة خلال الحرب الروسية - الأوكرانية، كما كان لها دور كبير في الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان وغزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

لكن ما هي أنواع هذه الطائرات؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطورت تقنياتها وأدوارها حتى باتت أداة لا غنى عنها في المعارك؟

أنواع المسيّرات

هناك مصطلحان شائعان لتعريف هذه الآلات الطائرة: "طائرات من دون طيار" و"مركبات جوية من دون طيار"، وكلاهما يشير إلى طائرات لا يقودها طيار بشري، بل تُوجَّه عن بُعد أو تعمل بشكل مستقل وفق برمجيات مسبقة.

تتنوع هذه الطائرات بحسب مهامها، ومن أبرز أنواعها:

  • طائرات استطلاع: لجمع المعلومات الاستخباراتية، وهي مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار دقيقة.

  • طائرات قتالية: مزودة بصواريخ أو قنابل، قادرة على تنفيذ ضربات مباشرة.

  • طائرات لوجستية: تُستخدم لنقل الإمدادات والمساعدات إلى المناطق النائية أو الخطرة.

  • طائرات تدريبية/ مستهدفة: تُستخدم كأهداف متحركة لتدريب القوات واختبار الدفاعات الجوية، وضمان الجاهزية.

  • طائرات انتحارية: تُحلّق للعثور على هدف ثم تنقضّ عليه لتفجّر نفسها. (2)

  • طائرات مدنية للمستهلكين: صغيرة وسهلة الاستخدام، وغالبًا ما تُستعمل في التصوير.

  • طائرات تجارية: مخصصة لقطاعات مثل الزراعة والبناء والمسح الجوي، وغالبًا ما تكون مجهزة بأجهزة استشعار وكاميرات متخصصة لجمع البيانات.

  • طائرات شحن: تُستخدم في خدمات التوصيل التجاري ونقل الحمولات بدقة عالية، بما في ذلك في سلاسل الإمداد المدنية (3).

مسيرة درون صغيرة خلال التدريب في أوكرانيا - غيتي

من أرخيتاس إلى بريداتور: قصة المسيّرات

تشير بعض الروايات القديمة إلى أن استخدام تقنيات طيران بدائية بدأ في اليونان القديمة، حيث يذكر كتاب "The Big Book of Drones" أن أرخيتاس اخترع طائرًا ميكانيكيًا يعمل بالبخار، وطار به لمسافة 200 متر، لكن لا يمكن تأكيد ذلك من خلال السجلات أو الحقائق التاريخية.

في الوقت نفسه، استخدم الصينيون البالونات والطائرات الورقية لأغراض عسكرية بدائية، حيث طوّروا بالونات الهواء الساخن والطائرات الورقية، كما تمكّنوا من معرفة كيفية "قصف" عدوهم من الجو. إلا أنّ هذه البالونات لا تشبه المسيّرات من الناحية الفنية، كما أنه يمكن إسقاطها بسهولة، حتى باستخدام القوس والسهام البدائية.

وفي القرن الثامن عشر، ظهرت البالونات التجارية، لكن البدايات الفعلية للطائرات من دون طيار تعود إلى القرن التاسع عشر، مع تجارب نيكولا تيسلا في التحكم عن بُعد. وفي عام 1849، استخدم الجيش النمساوي بالونات محمّلة بالمتفجرات لقصف مدينة البندقية في إيطاليا. 

مع الحرب العالمية الأولى، بدأ تطوير أولى الطائرات القابلة للتحكم عن بُعد مثل "كيترينغ باغ" الأميركية و"الهدف الجوي" البريطانية، وكلاهما كان يُعتبر طائرات يتم التحكم فيها عن بُعد (4). 

وفي الحرب العالمية الثانية، أدّت الحاجة إلى مهام الاستطلاع إلى تطوير طائرات من دون طيار أكثر تطورًا، بما في ذلك طائرة الهجوم من دون طيار TDR التابعة للبحرية الأميركية. وكانت هذه الطائرة مزودة بكاميرات ويتم التحكم بها عن طريق طائرات مرافقة.

وكان الطيارون في الطائرات المرافقة يوجهون طائرة "TDR-1" نحو هدفها عبر كاميرات تلفزيونية مثبتة عليها. وعلى الرغم من أنها شهدت استخدامًا تشغيليًا محدودًا، إلا أن طائرة "TDR-1" أظهرت إمكانات الطائرات من دون طيار كأسلحة هجومية، كما يقول كتاب "Drones in Warfare".

جنود فرنسيون في خندق أثناء هجمة في معركة شامبانيا، خلال الحرب العالمية الأولى - غيتي
جنود فرنسيون في خندق أثناء هجمة في معركة شامبانيا، خلال الحرب العالمية الأولى - غيتي

في الحرب الباردة، دفعت الحاجة إلى الاستطلاع السري إلى تطوير طائرات متقدمة مثل AQM-34 Firebee، التي استخدمتها الولايات المتحدة على نطاق واسع خلال حرب فيتنام. وتمّ تجهيز هذه الطائرات من دون طيار بكاميرات وأجهزة استشعار إلكترونية لجمع المعلومات الاستخبارية.

وخلال تلك الحقبة، حلّت المحركات النفاثة محل محركات المكبس، مما زاد من السرعة والمدى. كذلك، وفرت أنظمة الملاحة بالقصور الذاتي (INS) ملاحة أكثر دقة، حتى في غياب إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). وسمح تطوير أجهزة استشعار أكثر إحكامًا للطائرات من دون طيار بجمع معلومات استخباراتية أكثر تفصيلًا.

وشهدت سنوات أواخر القرن العشرين توحيدًا لتكنولوجيا الطائرات من دون طيار وتنويعًا في أدوارها، فلم تعد تُستخدم فقط للاستطلاع، بل في الحرب الإلكترونية وتحديد الأهداف ودوريات الحدود.

ووفق كتاب "Drones in Warfare"، فإنّ إسرائيل كانت من أبرز مطوري المسيّرات في أواخر القرن العشرين، واستخدمتها على نطاق واسع في حرب لبنان عام 1982 للاستطلاع والحرب الإلكترونية.

أما التحول الكبير، فحصل بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، إذ أدت "الحرب على الإرهاب" إلى اعتماد الطائرات المسيّرة القتالية مثل MQ-1 بريداتور، التي صُمّمت للاستطلاع، ثم جرى تكييفها لاحقًا لحمل صواريخ "هيلفاير"، ما منحها قدرة على العثور على الأهداف وتدميرها.

مهّد ذلك الطريق لطرازات أكثر تقدمًا، مثل MQ-9 ريبر، الأكبر حجمًا والأطول تحمّلًا والأكثر قدرة على حمل الذخائر.

رغم دقتها، تُتّهم هذه الطائرات بالتسبب في إصابات بين المدنيين، وفتح الباب أمام حروب تفتقر إلى الشفافية والمساءلة. كما يشير كتاب "حرب إسرائيل السرية.. الطائرات من دون طيار" إلى أن الصواريخ والقنابل التي تطلقها المسيّرات مصممة للفتك ضمن دائرة لا تتجاوز 10 أمتار، ما يؤدي غالبًا إلى القتل أو الإعاقة.

وفي قطر يتراوح بين 50 و60 مترًا، يتراجع الخطر تدريجيًا، إلا أن الشظايا تبقى قاتلة إذا أصابت مناطق حيوية في الجزء العلوي من الجسم، لا سيما الرأس. (5)

المسيّرات.. سلاح يغيّر قواعد اللعبة

بحسب "Drones in Warfare"، تمثل المسيّرات نقلة نوعية في الحروب الحديثة، إذ تقلل من المخاطر البشرية، وتجنّب تعريض الجنود للخطر، وتوفر مراقبة مستمرة وجمعًا آنيًا للبيانات، سواء في البيئات الحضرية أو الصحراوية، ما يجعلها متعددة المهام بشكل فريد.

ومع ذلك، فإن انتشارها يطرح تحديات جديدة، خصوصًا مع استخدامها من قِبل جهات غير حكومية، وهو ما يفتح الباب أمام الإرهاب والأنشطة غير المشروعة. كما أن سباق تطوير وسائل الدفاع المضادة يتسارع.

من بين الطائرات الأكثر شهرة:

  • MQ-9 Reaper: أميركية، تطير لـ14 ساعة بسرعة تتجاوز 300 كلم/ ساعة، وقادرة على حمل 10 صواريخ وأكثر من 1700 كيلوغرام من المتفجرات.

  • Wing Loong: صينية، تطير لـ35 ساعة، وقادرة على حمل 10 أنواع من الأسلحة.

  • شاهد 136: إيرانية، استخدمتها روسيا، تطير لـ12 ساعة وتصل إلى مدى 4000 كلم. 

  • IAI Heron: إسرائيلية، تطير لـ52 ساعة وتُستخدم في غزة ولبنان (6).

  • Hermes 450 وHermes 900: إسرائيليتان، إحداهما تطير لـ20 ساعة والأخرى لـ36 ساعة، ومزودتان بصواريخ موجهة.

  • كواد كابتر: صغيرة وانتحارية، استخدمتها إسرائيل في عمليات اغتيال داخل غزة.

إطلاق مسيّرة إسرائيلية تكتيكية من الجيل الثالث (Skylark‑3) - غيتي
إطلاق مسيّرة إسرائيلية تكتيكية من الجيل الثالث (Skylark‑3) - غيتي

إلى ذلك، برز فاعلون جُدُد في عالم المسيّرات، على غرار تركيا كلاعب رئيسي خلال العقد الأخير عبر طائرات "بيرقدار TB2" التي استخدمت في سوريا وليبيا وناغورني كاراباخ، محققة تأثيرًا عسكريًا لافتًا.

كما طورت أوكرانيا مسيّرات هجومية واستطلاعية خلال حربها مع روسيا، فيما دخلت الهند وكوريا الجنوبية هذا المجال بقوة. ويكرّس هذا التوسع تعددية القوّة في مجال كان حكرًا على دول محدودة سابقًا.

التقنية خلف الطائرات من دون طيار

يكمن جوهر هذه الطائرات في مجموعة أجهزة الاستشعار الخاصة بها، والتي تعمل كعيون وآذان للطائرة، وتزوّدها بمعلومات فورية عن محيطها، بحسب كتاب "Drones in Warfare".

من أبرز أنواعها هذه المستشعرات:

  • الكاميرات الكهروضوئية (EO): تلتقط صورًا في الطيف المرئي، تمامًا مثل الكاميرا العادية، وبعضها مزوّد بعدسات تكبير لرصد التهديدات البعيدة.

  • أجهزة الأشعة تحت الحمراء (IR): تكشف الانبعاثات الحرارية، ما يسمح بالرؤية في الظلام أو الظروف المحدودة.

  • الرادار: يكشف الأجسام ويحدد بعدها وسرعتها واتجاهها، حتى في المطر أو الضباب.

  • LIDAR: يعتمد على ضوء الليزر لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة.

وتعتمد الطائرات المسيّرة أيضًا على أنظمة ملاحة مثل GPS وGNSS (GLONASS، Galileo، BeiDou) لتحديد الموقع بدقة.

وتُستخدم أنظمة الاتصالات اللاسلكية (RF) لنقل البيانات واستقبال الأوامر، وتضم أجهزة إرسال واستقبال متصلة بمحطات أرضية. وقد تتواصل عدة مسيّرات فيما بينها لتنسيق الحركات وتفادي الاصطدامات، أو مع أصول عسكرية أخرى.

في البيئات المتنازع عليها، تُزوّد المسيّرات بقدرات مضادة للتشويش، مثل تقنيات القفز الترددي وانتشار الطيف. كما تعتمد على خوارزميات ذكاء اصطناعي لاتخاذ قرارات فورية. أما في حال فقدان الاتصال، فيُفعّل نظام العودة التلقائية (RTH) لإعادتها إلى قاعدتها.

في الختام، تبدو المسيّرات اليوم في صدارة أدوات الحرب الحديثة. وبينما تتسابق الدول لتطويرها، يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لهذه الطائرات أن تعيد رسم ملامح الحروب، وتغيّر توازنات القوى العالمية؟

المراجع:

(1): صحيفة "وول ستريت جورنال" – مقال تحت عنوان " How Israel’s Mossad Smuggled Drone Parts to Attack Iran From Within"، تاريخ 15 حزيران 2025
(2): كتاب "Drones in Warfare"، إصدار عام 2025
(3): كتاب "Mastering Drone Technology with AI"، إصدار عام 2024
(4): كتاب "The Big Book of Drones"، إصدار عام 2022
(5): كتاب حرب إسرائيل السرية.. الطائرات من دون طيار، إصدار عام 2018
(6): تعرفوا على أخطر المسيّرات الهجومية في العالم، التلفزيون العربي

 

تابع القراءة

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي