الجمعة 29 مارس / مارس 2024

النشأة والحركات الإسلامية.. العثماني يتحدث لـ"العربي" عن انخراطه في العمل السياسي

النشأة والحركات الإسلامية.. العثماني يتحدث لـ"العربي" عن انخراطه في العمل السياسي

Changed

يقول العثماني لـ"العربي": إن "العدالة والتنمية" المغربي عمل قدر المستطاع على الدمج بين مفهومي الإسلامي والوطني
يتحدث العثماني في الحلقة الأولى من سلسلة حلقات من برنامج "وفي رواية أخرى" عن بدايات انخراطه في العمل السياسي داخل الحركات الإسلامية المغربية، ومراحل عدة بينها المشاركة في الانتخابات.

يحلّ رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" سابقًا الدكتور سعد الدين العثماني ضيفًا على شاشة "العربي" في سلسلة حلقات من برنامج "وفي رواية أخرى"، يتناول فيها جوانب من سيرته المهنية والفكرية والسياسية.

ويُعد ضيف زميلنا بدر الدين الصائغ شخصية طبعت المشهد الإسلامي الحركي والفكري والسياسي في المملكة المغربية على امتداد العقود الماضية.

وكان العثماني قد بدأ نشاطه داخل أوساط الحركة الإسلامية في السبعينيات، وواكب تطوّرها من فترة المواجهة والصدام مع الدولة إلى فترة المشاركة في العملية السياسية، بل تبوؤ المسؤولية في الحكومة، مرورًا بمراجعات وتحالفات ونكسات ونجاحات كثيرة.

وبالإضافة إلى مساره الحافل ذاك، كانت له ولا تزال مسيرة فكرية وأكاديمية مميّزة ومتنوعة. فهو كتب بتعمّق في الشريعة والفقه وعلاقتهما بالسياسة، فضلًا عن مجال عمله المباشر: الطب النفسي؛ الأمر الذي جعل البعض يعتبره أحد أهم منظري الحركة الإسلامية السياسية في المغرب.

وقد اتفق كل من خصومه وأنصاره على هدوئه واتزانه ومرونته، مثلما اختلفوا على خياراته وقراراته السياسية، سواء في الحكومة أو في الحزب.

سعد الدين العثماني النشأة والتعليم

في أولى إطلالاته يتحدث العثماني عن نشأته، فيلفت إلى أنه وُلد عام 1956 في مدينة إنزكان الواقعة في منطقة سوس.

ويشير إلى إقامته وعائلته لأعوام وسط المدرسة العتيقة في قرية كان والده يدرّس فيها، ناقلًا ما ترويه والدته عن أنه كان في عمر الخامسة تقريبًا يحضر في بعض الأحيان بعض مجالس العلم، التي كان يرأسها والده.

العثماني الذي يتحدث عن ضعف ذكرياته عن تلك المرحلة، يؤكد مع ذلك قوة البصمات التي تركتها، وتأثيرها عليه نفسيًا ومعرفيًا.

يقول: "كان الوالد يدرسنا في البيت القرآن الكريم وبعض الحكم والأشعار البسيطة بالعربية منذ نعومة أظفارنا".

ويغوص في ذاكرة تلك المرحلة، فيوضح أن الأمازيغية كانت منذ بضعة عقود هي السائدة في منطقة سوس، وكثير من أبنائها لم يكونوا يعرفون اللغة العربية.

ويلفت إلى أنه لم يتحدّث العربية إلا بعد دخوله إلى المدرسة، حيث كانت الأمازيغية هي لغة التخاطب في البيت، وهو الأمر المستمر حتى اليوم مع والدته وإخوته. 

ويوضح أن والده، الذي أوصاه وإخوته بالاندفاع ليكونوا سباقين إلى أي أمر جديد فيه خدمة للإنسان أو معرفة، تلقّى ثقافة تقليدية في المدارس العتيقة لكنه أردف إليها ثقافة عصرية، فكان يطّلع على أحدث ما صدر في الثقافة العربية خلال الخمسينيات.

ويوجز الأمر بالقول: "نحن أبناء كتب، نشأنا في مكتبته".

بدأ العثماني نشاطه داخل أوساط الحركة الإسلامية في السبعينيات
بدأ العثماني نشاطه داخل أوساط الحركة الإسلامية في السبعينيات

عن سبب دراسته للطب، يجيب بأن ذاك سؤال لا يستطيع الإجابة عليه، كاشفًا أنه كان يكتب مقالات طبية لبعض المجلات ومنها "العلم والإيمان" في مرحلة الدراسة الثانوية.

ويشير إلى أنه انتقل إلى الدار البيضاء ودرس الطب العام ثم مارسه لثلاث سنوات، وذلك قبل أن يقوم بدراسة تخصّص الطب النفسي.

والعثماني تابع بالتوازي دراسته في الشريعة والدراسات الإسلامية وحصل على دبلوم الدراسات العليا. ومما يتحدث عنه في هذا الصدد التحاقه أواخر السبعينيات بكلية الشريعة في سوس، التي كان والده يدرّس فيها، فكان هو من بين فوج طلابها الأول.

ويمرّ كذلك على دخوله إلى دار الحديث الحسنية وتخرجه منها، وعلى المرحلة التي تلت ذلك في كلية الآداب مع الدراسات الإسلامية.

"وجدت نفسي في بيت علم ودين ووطنية"

نشاطه الحركي والدعوي وسبب سلوكه هذا الاتجاه منتصف السبعينيات، "سؤال يصعب الإجابة عليه أيضًا" يقول العثماني، الذي يلفت إلى أنه وجد نفسه في بيت علم ودين وكذلك في بيت الوطنية.

ويتوقف عند الدور الذي لعبه والده، حيث كانت له مساهمة كبيرة في الحركة الوطنية في عهد الاستعمار.

ويقول إن أستاذ أبيه كان الحاج محمد الحبيب التنالتي، وهو من كبار علماء وصلحاء سوس خرّج أجيالًا من العلماء وكان مجاهدًا.

ويلفت العثماني إلى أنه رافق والده مرارًا في زيارته للتنالتي، وحضر بعض دروسه وكان حينها في الثالثة عشرة تقريبًا.

والعثماني يشير إلى أنه وجد نفسه عندما تفتّح وعيه وهو يعمل في المدرسة والمسجد والبيت ومع الأصدقاء في الثقافة الإسلامية والدعوى الإسلامية بشكل تلقائي.

ويتحدث عن تأسيسه وزملاءه ومنهم عبد الله بها في المدرسة الثانوية مجموعة لا علاقة لها بأي جهة خارج المكان ضمن نشاط طلابي، يتضمن دروسًا في المسجد وتوزيعًا لكتيبات وإلقاء المحاضرات وتنظيم المسابقات.

أما التواصل مع تنظيم "الشبيبة الإسلامية"، فيوضح أنه لم يتم بالنسبة له وللأستاذ عبد الله بها إلا بعد الحصول على البكالوريا، وانتقال بها إلى الرباط، والعثماني إلى الدار البيضاء للالتحاق بكلية الطب عام 1976.

ويتحدث عن امتعاض من خط عبد الكريم مطيع منذ بداية التواصل مع شخصيات في حركة الشبيبة الإسلامية، ولهذا حدث الانفصال وتأسّست الجماعة الإسلامية.

والجماعة الإسلامية تأسّست عام 1980، ثم شُنّت في العام التالي حملة أمنية اعتُقل فيها العثماني وعدد من الناشطين لبضعة أشهر.

يعد العثماني شخصية طبعت المشهد الإسلامي الحركي والفكري والسياسي في المغرب على امتداد العقود الماضية - تويتر
يعد العثماني شخصية طبعت المشهد الإسلامي الحركي والفكري والسياسي في المغرب على امتداد العقود الماضية - تويتر

يوضح العثماني أنه تم إطلاق سراحهم من دون محاكمة بعد قرابة أربعة أشهر قضوها في الاعتقال، إذ لم يجدوا لهم تهمة في نهاية الأمر.

وفيما يمر على فترة الاعتقال تلك، يشير إلى أنها توزّعت بين مركز الأمن في الدار البيضاء ومعتقل سري يُسمى "درب مولاي الشريف"، كان والمعتقلين الآخرين آخر فوج يدخله. 

لكنه يتحدث عن تعذيب في مركز الأمن وليس في المعتقل السري، حيث استكملت في الأخير الاستجوابات التي نُفذت في مركز الأمن.

ويردف لم يثبت علينا أي شيء، لأن التهمة كانت توزيع مناشير وكتابة بعض العبارات التي تحمل هجومًا على النظام على الجدران، وتلك كانت مكيدة ضدنا، وقد ثبت بعد التحقيق والتدقيق أن لا علاقة لنا بتلك الممارسات.

ويستطرد: "كنا في بدايتنا، ولا يمكن أن نقوم بذلك، حيث كنا نقوم بالاتصال بالإخوة في مختلف المناطق والمدن لتجميع الجماعة الإسلامية وصياغة الوثائق الأولى؛ وضع الميثاق والنظام الأساسي".

إلى ذلك، يلفت العثماني إلى أن "الجماعة الإسلامية كانت غايتها دعوية ثقافية ودينية"، مشيرًا إلى أن الهدف منها كان التمايز عن خط الصدام مع الدولة وحركة الشبيبة الإسلامية.  

وعن صحة التهمة حول اغتيال بعض أعضاء الشبيبة الإسلامية عمر بن جلون عام 1975، يذكر بأن القضاء قال كلمته.

ويلفت إلى أنه لم يحضر هذه الأحداث، ويصعب عليه أن يجزم بأي شيء.

وفيما ينفي نفيًا قاطعًا أن يكون قد اقتنع في المرحلة الأولى من عمله الحركي في الشبيبة الإسلامية قد مال أو اقتنع شيئًا ما بفكرة المجابهة مع الدولة أو استخدام العنف وسيلة للتغير، يلفت إلى أن شخصيات التقى فيها من بينهم الشيخ محمد زحل وربطته بهم علاقات قوية في تلك المرحلة كانوا ضد هذه الممارسات.

ويذكر بأن زحل ظل يلقي دروس الوعظ في المساجد وخطبة الجمعة لسنوات طويلة بعد مرحلة الانفصال عن الشبية الإسلامية وبقينا متعاونين، متحدثًا في هذا الصدد عن تأسيس مجلة "الفرقان" عام 1984. 

"حركة الإصلاح والتجديد"

تحوّلت الجماعة الإسلامية في بداية التسعينيات إلى حركة "الإصلاح والتجديد"، وينفي العثماني أن يكون قد تم حينها تغيير النهج.

ويقول: إن الأسس هي تلك التأسست في مرحلة الجماعة الإسلامية، لكن مع مرور الوقت أدركنا أن الاسم وكأنه يوحي بنوع من الانفصال عن المجتمع، وفيما لم يكن ذلك نيتنا إلا أن الأسماء تفهم أحيانًا بطرق غير سليمة.

ويضيف: قلنا لنتخلَّ عن لفظ الإسلامية، فالإسلام موجود في ثقافتنا وأسلوب عملنا وأخلاقنا والمبادئ التي نتحدث عنها.

ويوضح أن ما تقدم كان من بين أسباب أخرى قريبة منه لتغيير الاسم إلى حركة "الإصلاح والتجديد"، مؤكدًا أنه لم يكن آنذاك تفكيرًا في ممارسة أي عمل سياسي.

ويوضح أن هذا الأمر جاء بعد عامين من خلال حزب التجديد الوطني، متحدثًا عن رفض الإدارة بداية على مستوى استلام الملف، ثم جاء الرفض كتابة عند إرسال الملف مرة أخرى. 

وفيما يلفت إلى أن المبررات لم تكن مقنعة، يقول: لكن نحن سلكنا أسلوبًا براغماتيًا.

فيشير إلى منقاشة موضوع الانتقال إلى مرحلة المشاركة في العمل السياسي ضمن مجلس شورى حركة الإصلاح والتجديد، قبل إيداع ملف تأسيس حزب "التجديد الوطني".

ويكشف أنه تم إعداد ورقة لهذه المشاركة تتضمن بديلين: العمل على تأسيس حزب سياسي، والعمل على الانخراط في حزب سياسي موجود إن رفض البند الأول.

والعثماني يلفت إلى أنه منذ عام 1992 تقريبًا قررت حركة الإصلاح والتجديد أن ينخرط عدد من أعضائها في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بالاتفاق مع الدكتور عبد الكريم الخطيب.

ويضيف أن في الوقت نفسه كانت هناك اتصالات مع رابطة المستقبل الإسلامي، التي جمعت بين عدد من الجمعيات الإسلامية الأخرى، ليتم الاندماج بين حركة الإصلاح والتجديد والرابطة، وهو الأمر الذي انتهى بالفعل إلى تأسيس حركة "التوحيد والإصلاح" عام 1996.

"دمج بين مفهومي الإسلامي والوطني"

ردًا على سؤال، يؤكد رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" سابقًا الدكتور سعد الدين العثماني أن حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية" مؤسستان مستقلتان، وكل واحدة تتخذ قراراتها باستقلالية تامة عن المؤسسة الأخرى، لكن في إطار تعاون وشراكة في بعض المجالات في حال التوافق.

ويشير إلى أن الحركة قررت التركيز على وظائفها الأساسية وهي الدعوة والتربية والتكوين، فيما اختصاص الحزب المجال السياسي، لذا هناك تمايز حتى في الوظائف. 

ويصف الحديث عن أن "التوحيد والإصلاح" هي المرجعية الفكرية والإيديولوجية لحزب "العدالة والتنمية" بالـ"غير صحيح".

ويضيف: صحيح أن هناك مشتركات بينهما، ولكن ليست هناك مرجعية فكرية واحدة بالنسبة للحزب، بل مرجعيات. 

إلى ذلك، يلفت إلى أن "العدالة والتنمية" المغربي عمل قدر المستطاع على الدمج بين مفهومي الإسلامي والوطني، مؤكدًا استقلال الحزب تكوينًا وانطلاقًا وتنظيمًا ونشاطًا عن جماعة الإخوان المسلمين.

ما الذي يقوله العثماني عن أول انتخابات برلمانية تم خوضها عام 1997، وكيف ظهرت تسمية حزب "العدالة والتنمية"، الإجابات وتفاصيل أخرى عن النهج ومقاربات العثماني، في الحلقة المرفقة من "وفي رواية أخرى".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close