بعد سقوط نظام بشار الأسد، يعلّق السوريون آمالاً عريضة على قطاع النفط والغاز في بلادهم، التي يصعب الشروع في إعادة إعمارها من دون الاستعانة بالموارد المالية التي يأتي بها الذهب الأسود.
فعليًا، بدأت عمليات الكشف عن النفط في سوريا في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، لكن لم يتم الإنتاج التجاري حتى عام 1968[1]، لتبدأ سوريا بتحقيق إنتاج يومي متوسط وصل إلى قرابة 560 ألف برميل نفط يوميًا في أواسط التسعينات من القرن الماضي، ثم إلى 667 ألف برميل يوميًا في 2002[2]، ثم عاد ليحافظ على مستويات 350 ألف برميل يوميًا بشكل وسطي حتى عام 2011؛ لتتعرض الآبار بعدها لمشاكل فنية ولوجستية أدت لتراجع الإنتاج.
وكان الغاز المرافق لإنتاج النفط قد دخل في الاستثمار عام 1975 وذلك عبر الشركة السورية للنفط التي استثمرته في توليد الطاقة الكهربائية، ولاحقًا اعتمدت سوريا على إنتاج الغاز في مسائل تتعلق بتوفير وقود الطهي (أسطوانات الغاز المنزلي) وكذلك توليد الكهرباء، ولم تجرِ عمليات تصدير للغاز خارج البلاد، على عكس النفط الذي تم تصديره.
أولاً: إنتاج النفط في سوريا واستهلاكه وتقدير حجم الفجوة
1. إنتاج النفط في سوريا
مرّ إنتاج النفط في سوريا بثلاث مراحل رئيسية هي:
- مرحلة الإنتاج المستقر: وهي الفترة الزمنية التي تمتد بين فترة اكتشاف النفط 1968 وحتى أواخر الثمانينات، حيث كانت سوريا تنتج بين 200 إلى 300 ألف برميل[3]. في هذه المرحلة، كانت أسعار النفط تقل عن 16 دولارًا[4] بالأسعار الجارية، وهو ما يعني أن موارد سوريا النفطية كانت تزيد عن 1.1 مليار دولار أميركي سنويًا وهو مبلغ ليس بالقليل، كونه يساوي حوالي 25% من موازنة البلاد السنوية. لكنّ هذه المبالغ لم تكن تلحظ في الموازنة أي أن النفط لم يكن يدخل فعليًا، ولكنه كان يذهب لصالح التسليح من دون إفصاح عن تفاصيله (بحسب ادعاء السلطة في سوريا)، كما كانت موارد الفوسفات تستخدم لصالح إنتاج النفط أي أن الفوسفات المباع كانت موارده تستثمر لتغطية نفقات النفط، وبالتالي كانت موارد النفط هي مكاسب صافية[5].
- مرحلة الذروة: وهي الفترة الممتدة من التسعينات إلى مطلع 2011، وفيها بدأ إنتاج سوريا بالارتفاع نتيجة لدخول مؤسسات تنقيب أجنبية إضافية، وقد ارتفع إنتاج سوريا في هذه المرحلة إلى فوق 400 ألف برميل يوميًا ليصل إلى أكثر من 600 ألف في مطلع الألفية الجديدة. وفي هذه المرحلة بدأ سعر النفط بالارتفاع حيث كان 36 دولارًا للبرميل في التسعينات ليصل إلى 75 دولارًا في 2007 ثم ما يزيد عن 140 دولارًا في 2008، وفي هذه المرحلة استثني النفط أيضًا من موازنة الدولة، ولم يكن يعرف أي شيء عن مصيره. في هذه المرحلة استطاعت سوريا أن تحقق مكاسب لا تقل عن 14 مليار دولار سنويًا من موارد النفط على أقل تقدير، يتوقع أنها صبت في حسابات آل الأسد بشكل رئيسي.
- مرحلة التراجع: منذ 2011 بدأ انتاج النفط يتراجع نتيجة لتعطل الآبار، وغياب الموظفين المتكرر، وخروج شركات النفط العالمية من سوريا، وكذلك فرض عقوبات على النظام السوري. بدأ النفط ينحدر إلى ما دون 100 ألف برميل، فتناوب على السيطرة على الحقول الأساسية كل من تنظيم الدولة ومن بعده قسد (قوات سوريا الديمقراطية) التي حققت وسطي إنتاج قدره 50 ألف برميل يوميًا على أحسن تقدير، مع حفاظ النظام على قرابة 15 ألف برميل يوميًا في مناطق سيطرته ومن حقول صغيرة عمل على صيانتها، مما يجعل إجمالي انتاج النفط حوالي 65 إلى 70 ألف برميل يوميًا فقط. وفي هذه المرحلة حافظ النفط على سعر 100 دولار لكل برميل لعدة سنوات ثم تراجع دون 50 دولارًا سنوياً، ولحدود 20 في فترة كورونا 2020، ثم عاد لمستويات أعلى من 75 دولارًا في فترة 2023 و2024. وفي هذه المرحلة كان النفط السوري يباع بأسعار مخفضة نتيجة للعقوبات، لذا يُعتقَد أن موارد سوريا السنوية كانت قرابة مليار دولار أميركي وزعت على جهات السيطرة المختلفة، فتارة كان تنظيم الدولة وتارة أخرى كان النظام إلى أن سيطرت عليه قوات قسد في 2017 وحتى نهاية 2024 ليتركز معظم النفط في يدها.

2. استهلاك النفط في سوريا
يستخدم النفط في سوريا في أربع قطاعات رئيسية هي:
- استهلاك السكان من الوقود لصالح التدفئة: بلغ عدد سكان سوريا مطلع السبيعينات حوالي سبعة ملايين نسمة[6]، وتطور هذا الرقم تباعًا ليصل إلى وسطي 15 مليون في التسعينات ثم وسطي 20 مليون في الألفية الثالثة، ويتوقع أن الأعداد مع سقوط النظام السوري وداخل سوريا هي قرابة 20 مليون إضافة لملايين أخرى خارج البلاد، وهنا توزع الحكومة منتجات النفط بأسعار مدعومة، حيث تتحمل الحكومة عبر موازنتها كلفة هذا الدعم الذي يعتبر الفرق بين سعر السوق العالمي والسعر الذي يوزع به النفط.
- استهلاك السيارات في سورية لعمليات النقل والمواصلات: وهو ما يباع في السوق بأسعار مدعومة من قبل الحكومة، حيث تتحمل الحكومة تكلفة الدعم وتحصل عليه من الموارد العامة للموازنة، وفي سوريا قرابة مليوني سيارة[7].
- استهلاك المصانع ومؤسسات الدولة ومولدات الطاقة: وهو ما يباع في السوق كذلك أو يوزع على مؤسسات الدولة بأسعار مدعومة، وتعتمد سوريا على إنتاج حوالي ثلث طاقتها من الفيول، والثلثين بين غاز وطاقة المياه.
- التصدير: وهو العملية الأساسية التي كان النظام يعتمد عليها في تحقيق موارده قبل 2011، حيث يباع النفط بالأسعار العالمية.
3. تقدير حجم الفجوة
تقدّر احتياجات سوريا اليومية من النفط بحوالي 100 ألف برميل نفط يوميًا[8] ويدخل في هذه الاحتياجات ما كانت تستهلكه قوات الأسد المنتشرة في عموم البلاد، والتي يمكن أن يوفر حلّها قرابة 25 ألف برميل يوميًا على أقل تقدير.
وهذا يعني أن الكميات الحالية في سوريا تساوي ما تحتاجه سورية تقريبًا مع عجز طفيف، ولكن هذا مشروط بأن تترك قسد الكميات لصالح الحكومة المركزية، وفي حال استطاعت الحكومة الحصول على موارد النفط من مناطق شرق سوريا الغنية بالنفط وتسليمها لمؤسسات ذات خبرة يمكن أن تغطي سوريا احتياجاتها، وتبدأ بالزيادة بكل تأكيد لتعود إلى مستويات قريبة من 200 ألف برميل يوميًا في السنوات الخمس المقبلة وذلك بسبب حاجة الحقول للصيانة.
وبالمجمل فإن احتياطي النفط في سوريا يقدر بحوالي 2.4 إلى 2.5 مليار برميل من النفط[9] وهو ما يكفي لإنتاج 200 ألف برميل يوميًا ولمدة تزيد عن ثلاثين عامًا.

ثانيًا: إنتاج الغاز واستهلاكه وتقدير حجم الفجوة
1. إنتاج الغاز في سوريا
تعد مسألة تقدير إنتاج الغاز وكمية استهلاكه أكثر تعقيدًا من النفط، إذ تنتشر حقول الغاز بشكل مكثف في الحسكة وتدمر في ريف حمص إضافة إلى دير الزور وأرياف دمشق.
تحتلّ سوريا المرتبة 42 عالميًا من حيث الاحتياطات[10]، حيث تقدر الهيئة الجيولوجية الأميركية احتياطيات سوريا من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط فقط بـ700 مليار متر مكعب[11]، وهي احتياطات لم تستخدم بعد، ويُعَدّ استثمارها أمرًا مكلفًا ويحتاج لاستقرار سياسي وفترة زمنية لا تقل عن بضع سنوات.
كما يقدّر إجمالي احتياطات الغاز في البلاد بـ250 مليار متر مكعب وهو ما يمثل 1.2 بالألف من احتياطي العالم[12].
وعند النظر إلى الانتاج الفعلي نستطيع أن نفصل الأمر كالآتي:
تسيطر قوات سوريا الديموقراطية بشكل رئيسي على حقل العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا كذلك الأمر في دير الزور كما تسيطر على الرميلان في الحسكة وحقول أصغر في الحسكة والرقة، ويقع حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويدية في الحسكة تحت نطاق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية كذلك، وهذه الحقول هي حقول نفطية تحتوي على كميات من الغاز لا يتم استثمارها في الوقت الحالي.
وأما الحكومة الحالية فتسيطر بشكل رئيسي على حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطية في دير الزور، وحقل الثورة في الرقة، وحقل جزل في حمص (وسط). كما تُمسك بحقل الشاعر، أكبر حقول الغاز، وحقول صدد وآراك في حمص، ويتوقع أنه من الممكن أن تتقدم لحقول شرق دير الزور بعد أن سيطرت على كامل المدينة، ولكن هذا يحتاج لتفاهمات أكبر مع قسد.
2. استهلاك الغاز في سوريا
يستخدم الغاز في سوريا لثلاثة أغراض رئيسية، أولها هو توليد الطاقة الكهربائية، والثاني هو الطبخ، والثالث هو التصنيع.
ولتقدير كميات الغاز المطلوبة يوميًا، سنتبع أكثر من منهج، هي:
- تصريحات المتخصصين في قطاع الطاقة في حكومة النظام السوري:
- حيث قال مدير شركة توزيع المحروقات السورية (سادكوب) مصطفى حصرية إن حاجة سوريا للغاز هي 1400 طن يوميًا من الغاز (حوالي 2 مليون متر مكعب)[13].
- كما صرح وزير الطاقة في حكومة النظام السوري السابق أن انتاج سوريا اليومي من الغاز يبلغ 12 مليون متر مكعب، يذهب 85% منه للكهرباء، وجزء لمعمل الأسمدة والجزء الآخر هو استهلاك منزلي[14].
- مدير مؤسسة النفط السورية في الحكومة قال إن إنتاج سوريا اليومي بلغ 12.5 مليون متر مكعب، يسلم 79% منه لصالح وزارة الكهرباء، و6% لوزارة الصناعة، و15% لصالح وزارة النفط[15].
- صرح مدير الإنتاج في مؤسسة الكهرباء نجون خوري أن إنتاج الكهرباء في سوريا في كل المحطات هي 2 غيغا واط أي ما يعادل 25% فقط من احتياجات سوريا (البالغة 8 غيغا واط)، وقال إن السبب هو نقص توريدات الغاز[16].
- نشرت صحيفة الثورة بعددها الورقي الصادر في 09-08-2009 أن إنتاج سوريا من الكهرباء هو 7.1 ميغا واط، وبأن استهلاك 22 مليون سوري هو 6.5 غيغا واط.
ولكي نستطيع فهم هذه التصريحات المتضاربة في ظاهرها، علينا أن نعرف أن النظام يستند للآتي:
- عدد سكان سوريا يفوق 24 مليونًا في 2022، وبالتالي يتوقع أن الاستهلاك في هذه الحالة يقدر بـ8 غيغا بناءً على عدد السكان.
- إنتاج الغاز اليومي وسطيًا بحسب تصريحات المسؤولين هو 11 مليون متر مكعب، مبني على إنتاج الحقول الحالية بعد تحسينها وتطويرها.
بالتالي نتحدث بحسب هذه الحالة عن:
- حصة مؤسسة توليد الكهرباء هي حوالي 9 مليون متر مكعب يوميًا، ما يكفي لإنتاج (5 غيغا واط) من الكهرباء، وهي كمية لو تم إنتاجها ستعطي كهرباء لكامل الأراضي السورية بوضعها الحالي من دون انقطاعات كبيرة.
- حصة قطاع الأسمدة حوالي 600 ألف متر مكعب يوميًا (ما يكفي لإنتاج 600 طن سماد يوريا يوميًا، وكمية صغيرة من الأمونيا).
- حصة الغاز المنزلي حوالي 1.4 مليون متر مكعب يوميًا (ما يساوي 950 ألف جرة غاز يوميًا، بعد الأخذ بعين الاعتبار كمية الهدر)، أي أننا أمام مجموع يقدر بـ11 مليون متر مكعب يوميًا، وهو ما يساوي الإنتاج الحالي.
بالتالي، فإننا نتحدث عن كميات كافية من الغاز، كافية لغاز الطبخ، ولإنتاج السماد، وكذلك لتغطية محطات الطاقة الكهربائية التي تعمل بالغاز، بالتالي فإن مشاكل الكهرباء لن تكون في كميات الغاز أو مصدر توليد الطاقة ولكن بالبنية التحتية للكبلات ونظام التوزيع والخبرات الفنية.

بالملخص..
بدأ إنتاج النفط في سوريا أواخر الستينات بكميات تتراوح بين 200 و300 ألف برميل؛ ثم ارتفع ليصل إلى أكثر من نصف مليون برميل يوميًا في التسعينات وأكثر من ستمئة ألف برميل في 2002، وكان النفط قد بدأ بالتراجع مع 2011 بسبب توقف الإنتاج من قبل الشركات الأجنبية المستثمرة في سوريا، وكذلك تعطل حقول النفط، وضعف الخبرات، حيث نجد أن الإنتاج الكلي لا يتجاوز 70 ألف برميل يوميًا موزعة بين مناطق سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرة الحكومة المركزية.
وبتقدير الاحتياجات اليومية فإن سوريا يمكن أن تحتاج حوالي 75 ألف برميل يوميًا من النفط، وهو ما يزيد قليلاً عن إنتاجها، بالتالي فإن تحويل حقول النفط الموجودة في مناطق قسد سيعطي قدرة لتغطية الاحتياجات بجانب حقول النفط في مناطق الحكومة المركزية، وفي حال تم رفع العقوبات عن سوريا فإن عودة شركات النفط الأجنبية لسوريا سيعطي ما يزيد عن 200 ألف برميل يوميًا، وهي كميات ستوفر مبالغ جيدة للخزينة العامة.
بالنسبة للغاز فإن معظم الحقول موجودة في منطقة الحكومة الحالية، وهي كميات تساوي حوالي 11.5 مليون متر مكعب يوميًا، وهو ما يغطي احتياجات سوريا اليومية من الغاز وذلك لإنتاج الطاقة الكهربائية وتوريد الغاز المتعلق بالطهي، وكذلك الغاز المعد للأسمدة.