الجمعة 29 مارس / مارس 2024

"الهروب الكبير" من سجن غزة.. شهود يوثّقون العملية "التاريخية"

"الهروب الكبير" من سجن غزة.. شهود يوثّقون العملية "التاريخية"

Changed

يُعتبَر الشهيد مصباح الصوري العقل المدبّر لعملية الهروب من سجن غزة المركزي عام 1987، وهو أسير سابق أمضى 14 عامًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

في 17 مايو/ أيار 1987 وقعت عملية هروب كبيرة في سجن غزة المركزي، حيث نجح ستة أسرى فلسطينيين في الهروب من معتقل شديد الحراسة.

نتيجة للعملية، حشد الجيش الإسرائيلي قواته وطارد الأسرى داخل قطاع غزة. لكن، رغم ذلك، استطاع الأسرى تنفيذ عمليات عسكرية، وقتلوا قائد الشرطة العسكرية بالقطاع رون طال.

وفي نهاية المطاف، قبض جيش الاحتلال على أحدهم وقتل ثلاثة آخرين، وفرّ أسيران إلى مصر، ليسدل الستار على واحدة من أهمّ وأكبر عمليات هروب الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

عن هذه العملية، سلّطت حلقة "كنت هناك" الضوء، من خلال شهادات حيّة لبعض من شاركوا في تنفيذ العملية، ممّن ما زالوا على قيد الحياة، ومن بعض الشهود عليها، ممّن اختاروا توثيق تلك العملية التاريخية، بكلّ لحظاتها الصعبة، والخطيرة ربما.

مصباح الصوري.. "العقل المدبّر"

يُعتبَر مصباح الصوري العقل المدبّر لعملية الهروب من سجن غزة المركزي عام 1987، وهو أسير سابق أمضى 14 عامًا في السجون الإسرائيلية.

وقد اكتسب مصباح الصوري خلال هذه السنوات خبرة بأساليب حراسة السجون وحاول خلالها الهرب مرتين وبعد إعادة اعتقاله في العام 1987 قرّر المحاولة مرّة ثالثة، فكانت "ثابتة".

يقول عماد الصفطاوي، وهو أحد منفذي عملية الهروب، إنّ "الأمر كلّه تفكيرًا وتخطيطًا وحلمًا، كان من بنات أفكار الشهيد مصباح الصوري رحمه الله". ويستذكر كيف أبلغه مصباح، وقد كانا في زنزانة واحدة، بتخطيطه لعملية الهروب، مضيفًا: "حينها صُدِمت، لأنّ مبدأ التفكير والتخطيط إضاعة للوقت".

"ضرب من الخيال"

من جهته، يشير الكاتب والمحاضر الجامعي السابق أحمد الحاج إلى أنّ السجن كان "جزءًا من حصن غزة، وهو مركز إداري ومركز شرطة رئيس، وسجن لقضاء غزة كاملًا".

أما صالح إشتيوي، وهو أيضًا أحد منفذي عملية الهروب، فيقول إنّه كان يجب التفكير "مئة مرّة" قبل الهروب من سجن غزة المركزي، بالنظر إلى التحصينات الأمنية المحيطة به.

ويلفت مسؤول التوثيق في مؤسسة مهجة القدس ياسر صالح إلى أنّ هذا السياج الأمني يؤكد على "صعوبة التفكير بالخروج من هذا السجن لأنه ضرب من الخيال، أن تفكّر أو أن تعمل للخروج من هذا السجن".

التحدي الأبرز في "خطة الهروب"

الغرفة رقم 7 في السجن باء الواقع في الطابق الثاني لسجن غزة المركزي شديد الحراسة والتحصين وسط مدينة غزة، كانت مسرح تنفيذ خطة الهروب. وكانت الخطة تقوم على تهريب قطعة منشار إلى داخل السجن، ووصلت إلى مصباح خلال إحدى الزيارات داخل رغيف خبز.

وتمثّل التحدّي الأبرز في الحفاظ على "سرّ" خطة الهروب داخل غرفة فيها 25 أسيرًا. اختار مصباح عددًا من الأسرى يتوقع الحكم عليهم بأحكام عالية وأبلغهم بخطته، ووزّع عليها المهام التي تضمن القيام بنشر قضبان نافذة حمام الغرفة، من دون أن يفتضح الأمر.

يقول عماد الصفطاوي: "اتفقنا بداية على ألا يعلم أحد بوجود خطة هرب سوانا، وهذا كان أمرًا غاية في الصعوبة". ويضيف: "اتفقنا كذلك على ألا نستعين بأحد من خارج السجن، بمعنى أنّ خطتنا تنتهي عند سور السجن".

ويشير إلى أنّ "توزيع المهام كان ضمن المحدّدات، بمعنى أننا نريد أن نحافظ على نسق عادي في الحياة داخل الغرفة، حتى لا يشكّ أحد أنّ هناك شيئًا يجري".

"القرار اتُخِذ"

مع استمرار عملية نشر القضبان، كان على الأسرى التغلّب على صوت النشر والتعمية على عملية التفتيش اليومية لكامل مرافق الغرفة، بما فيها قضبان الغرفة.

وبعدما أصبحت القضبان جاهزة وقابلة للثني، اتُخِذ القرار ببدء عملية الهروب ليلة 17 مايو/ أيار 1987، وأبلغ الأسرى رفاقهم في الغرفة، لكن حصل أمر لم يكن في الحسبان.

يقول الصفطاوي في هذا السياق: "الهاجس الأساس الذي كان يمكن أن يصيبنا في مقتل وينهي العملية، هو أن تأتينا عملية تفتيش مفاجئة".

في اليوم التالي بعد منتصف الليل، ودّع الأسرى رفاقهم مجدّدًا، وثنيت القضبان، وكان مصباح الصوري أول من خرج، من نافذة غرفة حمّام السجن.

الاحتلال يستنفر قواته

صباح يوم الهروب، كان على ضابط السجن أن يفتح باب الغرفة ويبدأ بعدّ الأسرى وصولًا عند الرقم 25، لكنّ العدّ توقف عند الرقم 19.

يقول الشاهد على عملية الهروب في قلب الزنزانة عبد السلام أبو السرهد: "عندما توقف عند الرقم 19، تمّ الرد عليه أنّ العدد ليس 19 وإنما 25، فتوجّه إلى الأسرّة، حيث وضع كلّ أسير خرج من السجن أمتعته على أنه موجود، وبمجرد أن رفع متاع أول أسير وجد أنه لا يوجد أسير، فتيقّن أنّ هناك عملية هروب".

في النتيجة، استنفر الاحتلال كل قواته بحثًا عن الأسرى الستّة الذين انفصلوا في أكثر من مجموعة، وكان على كل منهم أن يبحث عن مكان للاختباء أو سلاح للمواجهة.

يروي صديق أحد منفذي عملية الهروب صقر البلتاجي أن شقيق زوجته محمد الجمل كان من بين الهاربين، مشيرًا إلى أنّه لم يتوقّع حينها أن يزوره، وهو ما حصل بصورة مفاجئة، حيث طلب أن يرى والدته.

ويقول الكاتب والمحاضر الجامعي السابق أحمد الحاج إنه "بعد أن نجح الأسرى في الهروب من السجن وبدأ التفتيش عنهم، حصلت حالة استنفار كامل في الجيش الإسرائيلي في غزة، وتم فرض منع تجول على كل المنطقة المحيطة بسجن غزة المركزي".

من جهته، يقول الصفطاوي: "اللحظات الأكثر خطورة أننا لم نفلح في أن نصل إلى بيت يؤوينا، فإن لم نحظَ بمساعدة حاسمة سننكشف".

عمليات بطولية بتوقيع الأسرى

تصاعدت وطأة مطاردة الأسرى وتمكّن الاحتلال من اعتقال صالح إشتيوي، وبينما كان على بقية الأسرى أن يحسموا خياراتهم، كانت رصاصات مصباح الصوري تستقرّ في جسد غاليلي غروسي ضابط المخابرات الإسرائيلية، شرقي حيّ الشجاعية.

تمكّن خالد صالح وعماد الصفطاوي من مغادرة قطاع غزة، في حين نشط مصباح الصوري، محمد الجمل، وسامي الشيخ خليل في مطاردة جنود الاحتلال، واستطاعوا قتل قائد الشرطة العسكرية في قطاع غزة رون طال من مسافة الصفر.

وفي الأول من أكتوبر، وبعد أربعة أشهر على الهروب من سجن غزة المركزي، قُتِل مصباح الصوري بكمين للجيش الإسرائيلي. وفي السادس من الشهر ذاته، لحق محمد الجمل وسامي الشيخ خليل بمصباح، خلال اشتباك مع الجيش شرقي حي الشجاعية، أسفر عن مقتل ضابط مخابرات، ليسدل الستار على عملية ستبقى للتاريخ.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close