Skip to main content

الهند وإسرائيل.. عداء فتحالف عابر للحدود ضد الجماعات الإسلامية

الجمعة 16 مايو 2025
مودي مرحبا بنتنياهو خلال زيارته الى الهند عام 2018 - غيتي

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 10 مايو/ أيار الجاري التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، وضع حدًا لأعنف مواجهة بينهما منذ عام 1999. 

وقال ترمب في منشور عبر منصته تروث سوشيل: "بعد ليلة طويلة من المحادثات التي توسّطت فيها الولايات المتحدة، يسعدني أن أُعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار شامل وفوري"، مشيدًا بالبلدين "للجوئهما الى المنطق السليم والذكاء العظيم".

وعلى مدى أربعة أيام، تبادلت الجارتان النوويتان قصفًا مدفعيًا وهجمات بمسيّرات وصواريخ، الأمر الذي أثار مخاوف من تطوّر الوضع إلى حرب شاملة بينهما. 

مناصرون لحزب المؤتمر الوطني يحرقون مجسما لترمب لتوسطه في الحر ب-غيتي

وبدأ التوتر في 22 أبريل/ نيسان عندما شهد الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين، هجومًا نفذّه مسلحون قتلوا خلاله 26 شخصًا في موقع سياحي، واتّهمت الهند جماعة "عسكر طيبة"، التي تتخذ من باكستان مقرًا لها بتنفيذ الهجوم، لكن إسلام آباد نفت أي علاقة لها به ودعت إلى تحقيق مستقل.

ونفذت الهند ضربات على العديد من المدن الباكستانية انتقامًا لهجوم كشمير، وردّت باكستان بدورها، ما أثار دوامة من الهجمات والهجمات المضادة.

وبينما قال الرئيس الأميركي إن تدخّل بلاده منع وقوع "حرب نووية كان من الممكن أن تقتل ملايين الأشخاص"، أفادت تقديرات غير نهائية صادرة عن البلدين أن الهجمات المتبادلة أسفرت عن مقتل نحو 70 مدنيًا وعسكريًا من الجانبين.

ولجأ البلدان إلى استخدام الطائرات المسيّرة في هجماتهما، وأفاد الجيش الباكستاني بأنّه أسقط "25 طائرة مسيّرة إسرائيلية الصنع"، وفي تقارير أخرى 77 طائرة مسيّرة، أطلقتها الهند باتجاه تسع مدن على الأقل، تقع في عدد منها مقرّات عسكرية أو استخبارية، كما هو حال روالبندي التي تعد المدينة التوأم لإسلام آباد.

طائرات مسيّرة إسرائيلية للهند

وقال الجيش الباكستاني إن بعض الهجمات الهندية نفذت بمسيرات "هاروب" (Harop) الهجومية التي تنتجها شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وتُستخدم كذخائر طائرة تنفجر عند ارتطامها بالأهداف. 

وكان لافتًا أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أكدّ قبل اندلاع الاشتباكات بين البلدين، في منشور على إكس، وقوف تل أبيب إلى جانب نيودلهي، قائلاً إنها "تقف متحدة مع الهند"، معربًا عن "حزنه البالغ إزاء هذا الهجوم الإرهابي الشنيع ضد سياح". 

هذا في حين تواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع نظيره الهندي ناريندرا مودي خلال الاشتباكات بين نيودلهي وإسلام آباد، معربًا عن تعازيه بعد الهجوم الذي وقع في كشمير، وكتب نتنياهو عبر صفحته على منصة "إكس" إنه تحدث مع مودي وإن بلديهما "يقفان جنبًا إلى جنب في المعركة الحرجة ضد الإرهاب القاتل".

نتنياهو ومودي خلال زيارة الاخير لاسرائيل عام 2017-غيتي

وقال نتنياهو: "ناقشنا أيضًا تقدم مبادرة ممر النقل والاتصالات، والتي ستربط آسيا،  عبر المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بالقارة الأوروبية".

وتتمتع الهند وإسرائيل بعلاقات دافئة منذ انتخاب ناريندرا مودي رئيسا للوزراء في الهند، وشهد البلدان في عهده تعاونًا عسكريًا كبيرًا، بحيث أصبحت إسرائيل ثالث مورّد للسلاح الى الهند بعد روسيا وفرنسا، ففي الفترة ما بين عامي 2019 إلى 2023، أصبحت الهند أكبر مستورد للأسلحة من إسرائيل بنسبة بدأت بنحو 15% ووصلت إلى 37% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية.

وتشتري الهند من إسرائيل أسلحة تتمتّع بتكنولوجيا متطورة، ومنها الطائرات المسيّرة مثل مسيرة "هيرون" (Heron) و"سيرشر" (Searcher)، ومنظومات دفاع جوي مثل "سبايدر" (SPYDER)، و"باراك إل آر" (BARAK-LR)، وطائرات إنذار مبكر، وأدوات رؤية ليلية، وصواريخ أرض-جو، والجدران الألكترونية لتحسين الرقابة على الحدود، وسواها. 

هنود يقاتلون في غزة

وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أشارت بعض التقارير إلى قيام نيودلهي بتزويد الجيش الإسرائيلي بالذخائر، وفي يونيو/حزيران 2024 اُستهدف ملجأ تابع للأمم المتحدة في منطقة النصيرات بالقطاع بقذيفة كُتب عليها "صنع في الهند".

كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن شحنة أسلحة هندية انطلقت من ميناء تشيناي إلى حيفا، ومنعتها إسبانيا من الرسو في موانئها لاحتوائها على متفجرات، ونقل تقرير للصحيفة عن وسائل إعلام هندية أنه في فبراير/ شباط 2024 زوّدت الهند لأول مرة إسرائيل بطائرات مسيرة متطورة من طراز "هيرميس 900" تم تصنيعها في مدينة حيدر أباد.

وجاء في التقرير أن المصنع الذي أنشأته إسرائيل في حيدر أباد لتزويد الجيش الهندي بهذه الطائرات المسيرة، حوّل 20 منها خصيصًا للجيش الإسرائيلي بسبب النقص الذي حدث خلال الحرب. والمصنع مشروع مشترك بين شركة الدفاع الإسرائيلية "إلبت سيستمز" Elbit Systems واتحاد الملياردير الهندي غوتام أداني، هو الأول في العالم الذي ينتج هذه الطائرات المسيرة خارج إسرائيل.

وأكثر من ذلك، وفقًا لتقرير صادر لصحيفة "إنديا توداي"، فإن ما لا يقل عن 400 هندي قاتلوا على الخطوط الأمامية مع الجيش الإسرائيلي خلال الأسابيع الأولى للعدوان على قطاع غزة، وبعضهم متطوعون جدد ومستوطنون من ذوي الأصول الهندية اُستدعوا للخدمة من صفوف قوات الاحتياط.

كما كان رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي من أوائل الزعماء في العالم الذين أكدوا دعمهم للعدون الإسرائيلي، ففي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 شدّد مودي خلال اتصال نتنياهو به هاتفيًا، على أنّ بلاده تقف بحزم إلى جانب إسرائيل "في هذا الوقت الصعب".

من العداء إلى الصداقة

كانت الهند تاريخيًا من أكثر دول العالم دعمًا للقضية الفلسطينية، حتى أنها صوّتت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 ضد تأسيس دولة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحتى عندما اعترفت بها عام 1950 لم تُقم معها علاقات دبلوماسية كاملة حتى عام 1992، ولم تكن إسرائيل ممثلة في الهند قبل ذلك إلا على مستوى قنصلية مقرها في بومباي (مومباي لاحقا). 

انديرا غاندي في استقبال ياسر عرفات خلال زيارته للهند عام 1980-غيتي

وكان دعم الفلسطينيين جزءًا أساسيًا من سياسة الهند الخارجية التي قامت لعقود على دعم حركات التحرر ومبادئ عدم الانحياز، وحافظت الهند في ظل حكم حزب المؤتمر الوطني الهندي على هذه السياسة، منذ أول انتخابات فاز بها الحزب عام 1952 وتوليه السلطة حتى عام 1989.

وخلال هذه الفترة أنشأت الهند علاقاتٍ قوية مع منظمة التحرير الفلسطينية، إذ كانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني عام 1974، وفي عام 1975 أُنشئ مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في نيودلهي، وأُقيمت علاقات دبلوماسية كاملة بين الجانبين عام 1980، كما كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين، حين أُعلنت في المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عام 1988.

وفي المقابل ظلَّت العلاقة مع إسرائيل تتسم بالبرود رغم دعم إسرائيل عسكريًا للهند خلال حربي 1965 و1971 مع باكستان.

قناة إسرائيلية مع بهاراتيا جانا سانغ

وسعت إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي إلى فتح قناة اتصال مع حزب "بهاراتيا جانا سانغ" اليميني الذي ورثه حزب "بهاراتيا جاناتا"، وعقد دبلوماسيون إسرائيليون سلسلة اجتماعات مع أعضاء البرلمان وقيادة الحزب الذين أبلغوا الجانب الإسرائيلي معارضتهم لسياسة الحكومة الهندية إزاء إسرائيل وتعاطفهم مع تل أبيب.

وبعد انتخابات 1977 التي أصبح بعدها حزب "جانا سانغ" جزءًا من ائتلاف يسمى جاناتا أطاح بحزب المؤتمر الوطني، زار وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان الهند سرًا في أغسطس/ آب من العام نفسه، والتقى رئيس الوزراء الهندي مورارجي ديساي.

وبعد الكشف عن الزيارة دافع حزب بهاراتيا جاناتا "الجديد" عن العلاقة مع تل أبيب بالقول: "إسرائيل حقيقة من حقائق الحياة. إنها دولة صغيرة، ولكنها متقدّمة وكانت دائما صديقة للهند. ليس سرًا أن إسرائيل عرضت الأسلحة على الهند عام 1965 خلال الأزمة الباكستانية وصوتت مع الهند في الأمم المتحدة، وكانت الهند من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، ومن مصلحة الهند أن تكون هناك علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين".

وعندما توفي موشيه دايان أرسل الحزب برقية تعزية فيه قال فيها: "تحتاج الهند إلى تحسين قوتها العسكرية وتعلّم التمييز بين أصدقاء وأعداء محتملين. في الوضع الراهن، إسرائيل والهند هدفان مشتركان للعالم الإسلامي. القنبلة الإسلامية مخصصة لهذين البلدين فقط، لذلك من الأهمية بمكان أن تعزز الهند علاقاتها مع إسرائيل".

زيارة شارون للهند  

ولكن العلاقات بين البلدين عادت إلى سابق عهدها من الفتور بعد عودة حزب المؤتمر إلى السلطة عام 1980، إلى أن أقام البلدان علاقات دبلوماسية كاملة عام 1992، بعد نحو عام من مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفيتي الحليف الوثيق لنيودلهي لعقود. 

الرئيس الهندي وشارون خلال زيارة الاخير للهند 2003-غيتي

ومنذ ذلك الوقت تحسنت العلاقات الهندية الإسرائيلية بشكل مضطرد إلى حد بدت فيه كأنها على الضدّ مما كانت عليه في بداياتها، وتجلّى ذلك في تعاون عسكري كبير وفي تزويد إسرائيل الهند بالأسلحة المتطورة خلال حرب كارغيل عام 1999 بين الهند وباكستان.

وتعتبر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون إلى الهند عام 2003 الأولى على هذا المستوى، ونقلة نوعية في علاقات البلدين، ورافق شارون فيها وفد كبير من 150 عضوًا، أغلبهم من العاملين في الصناعات الدفاعية، وشهدت تلك الزيارة توقيع 6 اتفاقيات، بما في ذلك بيع ثلاثة أنظمة إنذار وتحكم جوي من طراز "فالكون" للهند. 

مودي ونتنياهو ضد "العدو الإسلامي"

وكان ناريندرا مودي أول رئيس وزراء هندي يزور تل أبيب عام 2017، وقال مودي بعيد وصوله إلى إسرائيل إن الدولتين ستعملان معًا لبناء الرخاء وللتعاون في محاربة الإرهاب، وكان اللافت أن مودي لم يزر رام الله كعادة الزوار الكبار الذين يصلون إلى المنطقة، حرصًا على إظهار نوع من التوازن إزاء الصراع في الشرق الأوسط.

نتنياهو وزوجته سارة خلال زيارتهما للهند عام 2018-غيتي

ووصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة مودي بأنها "تاريخية"، وستعمّق "التعاون في عدد واسع من المجالات، الأمن والزراعة والمياه والطاقة، في معظم المجالات التي تعمل فيها إسرائيل".

وكان أول لقاء بين مودي ونتنياهو عام 2014 على هامش مشاركتهما في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ومنذ ذلك الوقت تطورت علاقة شخصية وليس سياسية فقط بين الرجلين اللذين يريان أن بلديهما مستهدفتان من عدو مشترك واحد، هو الجماعات الإسلامية في العالم، وأن من شأن اتحادهما والتنسيق بينهما دحر هذا العدو.

المصادر:
خاص موقع التلفزيون العربي
شارك القصة