انطلقت اليوم الثلاثاء عملية التصويت في انتخابات تشريعية بغرينلاند قد تفرز جدولًا زمنيًا للاستقلال، في استحقاق طغت عليه تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يطمع في ضم الجزيرة القطبية الشمالية بإصرار يصل إلى حد التهديد أحيانًا.
وحاول ترمب الواثق من أنه سيتمكن من وضع يده على الجزيرة الإستراتيجية "بطريقة أو بأخرى"، حتى اللحظة الأخيرة التأثير على المسار الانتخابي، مثيرًا الدهشة والرفض، وفي حالات نادرة الحماسة بين سكانها الـ57 ألفًا.
وقد فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة التاسعة صباحًا بالتوقيت المحلي (11 صباحًا بتوقيت غرينيتش)، على أن تغلق في الساعة الثامنة مساء، فيما يُتوقع إعلان النتائج خلال الليل.
وقال رئيس وزراء غرينلاند المنتهية ولايته ميوت إيغده، زعيم حزب "إنويت أتاكاتيجيت" اليساري البيئي، الإثنين إن "بلادنا في عين العاصفة".
وأضاف في مقطع فيديو على فيسبوك: "العالم الخارجي يراقبنا عن كثب، وقد رأينا مؤخرًا إلى أي مدى يحاولون التأثير على بلدنا".
تركزت الحملة الانتخابية على مسائل الصحة والتعليم والاقتصاد ومستقبل العلاقات مع الدنمارك، التي لا تزال رغم الحكم الذاتي الممنوح للمستعمرة السابقة منذ العام 1979، تمسك بالقرار في المسائل السيادية مثل الخارجية والدفاع.
ويشكو سكان غرينلاند الذين يشكل الإنويت نحو 90% منهم، من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية من جانب السلطة المركزية الدنماركية المتهمة بقمع ثقافتهم وإجراء عمليات تعقيم قسرية وانتزاع أطفال من عائلاتهم.
وقد تعزز هذا الشعور بعد أن بث التلفزيون الدنماركي العام مؤخرًا فيلمًا وثائقيا ـ تعرّض لانتقادات دفعت إلى سحبه في نهاية المطاف ـ يزعم أن الدنمارك حققت أرباحًا هائلة من استغلال منجم للكريوليت في الجزيرة، رغم أنه يُصوَّر في كثير من الأحيان على أنه عبء مالي.
وعلى غرار الأكثرية الساحقة من السكان، تنادي كل الأحزاب الرئيسية بالاستقلال، لكنّ مواقفها تتباين حيال الجدول الزمني اللازم اعتماده لبلوغ هذا المطلب.
وترغب جهات في غرينلاند بالاستقلال عن الدنمارك بأسرع وقت، بينها حزب "ناليراك" المعارض الرئيسي، فيما تربط جهات أخرى هذا الجدول بالتقدم الاقتصادي في غرينلاند، مثل المكونين في الائتلاف المنتهية ولايته "إنويت أتاكاتيجيت" و"سيوموت" (ديموقراطيون اشتراكيون).
"لا نريد أن نكون أميركيين"
وبعد أن طرح شراء غرينلاند خلال ولايته الأولى، في فكرة قوبلت برفض شديد من سلطات الدنمارك وغرينلاند، عاود ترمب خلال الأشهر الأخيرة التأكيد على رغبته في وضع اليد، وبالقوة إن لزم الأمر، على المنطقة التي يعتبرها مهمة للأمن الأميركي في مواجهة روسيا والصين.
وقد وعد ترمب مجددًا ليل الإثنين الثلاثاء عبر شبكته الاجتماعية "تروث سوشل"، بالأمن والازدهار لمواطني غرينلاند الذين يرغبون في "أن يكونوا جزءًا من أعظم أمة في العالم".
وبحسب استطلاع للرأي نُشر في يناير/ كانون الثاني الماضي، يرفض نحو 85% من سكان غرينلاند هذا الاحتمال.
وعلق رينيه أولسن (58 عامًا)، وهو عامل إصلاح سفن، الإثنين بالقول: "اللعنة على ترمب! لا نريد أن نكون أميركيين".
وأثارت تصريحات الرئيس الأميركي الذي وصفه رئيس وزراء غرينلاند المنتهية ولايته ميوت إيغده بأنه شخص "لا يمكن توقّع" سلوكه، حالة من الارتباك خلال الحملة الانتخابية.
ويرى المحللون أن تدخل ترمب في الحملة الانتخابية يساهم في زيادة حالة الاستقطاب العمودي في النقاشات، وتعزيز قناعات كل طرف، لكن من غير المتوقع أن يؤثر على نتيجة التصويت.
وقال أستاذ العلوم السياسية الدنماركي أولريك برام غاد لوكالة "فرانس برس": إن رسالة الرئيس الأميركي الأخيرة "توضح كيفية إصرار إدارة ترمب على التدخل في انتخابات دول أخرى، ولكن بعد ألمانيا (حيث دعم إيلون ماسك المقرب من ترمب اليمين المتطرف)، لا بدّ لهم أن يعرفوا أن هذا يضر بهم".