قبل 52 عامًا، صُدم العالم بوفاة أيقونة الفنون القتالية بروس لي، الذي رحل عن عمر 32 عامًا، وهو في ذروة عطائه الفنّي الذي ألهم الآلاف للانضمام إلى رياضة الدفاع عن النفس.
وتمكّن عدد قليل من الفنانين من الوصول إلى مستوى بروس لي، الذي أصبح في طليعة مشهد الفنون القتالية في سان فرانسيسكو في الستينيات، قبل أن يُصبح نجمًا عالميًا في أوائل السبعينيات.
ولعب بروس لي أدوار البطولة في 5 أفلام فنون قتالية، حيث ارتقى إلى مستويات فنية متقدّمة في سنّ مبكرة.
وإزاء ذلك، توقّع الكثيرون أن يتمتع لي بمهنة طويلة ومثمرة، إلا أنّه لسوء الحظ، وصلت مسيرته الفنيّة إلى نهاية مفاجئة ومأساوية تمامًا حيث تُوفي في يوليو 1973.
وظهرت العديد من نظريات المؤامرة في أعقاب وفاته، وبعضها لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا.
عوارض سبقت النهاية المأساوية
قبل شهرين من وفاته، انهار لي في 10 مايو/ أيار 1973 أثناء جلسة دبلجة لفيلمه "Enter the Dragon"، حيث اشتكى من صداع شديد ونوبات صرع، نُقل على إثرها إلى المستشفى.
شخّص الأطباء حالته على أنّها "الوذمة الدماغية"، وهي حالة طبية يُسبّب فيها السائل الزائد في الدماغ التوّرم والألم. وتمكّن الأطباء من علاجه على الفور باستخدام دواء "مانيتول" المُدرّ للدم.
وبعد إقامة قصيرة في المستشفى، شعر بتحسّن كبير، وقال لأصدقائه: "هذه ليست الطريقة التي يموت فيها بروس لي".
وبعد خروجه من المستشفى، استأنف بروس لي على الفور نظام لياقته البدنية المعتاد واستمرّ في تناول نظامه الغذائي المعتاد المؤلف من مزيج صارم من الخضار والأرز والأسماك والحليب، والذي يستبعد جميع السلع المخبوزة والدقيق المُكرّر ومعظم السكريات المكرّرة.
حتى 20 يوليو، بدا أنّ بروس لي كان يتعافى بشكل جيد للغاية من "الوذمة الدماغية" رغم أنّه كان يشكو بين الحين والآخر من الصداع.
يوم وفاة بروس لي
كان يوم وفاة بروس لي في 20 يوليو/ تموز 1973، يومًا مزدحمًا. لقد كان في اجتماع مع المنتج ريموند تشاو في هونغ كونغ طيلة اليوم لمناقشة فيلمه المقبل. وكان يشعر بالحماسة، حيث كان يُمثّل مشهدًا تلو الآخر بطاقة وحيوية، على الرغم من حرارة الصيف الحارقة.
بعد الاجتماع، لجأ لي إلى شقة صديقته الممثلة التايوانية بيتي تينغ باي، حيث أمضيا وقتًا طويلًا هناك وأعدّا خطط العشاء مع منتج لي لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة الفيلم.
حوالي الساعة 7:30 مساءً، قبل وقت قصير من موعد مغادرتهما للقاء تشاو، اشتكى لي من صداع، فقدّمت له تينغ باي لي مسكن الألم "إيكواجيسيك" (Equagesic)، والذي يحتوي على الأسبرين ومهدئ يُعرف باسم الميبروبامات. وذهب بعدها للاستلقاء قليلًا.
وبعدما طالت مدة نومه، ذهبت تينغ باي للاطمئنان عليه لكنّه لم يستجب لها، فاستدعت المنتج تشاو الذي حاول بدوره إيقاظ لي لكن من دون جدوى. استدعى الاثنان طبيبًا أمضى بدوره عشر دقائق أخرى في محاولة إنعاش لي، من دون جدوى ايضًا. فجرى نقله إلى مستشفى قريب في سيارة إسعاف. وبحلول الوقت الذي وصلت فيه سيارة الإسعاف إلى المستشفى، كان بروس لي قد توفي.
وأظهر تشريح الجثة أنّ بروس لي تُوفي نتيجة تورّم شديد في الدماغ، حيث أدى تراكم السوائل إلى زيادة حجم الدماغ بنسبة 13%، نتيجة تناوله مسكن الألم "إيكواجيسيك".
من هو بروس لي؟
وُلد بروس لي واسمه الحقيقي لي جون فان في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1940، في الحي الصيني في سان فرانسيسكو، في عام التنين وفق التقويم الصيني.
والده هو لي هوي تشوين، مغني أوبرا في هونغ كونغ وممثل غير متفرّغ، بينما تنحدر والدته غريس من عائلة أوراسية بارزة. وبعد وقت قصير من ولادته، عادت الأسرة إلى هونغ كونغ، حيث أمضى لي سنوات تكوينه.
انغمس في صناعة الترفيه منذ صغره بسبب مهنة والده، وظهر في العديد من الأفلام في طفولته.
انطبعت سنوات مراهقته بمعارك الشوارع والتورّط مع العصابات المحلية. وسعيًا للدفاع عن نفسه وتوجيه طاقته بشكل إيجابي، بدأ بدراسة رياضة "وينغ تشون كونغ فو" تحت رعاية المعلم "ييب مان" في سن الـ13.
عام 1959، وبعد سلسلة من معارك الشوارع والمخاوف بشأن سلامته، قرّر والدا لي إرساله إلى الولايات المتحدة. عاش في البداية في سان فرانسيسكو قبل أن ينتقل إلى سياتل، حيث أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة إديسون التقنية، ثمّ التحق بجامعة واشنطن وتخصّص في الفلسفة.
خلال هذه الفترة، بدأ لي أيضًا بتدريس فنون الدفاع عن النفس، ومزج التقنيات التقليدية مع فلسفاته الخاصة والتي وضعت الأساس لفنون الدفاع عن النفس المعروفة باسم "جيت كيون دو" (Jeet Kune Do).
بروس لي يجذب انتباه هوليوود
جذبت كاريزما لي وبراعته في فنون الدفاع عن النفس، انتباه هوليوود في النهاية، حيث اُسند له دور "كاتو" في المسلسل التلفزيوني "The Green Hornet".
على الرغم من أن العرض لم يدم طويلًا، إلا أنّه قدّم لي للجمهور الأميركي والخارجي.
وبعد أن شعر بالإحباط بسبب الفرص المحدودة في هوليوود والأدوار النمطية المقدّمة للممثلين الآسيويين، عاد لي إلى هونغ كونغ في أوائل السبعينيات. ولم يكن يعلم أنّ مسلسله "The Green Hornet" لاقى نجاحًا كبيرًا هناك، حيث كان يُعرف باسم "The Kato Show"، ما عزّز شعبيته بشكل كبير.
وبالاستفادة من هذه الشهرة الجديدة، لعب لي دور البطولة في سلسلة من أفلام الفنون القتالية التي نالت استحسانًا عالميًا. جاء دوره المتميّز مع "The Big Boss" عام 1971، يليه "Fist of Fury" عام 1972، و"Way of the Dragon" في العام نفسه، وهو الفيلم الذي كتبه وأخرجه وقام ببطولته.

وعرضت هذه الأفلام فلسفته في الفنون القتالية ورؤيته السينمائية، ما دفعه إلى النجومية العالمية. وكان فيلمه الأخير "Enter the Dragon" عام 1973، أول مشروع مشترك بين استوديوهات هونغ كونغ وهوليوود، ما عزّز مكانته كرمز ثقافي.
وحينها، كان لي متزوّجًا من ليندا إيمري لي، ولديهما طفلان، براندون وشانون.
نظريات مؤامرة
وعلى الرغم من أنّ العديد من التحقيقات اللاحقة دعمت تقرير الطبيب الشرعي حول سبب وفاة بروس لي، إلا أنّ ذلك لم يمنع انتشار طوفان من نظريات المؤامرة.
عام 1975، زعم صديقه الممثل تشاك نوريس أنّ وفاة بروس لي كان نتيجة تفاعل مع مرخيات العضلات التي كان يتناولها.
وأثارت كلمات نوريس جدلًا حول ما الذي كان لي يتناوله أيضًا: المنشطات للحفاظ على لياقته، أو المكمّلات العشبية للحفاظ على صحته.
وانتشرت شائعة أخرى تُفيد بأنّ بروس لي كان تحت تأثير منشّط جنسي قوي جعله يفقد السيطرة على تصرّفاته خلال إقامته علاقة مع فتاة ليل قتلته دفاعًا عن النفس، بينما اتّهم معجبوه عشيقته بيتي تينغ باي بتسميمه عمدًا، وأنّها كانت تعمل لصالح جمعية سرية أرادت موت بروس لي.
وألقت نظريات أخرى اللوم على المافيا الإيطالية والصينية والأميركية.
لعنة عائلة لي
غير أنّ النظرية التي لا تزال تحظى بالتأثير الأكبر بين المعجبين هي قصة لعنة عائلة لي.
وعادت أسطورة اللعنة على عائلة لي إلى النور بعد 20 عامًا من وفاة الممثّل الشهير، وتحديدًا عندما كان براندون لي، الابن الوحيد لبروس لي، يسير على خطى والده كممثل وبطل فنون قتالية.
في عام 1992، كان براندون لي نجمًا صاعدًا، حيث حصل على دوره الأول بعمر الـ28 عامًا. وكان يلعب دور إيريك درافن في فيلم "The Crow"، وهو كتاب هزلي تحوّل إلى فيلم يتناول قصة موسيقي روك يعود من بين الأموات للانتقام لمقتله وخطيبته، في مشاهد مظلمة على طراز جوثام.
لكن في حادث غريب، تعرّض براندون لي لإطلاق نار في بطنه أثناء التصوير، حيث لم يكن من المفترض أن يكون السلاح يحمل ذخيرة.
وكما هو الحال مع والده، انتشرت شائعات عن وجود مؤامرة حتى بعد أن حكم المسؤولون أن وفاة براندون لي كانت حادثًا.
ونشر شخص معلومات تُفيد بأنّ الأخ الأكبر لبروس لي قد توفي أيضًا في ظروف غامضة قبل ولادة بروس لي. وبهذا أصبحت الشائعات لغزًا كاملًا.
في السنوات التي تلت ذلك، توصّلت دراسات أخرى إلى وجود روابط بين تورّم دماغ بروس لي، وضربة الشمس، والإفراط في استهلاك المياه.
وكان لدى بروس لي العديد من عوامل الخطر التي يُمكن أن تجعل جسمه يحتفظ بالمياه الزائدة، بما في ذلك الماريجوانا، والمواد الأفيونية، والأدوية المضادة للصرع، ومدرّات البول، والكحول، وتاريخ سابق من إصابة الكلى الحادة، وممارسة الرياضة.
ولكنّ المؤكد هو أنّ التاريخ رسم نهاية الأسطورة التي ألهمت الكثيرين للانضمام إلى الفنون القتالية.