بعد اتفاق وقف إطلاق النار.. هل يعرقل الاحتلال خطط إعادة إعمار غزة؟
أعلنت الحكومة البريطانية أنها استضافت مؤتمرًا لحشد التمويل اللازم لإعادة إعمار قطاع غزة بمشاركة دول عدة ومستثمرين دوليين.
وأسفر المؤتمر وفق الحكومة البريطانية عن تحقيق تقدم كبير على صعيد إيجاد السبل الكفيلة بتوفير تمويل خاص مستدام لعملية إعادة الإعمار.
وقد تزامن ذلك مع إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى عن خطة لإعادة الإعمار تمتد على مدى خمس سنوات.
مؤتمر في القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة
فيما أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي استضافة القاهرة مؤتمرًا دوليًا لهذه الغاية الشهر المقبل.
يأتي ذلك فيما تتجه الأنظار إلى المراحل المقبلة من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وعلى رأس أجندات هذه المراحل وفق المفترض، بدء عمليات إعادة الإعمار التي تقدر كلفتها وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بنحو 70 مليار دولار.
وفي واقع الأمر، تعتبر عملية إعادة الإعمار من أصعب قضايا المرحلة المقبلة وأكثرها تعقيدًا بالنظر لعوامل عدة أبرزها عدم وجود خطوات وآليات محددة متفق عليها بين إسرائيل وحماس وحتى الوسطاء، بل إن هناك تصورات ورؤى مختلفة حيال الملف، وسط مخاوف من إقدام إسرائيل على عرقلة إعادة الإعمار كما فعلت عقب حروب سابقة في القطاع.
في سياق ذلك قال مستشار كبير في البيت الأبيض إن مواد البناء لن تدخل إلى مناطق سيطرة حماس، كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر قولها إن حكومة نتنياهو رفضت إدخال الإسمنت ومواد البناء الأخرى مزدوجة الاستعمال لقطاع غزة خلال المرحلة الأولى من الاتفاق.
خطة إعمار قطاع غزة
في سياق الحديث عن خطة إعادة إعمار قطاع غزة، أوضح أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أن الخطة ترتكز على ثلاث مراحل مترابطة: الإغاثة العاجلة، والتعافي المبكر، ثم إعادة الإعمار.
وأكد في حديث للتلفزيون العربي من مدينة غزة أن هذه المراحل لا يمكن فصلها عن بعضها، بل من الممكن البدء بها جميعًا في آن واحد.
وأشار الشوا إلى أن حجم الدمار في القطاع كبير جدًا، حيث تتكشف يوميًا مشاهد مأساوية تعكس حجم الكارثة، خاصة في المناطق التي انسحب منها الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا، وبيّن أن التقديرات تشير إلى أن نحو مليون ونصف مواطن فقدوا مساكنهم، فيما تجاوزت نسبة الدمار في القطاعات الاقتصادية 90%، ودُمرت قرابة 98% من الأراضي الزراعية بفعل العدوان الإسرائيلي.
وأضاف أن المرحلة الحالية تركز على الإغاثة العاجلة، إلا أن الاحتلال لا يبدي أي نية لتسهيل هذه الجهود، بل يضع العراقيل منذ بدايتها، وأوضح أن القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية لا تزال قائمة، والمعابر الستة في القطاع لا يعمل منها سوى معبر كرم أبو سالم ومعبر كيسوفيم، بينما الأربعة الأخرى مغلقة حتى الآن.
وتطرق الشوا إلى تجربة عام 2014، حين فرض الاحتلال ما سُمي آنذاك آلية لإعادة الإعمار بمشاركة الأمم المتحدة، تهدف إلى مراقبة دخول مواد البناء باعتبارها ذات استخدام مزدوج، محذرًا من احتمال فرض شروط جديدة تعرقل جهود الإعمار، في ظل واقع يجعل غزة غير صالحة للحياة.
وشدد على أن عملية الإعمار يجب أن تنطلق من احتياجات سكان غزة، لا من أولويات الجهات الممولة، مؤكدًا أن القطاع لا يحتاج إلى إعادة إعمار فحسب، بل إلى إعادة بناء شاملة للبنية الاقتصادية والاجتماعية التي دمرها العدوان.
وأكد الشوا ضرورة إشراك المواطنين الفلسطينيين في صياغة رؤية الإعمار، بما يشمل الشباب والنساء والقطاعات الاقتصادية، وأن يكون لهم دور فعلي في التنفيذ.
كما أشار إلى وجود ما بين 55 إلى 60 مليون طن من الركام المنتشر في مختلف أنحاء القطاع، إلى جانب كميات كبيرة من المتفجرات ومخلفات الحرب التي تعيق عمل المؤسسات الإنسانية وتعرض السكان للخطر يوميًا.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن الاحتلال لا يزال يمنع إدخال المعدات اللازمة لفتح الطرق وإزالة الركام، فضلًا عن منع دخول مواد الإيواء والمستلزمات الصحية الضرورية.
الاحتلال يعرقل إعادة إعمار غزة
في سياق متصل، رأى الباحث في الشأن الإسرائيلي جاكي خوري أن المساعدات الموجهة لإنقاذ غزة من واقعها الكارثي قد تتلاشى تدريجيًا، مشيرًا إلى أن إعادة الجثامين بعد تبادل الأسرى تمثل إحدى العقبات.
وفي حديثه للتلفزيون العربي من مدينة الناصرة، أكد خوري أن إسرائيل لا تبدي أي نوايا إيجابية لتيسير الأوضاع في غزة، حيث يكرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ اندلاع الحرب رفضه لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، كما يرفض استمرار حكم حركة حماس فيه.
وأوضح خوري أن هناك أفكارًا تُطرح ببطء شديد في ظل دخول نتنياهو عامًا انتخابيًا جديدًا، ما يدفعه إلى انتهاج سياسة المماطلة في التعامل مع ملف المساعدات والإعمار، خاصة في حال وجود ضغوط أميركية.
وأشار إلى أن تعطيل عملية الإعمار يهدف إلى خلق حالة من اليأس بين سكان غزة، ودفعهم نحو الهجرة الطوعية.
وأضاف أن إسرائيل قد تعتمد سياسة فتح المعابر أمام من يرغب بالمغادرة، بدلًا من اللجوء إلى التهجير العسكري المباشر، لافتًا إلى وجود جهات إسرائيلية تعمل بهدوء على تسهيل خروج المرضى ومرافقيهم دون ضمان عودتهم، في ظل غياب رؤية واضحة لعملية إعادة الإعمار.
"إسرائيل تخرق الاتفاقات"
من جانبه، أكد السفير معتز أحمدين خليل، مندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة، أن الموقف المصري واضح في رفضه التام للتهجير القسري، ويعمل على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة إعادة إعمار غزة، والتي تتضمن إدخال المساعدات الإنسانية، فتح المعابر، توفير معدات إزالة الركام، إنتاج الخبز، وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.
وفي حديثه للتلفزيون العربي من القاهرة، أشار خليل إلى أن مؤتمرات دولية لإعادة الإعمار يُتوقع عقدها في القاهرة ولندن، بمشاركة أطراف دولية.
ونبه إلى أن إسرائيل تخرق الاتفاقات القائمة، وأن المفاوض المصري يطرح هذه الانتهاكات أمام الجانبين الأميركي والإسرائيلي.
وأضاف أن مصر تلعب دورًا ضاغطًا من خلال إعلانها نيتها تنظيم مؤتمر للإعمار الشهر المقبل، بهدف للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، رغم صعوبة الضغط على إسرائيل.
وشدد خليل على أن استقبال مصر لبعض سكان غزة تم لأسباب إنسانية بحتة، وليس ضمن خطة منظمة للتهجير، مؤكدًا رفض مصر الكامل لهذا التوجه، كما حذر من بعض البنود الواردة في خطة ترمب السابقة، خاصة البندين 10 و11، اللذين يشيران إلى ما يسمى بـ"ريفيرا بلس"، أي إعادة إعمار المنطقة دون سكانها، وهو ما وصفه بأنه أمر بالغ الخطورة.
وختم بالقول إن الحل يكمن في تفعيل الضغط العربي والدولي، لا سيما من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لضمان تنفيذ المرحلة الأولى من الإعمار، والتي تشمل إزالة الركام، وفتح الطرق، زتوفير مساكن مؤقتة، ومستشفيات متنقلة، تمهيدًا لانطلاق عملية الإعمار الشاملة.