رغم وقف إطلاق النار المفترض في قطاع غزة، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيًا على الأقل وجرحت آخرين في منطقة النصيرات، بعد استهدافهم بشكل مباشر بالقرب من محور نتساريم وسط القطاع.
واتهمت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الاحتلال بالتلكؤ في تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، عبر مواصلة إغلاق شارع الرشيد ومنع عودة النازحين إلى بيوتهم.
وحمّلت "حماس" الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية أي تعطيل لتنفيذ الاتفاق، وتداعيات ذلك على بقية المراحل.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي أعلن فيه الصليب الأحمر الدولي اكتمال المرحلة الثانية من تبادل الرهائن والسجناء في غزة وإسرائيل.
وأفرجت الحركة عن أربع مجنّدات كنّ محتجزات في القطاع، بينما أطلق الاحتلال سراح 200 أسير فلسطيني من سجونه نحو الضفة الغربية أو قطاع غزة أو مصر بحكم الإبعاد.
وأكد مسؤول في "حماس" أنّ وفدًا من الحركة سيتوجّه إلى القاهرة للقاء مسؤولين مصريين واستقبال الأسرى المُبعدين.
وكشف عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين التقاهم "التلفزيون العربي" عن تعرّضهم للضرب والإهانة داخل سجون الاحتلال قبل ساعات من الإفراج عنهم. كما أكد الشهود أنّ الأسرى في معتقلات الاحتلال يتعرّضون لأبشع أنواع التعذيب.
وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين قدورة فارس لـ"التلفزيون العربي"، إنّه تمّ تأجيل موعد تحرير ألف أسير من غزة من الذين تمّ اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر، وربط تحرير الأسرى والوقف التام للحرب باستمرار الإرادة الدولية لتحقيق ذلك.
ما هي انعكاسات عملية تبادل الأسرى على الواقع السياسي والميداني في قطاع غزة؟ وكيف ستكون المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار؟
إسرائيل دخلت في "نقطة اللاعودة"
في هذا الإطار، يقول الباحث السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي، أمير مخول، إنّ معظم التحليلات الإسرائيلية تتحدّث عن أنّ صفقة وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى قد دخلت في نقطة اللاعودة، مستبعدًا أن تكون إسرائيل قادرة على العودة إلى الحرب سواء من مفهوم القوة العسكرية بل أيضًا بالمفهوم الاستراتيجي وتداعياتها على تل أبيب.
ويرى مخول في حديث إلى "التلفزيون العربي" من حيفا، أنّ ملف محور نتساريم هو النقطة الحاسمة الآن بالنسبة لإسرائيل لما لها من إسقاطات سياسية في الداخل الإسرائيلي، مضيفًا أنّ عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة يُنهي مفهوم السيطرة على شمال القطاع ومشاريع الاستيطان.
ويوضح أنّ عدم معالجة ملف محور نتساريم سيؤدي إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع تهديد وزير المال بتسلئيل سموتريتش بحجب الثقة عن الحكومة، ولذلك دفع نتنياهو إلى محاولة تغيير الائتلاف الحاكم مع مساعٍ لإدخال حزب "المعسكر الرسمي" بني غانتس شريكًا في الحكم بديلًا عن حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة سموتريتش.
ورجّح أنّ هذه الاحتمالات واردة مع وجود رغبة أميركية في هذا الاتجاه.
رسائل متعدّدة من "حماس" للداخل الفلسطيني وإسرائيل
من جهته، يرى الكاتب والمحلّل السياسي، وسام عفيفة، أنّ العرض الذي أقامته "حماس" لتسليم المجنّدات الأربع، صدم الاحتلال وفي الوقت نفسه فاجأ حلفاء ومؤيدي المقاومة أيضًا.
ويقول عفيفة في حديث إلى "التلفزيون العربي" من دير البلح، إنّ الصورة التي ظهرت بها الحركة كسرت السردية التي حاولت إسرائيل تقديمها على مدار نحو 15 شهرًا، بزعمها القضاء على المقاومة وتقويض قدراتها.
ويشير إلى أنّه على بُعد أيام من استئناف المرحلة الثانية من مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار، وفي ظل شكوك عن إمكانية تهرّب نتنياهو من خوض المرحلة الثانية، يُعتبر العرض العسكري رسالة لأهالي الأسرى ودفعًا لهم للاستمرار في التظاهر والضغط على نتنياهو لمواصلة تبادل الأسرى.
وعلى صعيد الداخل، وجّهت المقاومة رسالة للشعب الفلسطيني مفادها أنّها حاضرة وتتمتّع بالقوة لتنفيذ ما وعدت به منذ بداية الحرب، لناحية تحرير الأسرى وعودة النازحين.
"تجربة الأسرى كانت صعبة ومريرة"
بدوره، يشرح الناطق الإعلامي باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين ثائر شريتح أنّ إسرائيل أفرجت مرغمة عن مئات الأسرى الأبطال، الذين عانوا من أوضاع كارثية ومأساوية.
ويقول شريتح في حديث إلى "التلفزيون العربي" من رام الله، إنّه عند تسلّم الهيئة الأسرى من الصليب الأحمر، تحدّثوا عن العذاب والإهانة وسياسة التجويع والاعتداء عليهم باستخدام الكلاب البوليسية والتنكيل بهم وضربهم بالأسلحة والعصي.
وإذ أكد أنّ تجربة الأسرى كانت صعبة ومريرة، وأنّ ثمن الحرية كان كبيرًا بتدمير غزة وسقوط عشرات آلاف الشهداء والجرحى، شدّد على أنّ الفلسطينيين تعوّدوا على تقديم الكثير في سبيل الحرية.