تتصاعد مخاطر الحرب التجارية التي تهدد بقلب سلاسل الإمداد العالمية رأسًا على عقب، بعد أن رفعت الصين الرسوم الجمركية على الواردات من الولايات المتحدة اليوم الجمعة إلى 125%، ردًا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع الرسوم المفروضة على السلع الصينية.
وفاقم الرد الصيني من الاضطرابات الاقتصادية التي تسببت فيها رسوم ترمب حول العالم، إذ منيت الأسواق بالمزيد من الخسائر، بينما لا يزال زعماء في العالم في حيرة من أمرهم بشأن كيفية التعامل مع أكبر عراقيل تواجه نظام التجارة العالمي منذ عقود.
تصاعد خطر الركود
وقال آدم هيتس، رئيس الأصول المتعددة في جانوس هندرسون: "إن خطر الركود أكبر بكثير الآن مما كان عليه قبل أسبوعين فحسب".
وتلاشى سريعًا أثر تنفس الأسواق للصعداء، بعد أن قرّر ترمب تعليق رسوم جمركية على عشرات الدول لمدة 90 يومًا، إذ عاد الاهتمام ليتركز على الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين.
وتجاوزت قيمة التجارة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية 650 مليار دولار في 2024. ويقول محللون إن الزيادات المتبادلة تجعل عودة التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم مستحيلة.
وهبطت الأسهم العالمية وتراجع الدولار وعادت موجة بيع للسندات الحكومية الأميركية لوتيرتها السريعة اليوم الجمعة، مما أثار مجددًا مخاوف من هشاشة أكبر سوق سندات في العالم. كما صعد الذهب، الملاذ الآمن للمستثمرين في أوقات الأزمات، إلى مستوى قياسي.
واقتفت أغلب المؤشرات الآسيوية اليوم الجمعة أثر التراجع الذي شهدته وول ستريت. وفي أوروبا، تسبب الرفع الأحدث للرسوم الجمركية من الصين في تراجع الأسهم.
استقواء أحادي الجانب
ورغم أن ترمب أعلن تعليق الرسوم التي فرضها على عشرات الدول لمدة 90 يومًا، زاد من الرسوم المفروضة على الواردات من الصين بما رفعها عمليًا إلى 145%.
وردت الصين برسوم جمركية اليوم الجمعة، وقالت وزارة المالية إن الرسوم الجديدة التي فرضها ترمب "استقواء أحادي الجانب بالكامل".
وأشارت بكين إلى أن تلك هي المرة الأخيرة التي تضاهي فيها الرسوم الأميركية، إذا رفع ترمب الرسوم أكثر، لكنها تركت الباب مفتوحًا للجوء إلى أشكال أخرى من الرد.
وقالت وزارة المالية: "حتى إن استمرت الولايات المتحدة في فرض رسوم أعلى فلن يكون لها أي أهمية اقتصادية، وسيذكرها تاريخ الاقتصاد العالمي على أنها مزحة".
ووصف محللون من "يو.بي.إس" في مذكرة، إعلان الصين أنها لن ترد على أي زيادات في الرسوم الجمركية بأنه "اعتراف بأن التجارة بين الدولتين انقطعت تمامًا".
وقال ترمب للصحافيين في البيت الأبيض أمس الخميس، إنه يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تبرم اتفاقًا مع الصين، مشيرًا إلى أنه يحترم الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وفي أول تعليقات علنية لشي على رسوم ترمب الجمركية، قال لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز خلال اجتماع في بكين اليوم الجمعة: إن الصين والاتحاد الأوروبي عليهما أن "يواجها معًا أفعال الاستقواء أحادية الجانب"، في انتقاد واضح لسياسات ترمب.
واشنطن تعوّل على التفاوض
هوّن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أمس الخميس، من شأن الاضطرابات التي عادت للأسواق. وقال إن إبرام اتفاقات مع الدول سيأتي بالاستقرار والثقة للأسواق.
وقال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة وفيتنام اتفقتا على بدء محادثات رسمية بشأن التجارة. وذكرت رويترز أن فيتنام، وهي مركز تصنيع في جنوب شرق آسيا، مستعدة للتضييق على السلع الصينية التي تشحن للولايات المتحدة عبر أراضيها على أمل تجنب الرسوم الجمركية.
وشكل رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا فريق عمل تجاري يأمل أن يزور واشنطن خلال أيام. لكن ذلك لم يقدم أسبابًا تذكر لتهدئة المخاوف من تبعات الحرب التجارية الفوضوية ومنها ارتفاع حاد في التكلفة وتراجع الطلبيات الجديدة وتعطل سلاسل الإمداد.
الموقف الأوروبي
وبالنسبة لشركات أوروبية بالذات، تقلل قوة اليورو تلقائيًا من تنافسية تلك الشركات في السوق العالمية.
واليوم الجمعة، واصل اليورو صعوده ليبلغ أعلى مستوى في أكثر من ثلاث سنوات مقابل الدولار. كما صعد إلى أعلى مستوى في 11 عامًا مقابل اليوان في التعاملات الخارجية.
وفي منشور على موقع إكس، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قرار ترمب تعليق رسوم جمركية لم يتح المجال إلا "لتوقف هش.. هذا التعليق لمدة 90 يومًا يعني 90 يومًا من الضبابية لجميع شركاتنا، على جانبي الأطلسي وما هو أبعد من ذلك".
وفيما قال الاتحاد الأوروبي أمس الخميس، إنه سيوقف أول حزمة من الرسوم الجمركية المضادة، استغرق وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي اليوم الجمعة في التفكير بشأن كيفية استغلال هذا التوقف المؤقت للتوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن.
وسيتجه التركيز إلى كيفية تأثير فوضى الرسوم الجمركية على طريقة تفكير صناع السياسات في خفض أسعار الفائدة، عندما يعقد البنك المركزي الأوروبي اجتماعًا بعد أيام.
كما من المتوقع أن تبدأ الشركات في إصدار نتائج الأعمال الفصلية في الأيام القليلة المقبلة، في ظل توقعات في الأسواق بأن تصدر الشركات تحذيرات من احتمالات عدم تحقيق الأرباح المستهدفة.