تبدو حركة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في مشهد مستجد تبرز فيه ملامح التضييق على نشاطها في ساحات إقليمية لطالما كانت تتمتع بهامش حركة فيه، مثل سوريا ولبنان.
فقد أصدر المجلس الأعلى للدفاع في لبنان برئاسة الرئيس جوزيف عون، تحذيرًا علنيًا وواضحًا لحركة حماس؛ من استخدام الأراضي اللبنانية لتنفيذ ما سماها أعمالًا تمس بالأمن القومي اللبناني.
كما هدد المجلس باتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية، وبملاحقة كل من يثبت تورطه في قضية إطلاق الصواريخ يومي 22 و28 من مارس/ آذار الماضي.
لبنان يحذّر حماس من تهديد أمنه القومي
من جهته، دعا رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إلى ضرورة تسليم ما وصفه بالسلاح غير الشرعي، تطبيقًا لوثيقة الوفاق الوطني، وعدم السماح لحركة حماس أو غيرها من الفصائل بزعزعة الاستقرار الأمني والقومي، وفق قوله.
وقبل أسابيع قليلة، أعلنت السلطات الأردنية اعتقال ما وصفتها بخلية للإخوان المسلمين، اتهمتها بالتخطيط لزعزعة أمن المملكة.
واقعة الاعتقال اعتبرها البعض رسالة تحذير أرادت عمّان توجيهها إلى حركة حماس، مفادها أن ممارسة أي نشاط على أراضيها أمر محظور.
حماس بدورها، علقت على اعتقال أفراد الخلية في حينها، بالقول: إن "المعتقلين لم يكونوا ينوون استهداف أمن الأردن، وإنما تحركوا نصرة لفلسطين ورفضًا للعدوان على غزة".
أما سوريا ساحة إقليمية أخرى، تبدو حركة حماس وفصائل فلسطينية مقيدة النشاط فيها الآن، فقد اعتقلت السلطات السورية قبل أسبوعين عضوين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي، وسط تقارير ربطت الاعتقال بطلب أميركي، واعتبرته رسالة للفصائل الفلسطينية بعدم اتخاذ الأراضي السورية منطلقًا لأي عمليات للمقاومة أو أي نشاط آخر.
وباتت هذه الإجراءات والتضييقات تشتد على حماس التي تواجه لحظة حرجة في ظل استمرار العدوان على غزة وإصرار الاحتلال على إزالة الحركة من مشهد اليوم التالي.
ما وراء لهجة التحذير اللبنانية لحركة حماس؟
وفي هذا السياق، أشار أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، وليد صافي، إلى أن الرئيس ميشال عون كان قد تعهّد في خطاب القسم بجعل لبنان بلدًا حياديًا، وبحصر السلاح بيد الدولة، واستعادة قرار السلم والحرب.
وأضاف صافي، في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، أن لبنان لم يعد يحتمل أي مواجهات جديدة، مؤكدًا أن البلاد دخلت مرحلة جديدة، وأن القرار الذي اتخذته الدولة اللبنانية هو قرار سيادي.
وأوضح أن هناك إجماعًا داخل الدولة اللبنانية على استعادة قرار السلم والحرب، وعلى منع تحويل لبنان إلى ساحة للصراعات الإقليمية.

وأشار صافي إلى أن تحذير حركة حماس بعدم استخدام الأراضي اللبنانية، هو جزء من المشهد الذي ستشهده الأوضاع لاحقًا، لافتًا إلى أن هناك نقاشًا رسميًا مع السلطة الفلسطينية بشأن ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.
وأردف أنه من غير المعقول أن تطالب الدولة اللبنانية حزب الله بتسليم سلاحه، وتترك السلاح في المخيمات الفلسطينية.
كيف سيكون رد فعل حركة حماس؟
من جهته، أعرب الأكاديمي والباحث السياسي طارق حمود عن اعتقاده أن موقف حماس حيال قرار المجلس الأعلى للدفاع سينبع من ظروف الفلسطينيين في لبنان، مشيرًا إلى أن الحركة تعمل ضمن الظروف المحلية لكل منطقة تتواجد فيها.
حمود الذي أكد أنه من حق الدولة اللبنانية أن تطلق سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، شدد على أنه من حق المؤسسات الفلسطينية والفصائل أن تدافع عن طبيعة الوجود الفلسطيني في لبنان.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من العاصمة القطرية الدوحة، أن هناك حالة فلسطينية موجودة، ومن الطبيعي أن يتم التحرك إن توفرت الأدوات ووجدت البيئة المناسبة.
وأردف حمود أن حركة حماس هي من أكثر الفصائل الفلسطينية التي من الممكن أن تتفهم الأوضاع الداخلية للدول العربية، كما أنها الفصيل الوحيد الذي لم يدخل في صراع مسلح مع أي دولة عربية في أي شأن داخلي.
ورأى أن الحالة الفلسطينية في لبنان تتصل مع أي حالة فلسطينية أخرى في أي مكان، لافتًا إلى أن هشاشة الوضع في لبنان أو سوريا سينعكس على كافة الوضع الفلسطيني في كل مكان.
وتابع حمود أن منح الفلسطينيين حقوق مدينة في لبنان سيجعلهم أكثر اندماجًا في المجتمع، وسيضع سيادة لبنان أيضًا على منصة أفضل مما هي عليه حاليًا، وسيكون هناك تفهم لهذا الملف.
السلاح الفلسطيني في لبنان
الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات معين الطاهر أعرب من جهته، عن اعتقاده أن ملف حماس هو لبناني من جهة، وإقليمي من جهة أخرى.
وفي حديث للتلفزيون العربي من العاصمة الأردنية عمّان، أضاف أنه في الوقت الذي يقول في حزب الله بأنه يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، ويحيل مسألة انسحاب الاحتلال إلى الحكومة اللبنانية، لا تستطيع الدولة أن توافق على أن تقوم قوى أخرى بقيام بأي عمل من جنوب لبنان.
وأعرب الطاهر عن خشيته من أن يؤدي هذا التحذير إلى فتح ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، موضحًا أنه قد يتم استخدام هذا الملف في محاولة لإظهار عزم الحكومة اللبنانية على تطبيق "ألا سلاح سوى سلاح الشرعية اللبنانية"، وهي خطوة قد تسبق بكثير الحديث عن سلاح حزب الله.
وتابع الطاهر أن هناك خفوت للحراك الشعبي في العالم العربي بشكل عام، وهذا ليس نتيجة طول مدة الحرب على غزة فقط، بل نتيجة إجراءات يتخذها النظام العربي الرسمي بشكل عام.