السبت 24 مايو / مايو 2025
Close

بعد تشديد سياسة الهجرة.. عودة قاسية لعراقيين رحلوا من أوروبا إلى بلدهم

بعد تشديد سياسة الهجرة.. عودة قاسية لعراقيين رحلوا من أوروبا إلى بلدهم

شارك القصة

عودة اللاجئين العراقيين من أوروبا
يقول محمد جلال: إذا كانت هناك طريقة للعودة إلى أوروبا، فأنا مستعدّ للهجرة من جديد- غيتي
الخط
دفعت سياسات الهجرة الأوروبية المتشددة مع صعود اليمنين المتطرف لتفعيل آليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى دولهم الأصلية ومنها العراق.

يحاول محمد جلال إعادة بناء حياته من الصفر بعد أن تم ترحيله من ألمانيا إلى إقليم كردستان العراق وهو يحاول على مدى عشرة أعوام الحصول إلى إقامة قانونية هناك.

ومع تشديد سياسات الهجرة في أوروبا في ظل صعود اليمين المتطرف، تُرحّل دول كثيرة في القارّة العجوز آلاف المهاجرين الذين أتوا من العراق ومن جنوب البحر المتوسط.

وتقيم عدة دول أوروبية شراكات مع العراق الذي يشهد استقرارًا نسبيًا بعد نزاعات استمرت أربعة عقود، تهدف إلى تشجيع العودة وتشمل برامج لتسهيل عملية الاندماج في المجتمع لا سيّما من خلال تدريب مهني.

"مستعد للهجرة من جديد"

ومع عودته إلى مسقط رأسه رانية في محافظة السليمانية، عاد محمد جلال (39 عامًا) ليقيم مع والده المسنّ في شقّة ضيقة ينامان فيها على فرش إسفنجية رقيقة على أرضية خرسانية وفي وسط فقر مدقع.

ويقول جلال بالكردية لوكالة "فرانس برس": "إذا كانت هناك طريقة للعودة إلى أوروبا، فأنا مستعدّ للهجرة من جديد".

ويضيف: "في هذه الحالة إذا تم قبول طلب لجوئي في ألمانيا، سأتمكّن من العمل في المطاعم الكردية بشكل رسمي (...) من دون أن أحتاج إلى استلام راتب حكومي". أمّا في كردستان العراق فهو اليوم عاطل عن العمل.

وبدأت رحلته على طرق الهجرة في 2015، إذ سافر إلى اسطنبول ثمّ إلى إزمير حيث استقلّ زورقًا نقله خلسة إلى جزيرة يونانية، ومن هناك إلى أثينا ثم مقدونيا الشمالية وصربيا وكرواتيا وأخيرًا ألمانيا. وأقام في مركز لطالبي اللجوء في جنوب البلاد وبدأ يتلقى من الدولة الألمانية حوالي 300 يورو شهريًا.

وكان يضطر أحيانًا إلى الذهاب إلى نورمبرغ، التي تبعد أكثر من 150 كيلومترًا إلى الشمال، وميونيخ البعيدة نحو 140 كيلومترًا جنوبًا، ليزاول "عملًا غير قانوني مدة شهرين أو ثلاثة" خلال الشتاء حين كانت تتراجع عمليات التفتيش عن أشخاص يعملون بطريقة غير نظامية.

وبعد رفض طلب لجوئه مرّتين، رحّلته السلطات الألمانية إلى العراق في يناير/ كانون الثاني 2024.

في الربع الأخير من 2024، طُلب من نحو 125 ألف شخص غير أوروبي مغادرة إحدى دول الاتحاد الأوروبي، في زيادة نسبتها 16,3% عن الفترة نفسها في عام 2023.

عودة اللاجئين العراقيين إلى بلادهم
ما يصل إلى 300 شخص أُعيدوا إلى العراق في الربع الأول من يناير 2025- غيتي

وقالت السفارة الألمانية في بغداد لوكالة "فرانس برس": إن برلين "من حيث المبدأ ترحل الأشخاص الذين يتوجب عليهم مغادرة البلد".

وأوضحت أن "لا مجال للحصول على إقامة للأشخاص الذين يدخلون ألمانيا بطريقة غير نظامية أملًا في حياة أفضل لكنهم لا يحتاجون إلى الحماية".

ويقول أبو بكر علي مدير جمعية المهاجرين العائدين من أوروبا إلى كردستان العراق، إن ما يصل إلى 300 شخص أُعيدوا إلى العراق في الربع الأول من يناير 2025، معظمهم من ألمانيا فيما الآخرون من فرنسا ودول اسكندنافية.

"أوروبا ليست جنة"

ويضيف الناشط الحقوقي: "دائمًا كنّا نحذّر خصوصًا الشباب، من أن أوروبا ليست الجنّة التي يتخيّلونها في أذهانهم"، لافتًا إلى أن "العائدين لا يجدون أحيانًا مكانًا ينامون فيه ولا عمل ولا مساعدات حكومية".

وفي السنوات الأخيرة، خسر كردستان العراق الكثير من أبنائه قضوا في غرق قوارب مهاجرين في البحر المتوسط والمانش.

ووقعت بعض دول الاتحاد الأوروبي اتفاقيات "عودة وإعادة قبول" ثنائية مع العراق، فيما يعد التكتّل القاري اتفاقية مماثلة مع بغداد، بحسب سفير الاتحاد الأوروبي لدى بغداد توماس سيلر.

وقال سيلر لفرانس برس: "منذ فترة طويلة بلغت قدرة مدن وبلدات على استقبال المهاجرين واستيعابهم حدها الأقصى في بعض أنحاء الاتحاد الأوروبي" مشددا على ضرورة "منع الهجرة غير النظامية".

وفي 2023، رَعَت المنظمة الدولية للهجرة "العودة الطوعية" لـ1577 عراقيًا أرادوا العودة إلى بلدهم من أكثر من 20 دولة بينها ألمانيا وتركيا.

وأطلقت مؤسسة روانكه الكردية في العام نفسه برنامجًا لإعادة الدمج، بتمويل من الدنمارك وفنلندا. وتعمل كذلك على التوعية بهدف الحدّ من الهجرة غير النظامية.

"إنشاء مشاريع صغيرة"

وفي إطار هذا البرنامج اكتسب 120 شخصًا مهارات مهنية تُمكّنهم من وضع "خطة عمل" وإنشاء مشروع صغير خاص بهم. وحصل 15 منهم على منحة راوحت قيمتها بين أربعة آلاف وخمسة آلاف يورو.

وغالبًا ما تكون هذه المشاريع في "البناء والنجارة وإصلاح الهواتف المحمولة والإلكترونيات والبيع بالتجزئة والخدمات الغذائية، أو حتى خدمات التجميل بالنسبة للنساء"، بحسب كاميران شيفان مدير البرامج في مؤسسة روانكه.

وأوضح أنه في سبيل الهجرة، استدان عديدون، ما أدّى إلى ترتّب ديون عليهم "لا يمتلكون أي مصدر دخل أو أصول يمكنهم استخدامها للتسديد".

ومن بين المستفيدين من مساعدة مالية، محمد إسماعيل (29 عامًا) الذي اشترى حصة في ورشة لإصلاح السيارات.

وفي 2016، وصل إلى ألمانيا آملًا بـ"تحسين وضعه المعيشي والحصول على جنسية أوروبية". لكن بعد خمسة أعوام وثمانية أشهر، "لم يحقق" هدفه ولم يُمنح إذنًا للعمل، فيما كان يتلقى مساعدة تبلغ حوالي 320 يورو في الشهر.

وقال في ورشته: "من أصعب التجارب التي مررت بها كانت الانتظار، خصوصًا بعدما رُفض طلبي ثلاث مرات ووصلت إلى حالة من اليأس".

دفعته هذه العوامل إلى قبول العودة إلى العراق في أبريل/ نيسان 2021، وحصل لقاء ذلك على إجمالي 500 يورو من برلين ومن وكالة أممية. أمّا اليوم فيكسب حوالي 550 دولارًا بالشهر ويعيل زوجته وطفلهما البالغ ثلاثة أعوام.

ويقول: "في الوقت الحالي لا أفكر بالهجرة مرة أخرى بل قد أسافر إلى أوروبا في المستقبل لغرض السياحة فقط".

تابع القراءة

المصادر

أ ف ب