منذ قيام الملكيّة، لطالما كان الجيش العراقيّ "المظلّة الآمنة" التي تنشر ظلالها على أرجاء المنطقة العربية، إذ في أعقاب ثورة العشرين، نشأ ثاني الجيوش العربيّة.
وقد وصل حزب البعث عام 1968 إلى السلطة بانقلاب عسكري سيطر على إثره على مقاليد الحكم والحياة العامة في العراق وأخضع الجيش إلى سلطته.
لكن، بعد 13 عامًا من الحصار الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق وشعبه في ظلّ حكم صدام حسين، سقطت بغداد وسقط معها النظام الحاكم في واحدة من أكثر الحروب جدلًا وخسائر في الأرواح بين المدنيين.
وأسدل الغزو الأميركي الستار على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بذريعة امتلاكه ترسانة من أسلحة الدمار الشامل.
من أخرج الجيش العراقي من معادلة القوة؟
نجح الاحتلال الأميركي في إخراج الجيش العراقي من معادلة القوة بالشرق الأوسط، حيث حلّ بول بريمر الحاكم المدني للعراق المؤسسة العسكرية والأمنية وسرّح ما يقارب 400 ألف جندي عراقي من الخدمة العسكرية بحجة ارتباطهم بحزب البعث.
وبذلك، فتح الباب أمام معارضي نظام صدّام للعودة إلى الساحة السياسية، ما دفع بعض الجنود المفصولين إلى التمرد والانضمام إلى بعض الجماعات المسلحة كالقاعدة، ولاحقًا تنظيم داعش، في خطوات قادت لإدخال العراق وشعبه مرحلة جديدة من الحكم الأمني لم يشهدها من قبل.
كيف أسهم المالكي في إضعاف الجيش العراقي؟
وبعد عام 2003، أصبح منصب القائد العام للقوات المسلحة تحت إمرة رئيس الوزراء، ما سمح لنوري المالكي عند تولّيه الحكم عام 2006 بتعزيز سلطته وخلق نوعًا من دولة الظلّ داخل الحكومة.
وفي هذا السياق، أسّس المالكي مكتب القائد العام الذي سيطر من خلاله على الأجهزة العسكرية والأمنية، ممّا أسهم في إضعاف الجيش وفساد المؤسسة العسكرية في مقابل تقوية نفوذ الميليشيات الشيعية في الشارع العراقي.
وبموجب ذلك، فتح المالكي باب التدخل الخارجي على مصراعيه أمام إيران، ما قاد لانتهاكات لحقوق الإنسان، خصوصًا ضدّ المكوّن السنّي جراء تعزيزه للصراعات الطائفية.
قوة موازية للجيش العراقي
في النتيجة، بعد سنوات طويلة على غزو العراق وحلّ الجيش العراقي وتهميشه من قبل الاحتلال الأميركي، تشهد مدن العراق اليوم سيطرة قوة موازية للجيش على الأوضاع السياسية والمقدرات الاقتصادية.
وقد دفع هذا الأمر المواطنين للخروج إلى الشوارع والمطالبة بإسقاط الحكومة وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة وإصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة، بهدف تحقيق الوحدة الوطنية.
إلا أنّ المظاهرات التي اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 قوبلت بالقمع من قبل ميليشيات الحشد الشعبي، التي اعتبرتها تهديدًا مباشرًا لوجودها.
هل يعود الجيش العراقي إلى الواجهة؟
وأمام ما يشهده العراق وشعبه من احتجاجات واسعة ورفض صارم لما حلّ ببلاد الرافدين، تُطرَح تساؤلات حول نجاح ثورة تشرين السلمية في لفت الأنظار للمطالب الشعبية، وعلى رأسها إسقاط الحاكم وتغيير حال المحكمة وكبح جماح الميليشيات.
ومع بداية ظهور مطالبات بعودة ضباط من الجيش العراقي، يبقى السؤال أكثر من مشروع عن إمكانية عودته إلى الواجهة لضبط المشهد وفرض الأمن والحماية للوطن.