تنتشر في عدد كبير من البلدان والمدن التاريخية مبانٍ وعجائب معمارية هي الأشهر في العالم. ولكن خلف هذه الإنجازات المعمارية رحلة طويلة من الأزمات والأحداث المأساوية.
أكثر من ذلك، فإنّ بناء بعضها كاد ألا يتجاوز مرحلة التخطيط تقريبًا، إذ أعاقتها الأزمات المالية، أو المعارضة السياسية، أو التصاميم غير العملية، وغيرها من العقبات الهائلة.
لكن رغم كل هذه الصعاب، تمّ الانتهاء من عمليات البناء، لتُحدّد اليوم ثقافة المدن والبلدان التي تحتضنها.
أبنية تاريخية كادت ألا تبصر النور
فيما يلي رصد لعشرة أبنية أيقونية كادت ألا تبصر النور أبدًا، نقلاً عن موقع "ليست فيرس".
1-برج إيفل في باريس
برج إيفل هو رمز للعاصمة الفرنسية باريس وأحد المعالم الأثرية الأكثر زيارة في العالم.
تمّ تصميم البرج في البداية من قبل غوستاف إيفل للمعرض العالمي لعام 1889، وقد واجه معارضة شديدة من بعض أبرز الفنانين والمثقفين في فرنسا.
وندّدت عريضة عامة بالبرج ووصفته بأنّه إضافة "وحشية" للمدينة، زاعمة أنّه سيُدمّر جمال باريس. كما هدّدت المشاكل المالية المشروع، حيث كان غوستاف إيفل يكافح من أجل تأمين التمويل لإكمال الهيكل.
وعلى الرغم من رد الفعل العنيف، بدأ بناء البرج عام 1887. وبعد عامين، تم الانتهاء من البرج في الوقت المحدّد للمعرض.
وكان من المفترض أن يكون برج إيفل هيكلًا مؤقتًا، بحيث يتمّ هدمه بعد 20 عامًا. لكنّ استخدامه برج إرسال راديوي، إلى جانب مكانته المتنامية معلمًا محبوبًا، ضَمِن بقاءه.
واليوم، يُعدّ برج إيفل بمثابة رمز دائم للثقافة الفرنسية والبراعة الهندسية.

2- دار الأوبرا في سيدني
تُعتبر دار الأوبرا في سيدني واحدة من روائع الهندسة المعمارية الفريدة في العالم، لكنّ عملية بنائها كانت طويلة وصعبة. في عام 1957، فاز المهندس المعماري الدنماركي يورن أوتزون بمسابقة دولية لتصميم دار الأوبرا، لكنّ رؤيته المستقبلية جاءت مصحوبة بتحديات كبيرة.
وكان تصميم السقف المُنحني الذي يُشبه الشراع مختلفًا عن أي شيء تمّت تجربته من قبل، وكافح المهندسون لإضفاء الحيوية على هذا المفهوم. كما خرجت الميزانية الأولية للمشروع البالغة 7 ملايين دولار عن نطاق السيطرة، وتضخّمت في النهاية إلى أكثر من 100 مليون دولار.
واستمرّت تأخيرات البناء لأكثر من عقد من الزمن، وتصاعدت الضغوط السياسية، حيث تعرّض أوتزون لانتقادات شديدة. وعام 1966، استقال من المشروع بالكامل، بسبب الخلافات المستمرة ونقص الدعم الحكومي.
وعلى الرغم من هذه النكسات، تمّ الانتهاء من البناء أخيرًا عام 1973، ويُعرف اليوم بأنّه أحد الإنجازات المعمارية العظيمة في القرن العشرين.
ولم يعد أوتزون أبدًا إلى أستراليا لرؤية عمله النهائي، لكنّ رؤيته تظلّ جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي في سيدني.
3- البيت الأبيض في العاصمة واشنطن
واجه البيت الأبيض سلسلة من التحديات الشاقة قبل أن يُصبح مقرّ إقامة الرئيس الأميركي. صمّمه المهندس المعماري الأيرلندي جيمس هوبان في أواخر القرن الثامن عشر، وعانت عملية البناء من صعوبات مالية، وبطء تسليم المواد، ونقص العمالة. وكانت الولايات المتحدة الفتية تفتقر إلى الموارد والبنية التحتية اللازمة لإكمال مثل هذا المشروع بكفاءة، ما أدى إلى تأخيرات متكرّرة.
حدثت النكسة الأكثر تدميرًا خلال حرب عام 1812، عندما أشعلت القوات البريطانية النار في البيت الأبيض، ما أدى إلى تدميره تقريبًا. ومع ذلك، عاد هوبان للإشراف على عملية إعادة البناء، وأُعيد بناء البيت الأبيض تمامًا كما تمّ تصميمه في الأصل.
وعلى الرغم من هذه الصراعات، يقف البيت الأبيض الآن بوصفه واحدًا من أكثر المباني شهرة في العالم، إذ أصبح رمزًا دائمًا للديمقراطية الأميركية.

4- كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان
باعتبارها واحدة من أكبر وأهم الكنائس في العالم، تُعدّ كاتدرائية القديس بطرس محور الفاتيكان. ومع ذلك، كان بناؤها محفوفًا بالجدل والتأخير والصعوبات المالية. أمر البابا يوليوس الثاني بإعادة بناء الكاتدرائية عام 1506، بهدف إنشاء كنيسة ضخمة ترمز إلى قوة الكنيسة الكاثوليكية. ومع ذلك، سرعان ما أصبحت التكلفة الهائلة للمشروع نقطة خلاف، خاصة مع تحوّل الكنيسة إلى بيع صكوك الغفران لتمويل البناء.
وتعرّض بيع صكوك الغفران لانتقادات واسعة النطاق.
وبالإضافة إلى ذلك، أدت الخلافات بين المهندسين المعماريين حول التصميم إلى تغييرات متكرّرة، حيث تولّى مايكل أنجلو المشروع في نهاية المطاف في أربعينيات القرن السادس عشر.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تمّ الانتهاء من بناء كاتدرائية القديس بطرس عام 1626، أي بعد أكثر من 120 عامًا من بدايتها. ولا تزال أحد أروع الأمثلة على عمارة عصر النهضة.
5- مبنى كرايسلر في مدينة نيويورك
يُعدّ مبنى كرايسلر مثالًا ساطعًا على فنّ العمارة على طراز "آرت ديكو"، وكان أطول مبنى في العالم لفترة وجيزة. ومع ذلك، فإن رحلته إلى قمة أفق نيويورك لم تكن سلسة على الإطلاق.
تمّ تصميم المبنى من قبل ويليام فان ألين، الذي تمّ تكليفه من قبل قطب صناعة السيارات والتر كرايسلر في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، بينما كانت نيويورك عالقة في سباق لبناء أطول ناطحة سحاب. لكنّ المشاكل المالية والقانونية كادت أن تُعرقل المشروع.
وتعرّض فان ألين لاتهامات بسوء الإدارة المالية من قبل شريكه التجاري السابق، ما دفع الداعمين إلى سحب دعمهم. والأسوأ من ذلك، ألقى انهيار سوق الأوراق المالية عام 1929 باقتصاد المدينة في حالة من الفوضى.
وعلى الرغم من كل هذه العقبات، واصل فان ألين عمله وأضاف برجًا يبلغ ارتفاعه 56.4 مترًا إلى قمة مبنى كرايسلر سرًا، ليضمن مبنى كرايسلر لقبه كأطول مبنى في العالم لمدة 11 شهرًا فقط، قبل الانتهاء من بناء مبنى إمباير ستيت.
واليوم، يظل مبنى كرايسلر جزءًا مميزًا من أفق مدينة نيويورك.

6- قصر فرساي في فرنسا
يُعدّ قصر فرساي بقاعاته المذهّبة وحدائقه المشذّبة، رمزًا للملكية الفرنسية والبذخ. وتمّ بناء القصر في الأصل ليكون فندقًا متواضعًا للصيد للملك لويس الثالث عشر، قبل أن يتمّ توسيعه في عهد ابنه لويس الرابع عشر، الذي أراد تحويله إلى مقرّ سلطته المطلقة. وتطلّب المشروع الطموح موارد هائلة، بينما كانت فرنسا تُعاني بالفعل من ضغوط مالية بسبب الحروب وبناء مساكن ملكية أخرى.
وأدى الحجم الهائل للمشروع الذي تضمّن نقل المحكمة الفرنسية إلى فرساي وبناء أجنحة وحدائق جديدة واسعة، إلى تأخيرات متكرّرة وضغوط مالية. وعارض الكثير من النبلاء الفرنسيين المشروع، معتبرين أنّه عرض غير ضروري لغرور لويس الرابع عشر. ومع ذلك، كان لويس مصممًا على المشروع، وتمّ الانتهاء من بناء القصر على مراحل خلال عقود عدة.
وأصبح قصر فرساي المركز السياسي لفرنسا حتى الثورة الفرنسية، ويظلّ رمزًا للإفراط الملكي والإنجاز الفني.
7- متحف سولومون غاغينهايم في مدينة نيويورك
يُعدّ متحف سولومون غاغينهايم الذي صمّمه فرانك لويد رايت، أحد أشهر المتاحف الفنية في العالم، والمعروف بتصميمه الحلزوني الفريد.
ومع ذلك، عندما اقترح رايت هذا المفهوم لأول مرة في الأربعينيات من القرن العشرين، قُوبل بتشكيك واسع النطاق. وجادل العديد من النقّاد والرعاة بأنّ شكل المبنى من شأنه أن يطغى على الفن الموجود داخله، ما يجعله غير عملي كمتحف. وواجه رايت نفسه معارضة من داخل مؤسسة غوغنهايم، حيث أعرب مؤسس المتحف سولومون غوغنهايم عن شكوكه حول جدوى التصميم.
وما زاد من التحديات أنّ الاقتتال السياسي الداخلي والصراعات المالية أخّرت عملية البناء لسنوات. وتمّ إحياء المشروع بعد وفاة سولومون غوغنهايم، وحتى ذلك الحين، كان تصميم رايت موضع نقاش حاد.
وبدأ البناء أخيرًا عام 1956، وعلى الرغم من وفاة رايت قبل اكتمال بناء المتحف عام 1959، إلا أنّ المبنى يقف اليوم واحدًا من أكثر أعماله شهرة.
وأصبح شكله جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي لمدينة نيويورك، حيث يجذب ملايين الزوار سنويًا.

8- معبد البارثينون في أثينا
معبد البارثينون هو رمز مجد اليونان القديمة الذي لم ينهض تقريبًا من بين أنقاض الحرب.
وبعد أن نهب الفرس أثينا عام 480 قبل الميلاد، ترك جزء كبير من الأكروبوليس في حالة خراب. واقترح بريكليس وهو رجل دولة في أثينا، إعادة بناء الأكروبوليس لإظهار قوة المدينة وتفوّقها الثقافي. ومع ذلك، عارض العديد من اليونانيين هذا المسعى المُكلف، خوفًا من أن يستنزف موارد المدينة، في وقت كانت لا تزال فيه تتعافى من سنوات الصراع.
وفي نهاية المطاف، انتصر بريكليس وبدأ البناء عام 447 قبل الميلاد تحت إشراف المهندسين المعماريين إيكتينوس وكاليكراتيس، مع إشراف فيدياس على المنحوتات الزخرفية.
وتمّ الانتهاء من بناء البارثينون بعد حوالي 15 عامًا، على الرغم من المعارضة السياسية والضغوط الاقتصادية. وسرعان ما أصبح رمزًا للديمقراطية والثقافة والمرونة اليونانية.
وعلى الرغم من تعرّضه للضرر على مرّ القرون، إلا أنّ البارثينون لا يزال يقف كشاهد هائل على إنجازات اليونان القديمة.
9- برج بيزا المائل في إيطاليا
يشتهر برج بيزا بشكله المائل، لكن هذا الخلل كاد أن يتسبّب في التخلّي عن المشروع.
بدأ بناء برج بيزا عام 1173، ولكن بعد سنوات قليلة من المشروع، بدأت الأساسات في الغرق من جانب واحد بسبب التربة الناعمة وغير المستقرّة تحته. وتوقّف البناء مؤقتًا لمدة قرن تقريبًا، بسبب عدم فهم كيفية المضي قدمًا دون انهيار البرج. وتمّ إجراء عدة محاولات لتصحيح الشكل المائل عن طريق إضافة أثقال موازنة وتعزيز الأساس، ولكن لم ينجح أي منها.
وبحلول الوقت الذي استؤنف فيه البناء في القرن الرابع عشر، أصبح الميلان واضحًا جدًا لدرجة أنّ المهندسين ناقشوا ما إذا كان سيتمّ الانتهاء من المشروع على الإطلاق. ومع ذلك، قرّروا الاستمرار، مع إجراء تعديلات طفيفة على المستويات العليا للتعويض عن الميلان. وعلى الرغم من هذه الجهود، استمرّ البرج في الميلان، ولم تتمكّن التقنيات الهندسية الحديثة من تثبيت الهيكل إلا في القرن العشرين.
واليوم، يُحتفل ببرج بيزا المائل بسبب عيوبه، حيث يجذب ملايين الزوّار من جميع أنحاء العالم.
10- جسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو
يُعتبر جسر البوابة الذهبية أعجوبة هندسية في الوقت الحالي، ولكنّ عندما تم اقتراح المشروع لأول مرة في عشرينيات القرن الماضي، اعتقد الكثيرون أنّه مستحيل.
واجه الجسر الذي يمتدّ فوق مياه خليج سان فرانسيسكو، العديد من التحديات الهندسية بسبب التيارات القوية في المنطقة والضباب المتكرّر والنشاط الزلزالي. وشكّك العديد من الخبراء في قدرة الجسر المُعلّق على تحمّل الظروف القاسية. وبالإضافة إلى ذلك، أعرب المسؤولون العسكريون عن خشيتهم من أنّ الجسر سيُعرقل العمليات البحرية، بينما أعرب علماء البيئة عن قلقهم من تأثير ذلك على النظام البيئي للخليج.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، أكمل المهندس جوزيف شتراوس خطته الطموحة، ولم يكن تأمين التمويل خلال فترة الكساد الأعظم مهمة سهلة، لكن شتراوس وفريقه تمكّنوا من جمع رأس المال اللازم من خلال مزيج من السندات الحكومية والاستثمارات الخاصة.
وبدأ البناء عام 1933، وبعد أربع سنوات من العمل المكثّف، تم افتتاح جسر البوابة الذهبية عام 1937.
واليوم، يُعد أحد الجسور الأكثر شهرة في العالم، والمعروف بجماله وبراعته الهندسية.