بين السلطة والقضاء.. ما تأثير الأزمات السياسية والحقوقية على الانتخابات التونسية؟
انطلقت اليوم السبت، حملات المرشّحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية في تونس والذين قبلت هيئة الانتخابات ملفات ترشّحهم، على أن تستمرّ حتى الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
والمرشّحون الثلاثة هم: الرئيس قيس سعيّد، ورجل الأعمال العياشي زمال الموقوف والملاحق قضائيًا بتهمة "تزوير تزكيات"، والنائب البرلماني السابق وزعيم "حركة الشعب" اليسارية زهير المغزاوي.
يأتي ذلك بينما دعت المحكمة الإدارية، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى تنفيذ قرارها بإدراج الوزير السابق المنذر الزنايدي، في قائمة المرشّحين المقبولين نهائيًا لخوض الانتخابات الرئاسية.
وأثارت الأسماء المرشّحة للانتخابات الرئاسية في تونس المقرّرة في السادس من الشهر المقبل، الجدل بالتزامن مع جدل آخر بين هيئة الانتخابات التونسية وعدد من المنظمات الحقوقية، بعدما رفضت الهيئة منح الاعتماد لعدة جمعيات تهتمّ بمراقبة الانتخابات على رأسها كل من منظمة "أنا يقظ" وجمعية "مراقبون".
وبرّرت هيئة الانتخابات التونسية الرفض بتلقّيها إشعارات من جهات رسمية عن تلقّي هذه الجمعيات تمويلات أجنبية بمبالغ مالية ضخمة.
أكبر التظاهرات
ووسط هذه الأجواء السياسية المشحونة، تظاهر آلاف التونسيين أمس الجمعة، ضد ما أسموه بـ"الانتكاسة الشديدة" في الحريات والحقوق، رُفعت خلالها شعارات بدأت بالمطالبة بالإفراج عن السياسيين والصحفيين المسجونين بسبب مواقفهم المعارضة، وصولًا إلى شعارات إسقاط النظام.
ووُصفت المظاهرة التي دعت إليها الشبكة التونسية للحقوق والحريات التي تضم أحزابًا يسارية واجتماعية ومنظمات من المجتمع المدني، بـ"الأكبر" منذ العام الماضي ضدّ الرئيس قيس سعيّد.
فكيف تُقرأ التجاذبات والأجواء السياسية في تونس عقب قرارات المحكمة الإدارية بعودة مرشحين إلى سباق الرئاسة؟ وما هي شرعية الانتخابات التونسية في ظل إقصاء جمعيات رقابية؟ وما مدى تأثير خروج مظاهرات ضد قيس سعيد قبل أسابيع من إجراء الانتخابات التونسية؟
"انتخابات غير جدية"
أشار طارق الكحلاوي، المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، إلى أنّ "الهيئة المستقلة للانتخابات هي هيئة معيّنة من السلطة التنفيذية منذ انقلاب 25 يوليو"، مضيفًا أنّ "قرار المحكمة الإدارية بشأن ترشيح الزنايدي يُشير بوضوح إلى أنّ عدم إعادته إلى السباق الانتخابي أمر يمسّ بنزاهة المسار الانتخابي، في خطوة غير مسبوقة ستُثير الكثير من الجدل".
وقال الكحلاوي في حديث إلى "التلفزيون العربي" من تونس، إنّ إقصاء الهيئة المستقلّة للانتخابات لعدد من المرشّحين رغم قرار المحكمة الإدارية، ألقى بظلاله على المسار الانتخابي، معتبرًا أنّ "الشرعية السياسية لهذه الانتخابات أصبحت ضعيفة جدًا، إذ لا يُمكن الحديث عن انتخابات تنافسية وتعدّدية. وقد تُعيدنا نوعًا ما إلى الانتخابات السابقة أي ما قبل 2019".
ورأى أنّه "لا يُمكن الحديث عن منافسة جديّة في الانتخابات، إذ يُنظر إلى المرشّحين المنافسين لسعيّد على أنّهما ضعيفان مقارنة بسعيّد".
"انتخابات شكلية جوفاء"
من جهته، اعتبر وسام الحمادي عضو المكتب السياسي لحزب "التيار الديمقراطي"، أنّ "الانتخابات الحالية هي انتخابات شكلية جوفاء، حيث تغيب الشروط الأساسية لانتخابات ديمقراطية لناحية الحرية في الاختيار والنزاهة والشفافية والتعديدية".
وقال الحمادي في حديث إلى "التلفزيون العربي" من العاصمة تونس، إنّ "الانتخابات التونسية الحالية تشهد شيطنة وتخوينًا للمعارضين لسعيّد، بينما يقوم المرشّح سعيّد بتنقيح القانون الانتخابي وتعيين أعضاء الهيئة المشرفة على الانتخابات وهو ما يضعهم في موقف تضارب المصالح".
كما "تغيب المراقبة من قبل منظمات المجتمع المدني والإعلام، بينما تُحاك اللعبة الانتخابية على مقاس سعيد لناحية إقصاء المرشّحين وعشرات الملاحقات القضائية ضدّ المرشّحين"، برأيه.
وأضاف أنّ "المعارضة التونسية ارتكبت أخطاءً سياسية خلال السنوات الـ13 الماضية، وتسبّبت بشكل أو بآخر في الوضع الحالي، لكنّ ذلك لا يُبرّر تحوّل تونس من نظام ديمقراطي إلى نظام سلطوي ونظام الشخص الواحد".
"التونسيون فقدوا الأمل بالمسار الديمقراطي"
بدوره، رأى محمد ذويب، الكاتب والباحث السياسي، أنّ "الرئيس قيس سعيّد يتحمّل مسؤولية ما وصلت إليه تونس، لا سيما وأنّه لم يستطع أن يحدث تغييرًا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية".
وأشار ذويب في حديث إلى "التلفزيون العربي" من العاصمة التونسية، إلى أنّ المجتمع التونسي هجر السياسة لأسباب كثيرة، وجلّ ما يهمّه هو الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي.
وحمّل المعارضة ونظام سعيّد مسؤولية ابتعاد التونسيين عن السياسة، مشيرًا إلى أنّ "بريق المعارضة قد خفت خلال السنتين الماضيتين وظلّت معزولة عن الشارع بينما اقتصر نشاطها السياسي على تحرّكات متفرقة دون تنظيم الشارع، أما سعيد فقد احتكر السلطة ودفع نسبة كبيرة من الشعب التونسي إلى فقدان الأمل بالعملية السياسية والمسار الديمقراطي والنشاط السياسي".