بين تعنت نتنياهو وتحذيرات حماس.. أيّ فرص للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة؟
انطلقت في العاصمة المصرية القاهرة المحادثات الرامية للتوصل إلى صفقة جديدة بشأن غزة التي تواجه عدوانًا إسرائيليًا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أسفر عن عشرات آلاف الشهداء والجرحى.
وجاء ذلك عقب وصول وفد إسرائيلي برئاسة رئيس "الشاباك"، فضلًا عن مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز ومبعوث الرئيس الأميركي بريت ماكغورك.
ووفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، سيبحث الوفد الإسرائيلي ملفات عدة، منها محاولة تقليص الفجوات من المنظور الأمني للصفقة.
مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة
ولبدت أجواء المفاوضات تصريحات أدلى بها قبل ساعات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تضمنت وضع ضوابط تعجيزية لأي اتفاق محتمل مع المقاومة.
عوامل التشويش الداخلية الإسرائيلية غذتها تحذيرات جديدة لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش من مغبة التوصل إلى صفقة واصفًا الأمر بـ"الحماقة".
مقابل ذلك، جدد زعيم المعارضة يائير لابيد تعهده بمنح نتنياهو شبكة أمان حكومي في حال أدت صفقة التبادل مع حماس، إلى استقالة وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية، في وقت أكد فيه وزير الأمن يوآف غالانت لعائلات الأسرى فعل كل شيء حتى لا تفوت الفرصة الحالية للتوصل إلى صفقة.
وعلى الطرف الآخر، حذرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من التداعيات الكارثية لما يجري في قطاع غزة، محملة الحكومة الإسرائيلية وجيشها مسؤولية انهيار مسار مفاوضات وقف إطلاق النار.
ولفتت حركة حماس في بيان إلى استمرار نتنياهو في وضع العراقيل أمام مفاوضات التهدئة باستمراره في حرب الإبادة ومحاولات التهجير، رغم المرونة والإيجابية التي أبدتها الحركة لتسهيل التوصل لاتفاق لوقف العدوان.
وطالبت الحركة الوسطاء بـ"التدخل لوضع حد لألاعيب نتنياهو وجرائمه"، داعية المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى "الوقوف عند مسؤولياتهم القانونية والإنسانية والضغط لوقف جريمة الإبادة".
"سياسة مراوغة إسرائيلية"
وفي هذا الإطار، استبعد مدير تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية أشرف العشري، حدوث أي اختراق في المفاوضات، مشيرًا إلى أن الوفد الإسرائيلي لا يزال يلجأ إلى سياسة المراوغة والتحايل.
وفيما أضاف أن هناك الكثير من النجاحات التي حُققت في الفترة الأخيرة، أشار العشري إلى الوفد الإسرائيلي الذي وصل إلى القاهرة ما زال معبأ بتفاهمات من نتنياهو، وبتفويض بألا يقدم أي نوع من التنازلات.
وفي حديث للتلفزيون العربي من العاصمة المصرية القاهرة، تابع العشري أنه لا يمكن التعويل على الجانب الإسرائيلي حتى هذه اللحظة، لأن نتنياهو سعى إلى كثير من المكاسب على أن يكون هناك ممارسة ضغوط إلى ما لا نهاية مع الجانب الأميركي، ويسعى إليها مع الوسطاء.
لكنه أشار إلى أن هناك حالة من الانكشاف الكامل، إما أن يكون هناك تعاط إسرائيلي بدون أي نوع من الضغوط في الأيام القادمة، وإلا ستكون هناك العودة إلى نقطة الصفر.
وأوضح العشري أن نتنياهو يلجأ إلى ما يعرف بالفرصة الأخيرة، واتباع سياسة ما يعرف بـ"الباب الدوار"، أي كلما تم الاقتراب من التوصل إلى تفاهمات، وكانت حماس أكثر مرونة، كان نتنياهو أكثر تشددًا، لأنه سيكون الخاسر الأكبر إذا تم التوصل إلى صفقة، وسيخرج اليمين المتطرف من حكومته، وسيتعرض لخسارة منصبه، كما سيتعرض للمحاكمة.
الموقف المصري
وبشأن الموقف المصري، أشار العشري إلى أن حجة إسرائيل بالتمركز والتموضع في منطقة رفح من الجانب الفلسطيني مرفوضة تمامًا من قبل القاهرة، حتى فيما يتعلق بصيغة اليوم التالي للحرب.
وأضاف أن مصر أبلغت إسرائيل أن هذا أمر سابق لأوانه، ولن تقبل القاهرة والعواصم العربية، بأن تكون هناك قوات عربية أو دولية إلا إذا انسحب الجيش الإسرائيلي بالكامل من مناطق قطاع غزة مع تنفيذ المرحلة الثالثة من اتفاق الهدنة، بالإضافة إلى أن القاهرة أبلغت تل أبيب أنه لا يمكن التعاون عسكريًا ولا أمنيًا طالما بقي الاحتلال في قطاع غزة.
وبشأن ما الذي سيجعل نتنياهو يصدق بأن إجراءات ما قد تقوم بها القاهرة ضد إسرائيل، أجاب العشري أن هذا الأمر كله مرتبط بتطبيق المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة، بالتالي فإن الجانب المصري يقول إنه بمجرد تطبيق المرحلة الأولى سيكون هناك انسحاب إسرائيلي من مناطق رفح بالكامل وممر فيلادلفيا، وهذا أمر أُبلغت به إسرائيل وتعلمه تمامًا.
وبشأن محور فيلادلفيا، ترى القاهرة، حسب العشري، أن هذا الوضع لا يمكن أن يدوم لأنه سيؤدي إلى نتائج عكسية في مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية.
وأضاف: "لأول مرة منذ 45 عامًا، هناك حالة من الغضب في مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية"، لافتًا إلى أن القاهرة أبلغت تل أبيب أن هذا الأمر سيؤدي إلى اتخاذ خطوات عقابية باتجاه اتفاق "كامب ديفيد" كتعطيلها، أو إلغائها وتجميدها.
وخلص إلى أن اجتماعات القاهرة والدوحة يومي الثلاثاء والأربعاء ستكون هامة للغاية ومصيرية، فإما أن يكون هناك أسبوعان من المفاوضات لترتيب الأجواء لعودة المفاوضات، وإما أن يكون هناك إعلان بوفاة المفاوضات ووفاة الجهود السلمية.
إلى ماذا يسعى نتنياهو؟
الباحث في مركز "مدى الكرمل" إمطانس شحادة من جهته، أوضح أن نتنياهو والحكومة الإسرائيلية عادا إلى المفاوضات لأنهما كانا مضطرين إلى ذلك، بسبب تغيير موقف حماس، ولكن نتنياهو أصدر مباشرة بعد العودة إلى المفاوضات بيانًا دون إطلاع القيادات الأمنية عليه ودون التشاور عاد فيه إلى ما يمكن اعتباره الثوابت، أهمها أن لا يؤدي أي اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى إلى وقف الحرب.
وفي حديث للتلفزيون العربي من حيفا، أضاف شحادة أن هذا الموضوع ما زال ثابتا ونتنياهو متمسك بهذا الشرط لغاية الآن، وأضاف إليه منع عودة ما يسميه مسلحين إلى شمال قطاع غزة.
وفيما أشار إلى خبر نشرته القناة 12 الإسرائيلية من صحافي مقرب من اليمين الإسرائيلي جاء فيه عن معلومات من الجيش أن قسمًا كبيرًا من أنفاق حماس في قطاع غزة ما زالت صالحة للاستعمال وتشكل تهديدًا، أضاف شحادة أن بعض الضباط في جيش الاحتلال غير راغبين في هذا الاتفاق.
وتابع شحادة أن القيادات والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تسعى إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وتريد عمليًا تخفيف حدة المعارك، لافتًا إلى أن هناك أطرافًا غير معنية بالتوصل إلى اتفاق.
وأردف أن هناك تناقضات كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية، مستبعدًا أن تكون هذه الحكومة قادرة على التوصل إلى اتفاق بهذه التشكيلة.
وفيما أشار إلى أن نتنياهو يناور بين كل هذه التناقضات وبين مصالحه الشخصية، لفت إلى أنه كان صعبًا عليه رفض العودة إلى المفاوضات، موضحًا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيضع كل العراقيل وسيحاول إطالة أمد المفاوضات وإفشالها إلا إذا حصل شيء غير متوقع.
وأعرب شحادة عن اعتقاده أن كل الضغط الأميركي على إسرائيل اتضح أنه وهم، مشيرًا إلى أن تل أبيب استطاعت التعامل مع كل محاولات واشنطن والضغط عليها، ونفذت في النهاية غالبية مخططاتها.
موقف واشنطن من المفاوضات
من جهته، عبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية وليام لورانس عن تفاؤله بسبب أن إسرائيل وحماس وافقتا على المرحلة الأولى من الاتفاق، مشيرًا إلى أن بيرنز حينما يذهب إلى مكان ما فإنه يدل على إمكانية الاقتراب من اتفاق.
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، أشار إلى أن إسرائيل بالنظر إلى ما تقوم به في مسار الحرب وتأجيلها للمفاوضات، هي مهتمة أكثر بإغلاق الحدود ومعبر رفح أكثر من الاتفاق مع حماس.
وأعرب لورانس عن اعتقاده أن المصريين يقولون إنهم سيتعاونون في مسألة الحدود، وإدارة معبر رفح إذا ما وافقت إسرائيل على صفقة مع حماس.
وأضاف أن الولايات المتحدة تتفق مع إسرائيل في بعض الأمور وتختلف معها في الكثير منها، موضحًا أن واشنطن تختلف مع تل أبيب في مسار ما بعد الحرب، وبعض التكتيكات، كما أنها تتفق معها في حقها في الدفاع عن نفسها وفي دخولها في غزة وإبعاد حماس عن السلطة.
ولكنه لفت إلى أن الولايات المتحدة لا تحبذ إستراتيجية إسرائيل ونتنياهو، ولهذا نرى أن هناك مسؤولين أميركيين يدعون إلى استبدال نتنياهو بأسرع وقت.
وأعرب لورانس عن اعتقاده أن أداء بايدن الضعيف في المناظرة الأخيرة مع منافسه دونالد ترمب، هو الذي أفضى إلى هذا القلق السياسي في الحزب الديمقراطي، ما دفع بايدن للضغط على نتنياهو في المفاوضات الحالية، لأن الرئيس الأميركي يريد الفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وقال لورانس: إن الضغط الذي مارسه بايدن على إسرائيل يتمثل في عدم إرساله الأسلحة الثقيلة وفرض ضغوطات اقتصادية على نتنياهو".