Skip to main content

تابو أم كلثوم في السينما.. صورة مستبدة وأخريات مقموعات

الأربعاء 4 ديسمبر 2024
ولدت أم كلثوم في ديسمبر عام 1898 في إحدى قرى محافظة الدقهلية، لأب كان يعمل مؤذنًا ومنشدًا للموشحات - غيتي

وسط سرية تامة، أنهى المخرج المصري الشاب مروان حامد تصوير فيلم "الست"، الذي يُعد ثالث مقاربة درامية مصرية لأسطورة الغناء العربي أم كلثوم (1898-1975).

سبقت هذا الفيلم كل من فيلم "كوكب الشرق"، الذي جسدت فيه الممثلة فردوس عبد الحميد دور أم كلثوم وأخرجه محمد فاضل، والمسلسل "أم كلثوم"، من إخراج إنعام محمد علي وبطولة الممثلة صابرين. يُذكر أن كلاً من الفيلم والمسلسل أُنتجا في عام 1999.

وفيلم "الست" من تأليف الكاتب أحمد مراد، وبطولة الممثلة منى زكي، بمشاركة عدد كبير من الفنانين المصريين.

ويأتي الفيلم بعد تجربة سابقة مثيرة للجدل لمنى زكي في تقديم أعمال قائمة على السيرة الذاتية لفنانين مصريين كبار؛ حيث قدّمت في عام 2006 مسلسلًا عن الفنانة سعاد حسني بعنوان "السندريلا"، من إخراج سمير سيف.

وولدت أم كلثوم في ديسمبر/ كانون الأول عام 1898 في إحدى قرى محافظة الدقهلية، لأب كان يعمل مؤذنًا ومنشدًا للموشحات.

ابنة المؤذن التي تحوّلت إلى أسطورة-غيتي

وقد يشكّل ما كتبه الناقد المصري رجاء النقاش في كتابه "لغز أم كلثوم"، وهو من أوائل الكتب التي تناولت سيرة الفنانة الكبيرة، "عندما ولدت كانت عبئًا على أبيها الذي كان يكسب بالتعب والعرق عشرين قرشًا في الشهر، وبعد سنوات أصبح عبء أم كلثوم نعمة على شعبه بأكمله"، مفتاحًا لفهم ذلك الحذر والتهيّب الشديد من مقاربة أم كلثوم سينمائيًا.

كيف تشكلت صورة أم كلثوم؟

الصورة غير الصوت، وصورة أم كلثوم تشكّلت في معزل عنها، أسطورة أكثر منها إنسانة عادية يمكن أن يصادفها المرء في الأسواق، فما إن خلعت الفتاة الخجولة التي دأبت على مرافقة والدها منشد التواشيح الدينية، في حفلات القرى التي كان يُدعى إليها "العباءة والعقال"، وأصبحت مغنية يُشار إليها بالبنان، وتُطلب لذاتها، في مطلع عشرينيات القرن الماضي، حتى انفصلت صورتها في المخيال الشعبي المصري بل والعربي لاحقًا عنها.

جعل ذلك أي مقاربة سينمائية أو درامية تلفزيونية لها، أمرًا بالغ التعقيد، ما يفسّر قلة بل ندرة الأفلام والمسلسلات التي تدور حول حياتها أو فنها.

صورة لأم كلثوم تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي-غيتي

كانت أوائل محاولات الاقتراب من أم كلثوم في السينما والتلفزيون عام 1999، ففي ذلك العام قدّمتها المخرجة إنعام محمد علي في مسلسل "أم كلثوم" من تأليف محفوظ عبد الرحمن وبطولة صابرين.

بين صابرين وفردوس عبد الحميد

استحوذ المسلسل في حينه على اهتمام المتلقين العرب بشكل يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ الدراما العربية، وربما عكست حرارة استقباله "نوستالجيا" عربية لحقبة الأحلام السياسية الكبرى، ممثّلة بالناصرية، مع ما رافقها من نهضة فنية وأدبية كبيرة.

على أن ذلك جاء ضمن معادلة تواطؤ عامة، من المتلقي إلى المُنتج، استبعدت الإنسانة أم كلثوم، فلم تتطرق إلى تاريخها الشخصي غير الرسمي، بل تقيّدت بما هو معروف ومكرّس من سيرتها.

قدّمت مئات الأغاني مقابل ستة أفلام سينمائية فقط-غيتي

في العام نفسه قدّمت فردوس عبد الحميد صورة أخرى لأسطورة الغناء العربي، في فيلم يحمل اسم "كوكب الشرق"، من إخراج محمد فاضل، لكنها صورة لم تخرج عن الإطار العام للأولى، المكرّسة، فظلت أم كلثوم أسيرة صورةً واحدةً، ما أفقر مقارباتها فنيًا.

قُدّمت أم كلثوم في عملين آخرين غير عربيين، أولهما وثائقي بعنوان "أم كلثوم.. صوت يشبه مصر" عام 1996، من إخراج الأميركية ميشال غولدمان، وبصوت عمر الشريف، والثاني درامي سينمائي من إخراج الإيرانية شيرين نيشات بعنوان "البحث عن أم كلثوم" عام 2017 ومن بطولة ياسمين رئيس، ولم يستطع كلاهما كسر ما قد يُعتبر "تابو أم كلثوم".

أغان كثيرة وسينما أقل

بينما قدّمت أم كلثوم أكثر من 300 أغنية في مسيرتها التي امتدت على نحو ستة عقود فإنها لم تقدّم إلا ستة أعمال سينمائية، كانت استثمارًا لموهبتها الغنائية لا التمثيلية، على ما حدث مع سواها مع مغنين عرب كبار ظهروا في أفلام سينمائية استثمرت في شهرتهم كمغنين لا ممثلين، وجاءت أغلبها ضعيفة المستوى، ومليئة بالثغرات والتوظيف السيئ للأغاني في السياق الدرامي المفترض لهذه الأعمال السينمائية.

وأنتجت أفلام كلثوم ما بين عامي 1935 و1947، حيث بدأت بـ"وداد" وانتهت بـ"فاطمة":

  • وداد (1935)

كانت أولى تجارب أم كلثوم في السينما عام 1935، في فيلم "وداد" الذي عُرض في دور السينما المصرية مطلع عام 1936، وهو أول فيلم يقدّمه ستوديو مصر (شركة مصر للتمثيل والسينما التي أسسها طلعت حرب عام 1935). 

كتب قصة الفيلم والحوار الشاعر أحمد رامي، وأخرجه الألماني المقيم في مصر آنذاك فريتز كرامب، بالاشتراك مع المخرج المصري أحمد بدرخان الذي تحمل خمسة من أفلام أم كلثوم من أصل ستة توقيعه. 

فيلم وداد أول افلام أم كلثوم عام 1935-غيتي

وتختصر قصة الإعداد للفيلم قصة صناعة السينما المصرية، أو تمصيرها بالكامل في تلك الحقبة على يد الاقتصادي طلعت حرب، الذي استدعى المخرج الشاب أحمد بدرخان قبل إنتاج الفيلم، وطلب منه إعداد دراسة عن إمكانية إنشاء ستوديو سينمائي في مصر، ثم أرسله في بعثة دراسية إلى باريس لدراسة السينما. 

بدرخان من "وداد" إلى "فاطمة" 

ويجمع مؤرخو السينما المصرية على أن بدرخان هو المخرج الأول لفيلم "وداد" وليس الألماني فريتز كرامب الذي أكمل ما بدأه بدرخان.

خلال وجوده في فرنسا للدراسة أرسل ستوديو مصر قصة "وداد" لبدرخان ليعدّ لها السيناريو وتكون باكورة إنتاج الاستوديو، وعندما عاد إلى مصر أوكلت إليه مهمة إخراجه، لكن خلافات نشبت خلال العمل جعلته يتنحى، وتسند مهمة الإخراج إلى الألماني فريتز كرامب.

غنّت أم كلثوم في الفيلم لمحمد القصبجي أغنية "يلي ودادي صفالك"، ولزكريا أحمد "يا ليل نجومك شهود"، ورياض السنباطي "على بلد المحبوب وديني". 

تدور قصة الفيلم حول العلاقة العاطفية للجارية وداد مع أحد التجّار في العصر المملوكي، الذي يفقد ثروته فتعرض عليه وداد بيعها في سوق الجواري ليتجاوز محنته، فيرفض في البداية قبل أن يضطر إلى بيعها وتزدهر تجارته من جديد، تاركًا وداد نهبًا للأسى والشوق.

حافظت على صورة واحدة على خشبة المسرح والحياة-غيتي
  • نشيد الأمل (1937)

من إخراج أحمد بدرخان، ومقتبس عن قصة لأدمون تويما (ممثل مصري من أصول لبنانية). 

كتب الحوار والأغاني للفيلم الشاعر أحمد رامي، وغنّت فيه أم كلثوم من ألحان محمد القصبجي ورياض السنباطي وعزيز صادق عدة اغان منها: يا مجد ياما اشتهيتك، نامي نامي يا ملاكي، افرح يا قلبي. 

وتدور قصة الفيلم حول امرأة ينفصل عنها زوجها فتتعرف إلى طبيب يكتشف موهبتها الغنائية ويساعدها لتحقيق ذاتها، بينما يواصل طليقها ملاحقتها والتسبب بالمشكلات لها.

  • دنانير (1940)

إخراج أحمد بدرخان، وتأليف أحمد رامي.

تدور قصته حول دنانير، وهي فتاة بدوية تمتلك صوتًا جميلًا، ورحلتها الشاقة في الحياة قبل أن تغني في بلاط الخليفة هارون الرشيد. وغنّت أم كلثوم في الفيلم عدة أغان من ألحان رياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمد القصبجي، منها: يا ليلة العيد انستينا، وبكره السفر، والزهر في الروض ابتسم.

مع الموسيقار عبد الوهاب الذي قدم لها عددا من الألحان-غيتي
  • عايدة (1942)

إخراج أحمد بدرخان، وكتابة عبد الوارث عسر. 

تدور قصته حول "عايدة" ابنة الريف التي تهوى الغناء، والتي يعمل والدها لدى أحد الباشوات. والفيلم من تجارب أم كلثوم النادرة في الغناء الأوبرالي، خاصة أنه مقتبس من "أوبرا عايدة" للموسيقار الإيطالي "فردي".

قدمت أم كلثوم عدة أغان في الفيلم من ألحان محمد القصبجي ورياض السنباطي وإبراهيم الحجاج، منها إحنا وحدنا، يا قلبي بكرا السفر.

  • سلامة (1945)

أخرج الفيلم توجو مزراحي، وكتبه الشاعر بيرم التونسي عن قصة للكاتب علي أحمد باكثير.

تدور قصته حول جارية في العصر الأموي تغرم برجل زاهد فتُباع وتُشترى قبل أن تعود إليه في الوقت الضائع. 

من أغاني الفيلم: غني لي شوي شوي، عين يا عين، نور محياك. 

  • فاطمة (1947)

أخرج الفيلم أحمد بدرخان، عن قصة لمصطفى أمير بك. تدور قصته حول فتاة فقيرة تتزوج عرفيًا من ابن أحد الباشوات، ورفض والده لذلك وسعيه لإبعاد ابنه عنها. 

غنت أم كلثوم في الفيلم عدة أغان منها: "لغة الزهور" و"اليتيم" وسواهما من ألحان زكريا أحمد ومحمد القصبجي. 

مصر تشيّع أسطورتها في الغناء عام 1975-غيتي
حضور أكبر في الكتب والدراسات

على قلة حضورها في السينما والدراما التلفزيونية، ممثلة أو موضوعًا للتناول، كانت أم كلثوم موضوعًا لعشرات الكتب والدراسات بالعربية والإنكليزية.

ويبدو أن هيمنة الصورة الواحدة أو "تابو أم كلثوم"، اقتصر على الفنون الدرامية، وأن الأمر يحتاج إلى مغامرات سينمائية أكثر جرأة تُحرّر "الست" من سطوة صورتها في المخيال الشعبي، وتقترب أكثر منها إنسانة خاضت حروبًا صغيرة كثيرة في طريق صعودها الفني، وسط منافسات محكومة بالنفوذ وليس بالموهبة وحسب، وبالاستثمار السياسي والتجاري، ولعبة الإعلام الذي كان مسيّسًا أكثر مما يجب في حقبة الخمسينيات والستينيات وبعض السبعينيات من القرن الماضي، إذ تعامل مع الفنون في مصر باعتبارها جزءًا من الصناعات الحربية الثقيلة، أكثر من كونها فنونًا منفصلة تمتلك هامشها من الاستقلال عن الشرطين السياسي والاجتماعي.

ومن الكتب اللافتة في تناول أم كلثوم، مغنية وإنسانة وظاهرة، يمكن إيراد عناوين 10 كتب على الأقل:

  • لغز أم كلثوم- رجاء النقّاش
  • أم كلثوم التي لا يعرفها أحد- محمود عوض
  • أم كلثوم.. كوكب الشرق (بالفرنسية)- إيزابيل صيّاح-بوديس
  • أم كلثوم.. الوكالة الفنية وتشكيل الأسطورة العربية (بالإنكليزية)- لورا لوهان
  • الهوى دون أهله-حازم صاغية
  • أم كلثوم.. معجزة الغناء العربي-رتيبة الحفني
  • أم كلثوم.. سنوات المجهود الحربي
  • أم كلثوم- فكتور سحاب وإلياس سحاب
  • صوت مصر.. أم كلثوم والأغنية العربية والمجتمع المصري في القرن العشرين- فرجينيا دانيلسون
  • أم كلثوم.. الشعر والغناء- أحمد يوسف علي.
المصادر:
التلفزيون العربي
شارك القصة